افتتاحية

صدق او لا تصدق… هؤلاء هم سياسيو لبنان

استراح المعطلون بعد ان حققوا حلمهم، ووصلوا الى مبتغاهم. فقصر بعبدا خال وقد عشش فيه العنكبوت، بعد فراغ استمر نحو ثلاثة عشر شهراً، ولا يزال مستمراً، كما انه لا يبدو في الافق ما يشير الى قرب انهاء هذا الشغور. ومجلس النواب معطل هو الاخر والسبب مهما قيل ومهما ورد من تبريرات، هو عدم وجود رئيس للجمهورية، وهذا امر طبيعي، باعتبار ان الجسم لا يمكن ان يتحرك بدون رأس. وكانت الامال معلقة على مجلس الوزراء، وهو المؤسسة الادارية الوحيدة الباقية على رأس السلطة، غير ان الذين عملوا من اجل الفراغ ساءهم ان يبقى مجلس الوزراء يعمل، فعمدوا الى تعطيله، بشهادة الوزير وائل ابو فاعور الذي خرج من الجلسة الاخيرة لمجلس الوزراء متجهم الوجه، وقصد عين التنية للاجتماع بالرئيس بري، ومن هناك نعى مجلس الوزراء.
الاوساط اللبنانية والعربية والدولية التي تهتم بلبنان اكثر من اهتمام سياسييه به، ذهلوا مما يسمعوه عن الخلافات التي عصفت بين الوزراء، والكلام التصعيدي الخطير الذي صدر عن بعضهم، وتساءلوا: هل صحيح ان الكلام صدر عن وزير لبناني خصوصاً وانه قال فيه: «نحن نرفض تمرير اي موضوع في مجلس الوزراء قبل ملف التعيينات الامنية والعسكرية، ولو شو ما صار بالبلد» ثم تابع يقول: «لن نغير موقفنا حتى ولو خربت الدنيا» وكان بذلك يتحدث عن التعيينات الامنية التي لو طبق كلامه لكانت الحكومة قد خالفت القوانين، اذ كيف يجوز ان يعين قائد للجيش قبل ثلاثة اشهر من انتهاء ولاية القائد الحالي؟ وهل يجوز خلال هذه الفترة ان يكون للجيش قائدان، خصوصاً وان القائد الاعلى للجيش وهو رئيس الجمهورية غير موجود بفعل المعطلين اياهم؟
احد الدبلوماسيين سأل هل من المعقول ان يكون هذا الكلام الذي ورد على لسان احد الوزراء صادراً عن وزير في الحكومة اللبنانية، التي يفترض فيها، والوزير احد اعضائها، ان تحمي البلد وتدفع عنه الاخطار، قبل البحث عن مصالح ضيقة لا تهم احداً سوى اصحابها؟ اننا حقاً نعيش غرائب هذا الزمن العجيب، ونبحث عن الوطنية الضائعة في خضم الخلافات السياسية القائمة والمتصاعدة.
لقد اعتاد اللبنانيون مع هذا الطقم السياسي الذي ابتلي به البلد، ان يشهدوا في كل يوم ما يثيرهم ويثير استغرابهم، حتى باتوا لا يبالون بما يقوم به السياسيون.
فالمجلس النيابي، ونكرر للمرة المئة، الممد لنفسه رغماً عن ارادة الناخبين، اعتاد على عدم الانتاج حتى بات الشلل القاعدة، والعمل هو الاستثناء، فاذا اجتمتع مرات لا يتجاوز عددها عدد اصابع اليد الواحدة في السنة، تصدر عنه قوانين غير قابلة للتطبيق، فتتوقف في منتصف الطريق. ولس اولها ولا اخرها قانون الايجارات الذي بدل ان يحل قضية السكن وينصف المالك والمستأجر، ضرب المستأجرين وهددهم بالرمي في الشارع، فتوقف تنفيذه، واعيد الى اللجان لدرسه، بعد ان خلق مشكلة يصعب حلها بين المالك والمستأجر. واوقع القضاء في حيرة.
اما مجلس الوزراء فقد ابتدع بدعة، اغرب ما يمكن ان يسمع بها انسان عاقل. فاصدر قراراً منح كل وزير من الاربعة والعشرين وزيراً صلاحية رئيس الجمهورية، لا بل اكثر، اذ ان رئيس الجمهورية تقيده القوانين المتعلقة بتوقيعه، بينما الوزير غير مقيد بأي شرط.
وفي الجلسة الاخيرة لمجلس الوزراء، وافق جميع الوزراء على المضي في العمل لتسهيل امور الناس، باستثناء وزيرين، فتعطل كل شيء. امن المعقول ان يرهن مصير بلد باكمله، لمزاج وزير تهمه مصلحته ومصلحة حزبه على اي مصلحة اخرى، حتى ولو كان الامر متعلقاً بمصالح الناس والبلد؟ وهل من المعقول ان تشل مصلحة وزير عمل الدولة وتتعطل الادارات العامة؟
والاغرب من كل ذلك ان المعطلين والمتسببين بالشلل يهاجمون الفراغ في رئاسة الجمهورية ويبحثون عن جهة يحملونها المسؤولية ولكنهم عاجزون، ذلك ان الشعب من كبيره الى صغيره بات يعرف من هو المعطل، ومن يتسبب في فراغ قصر بعبدا منذ ثلاثة عشر شهراً.
ان اول عمل يجب ان يقوم به مجلس الوزراء، بعد ان تبين بالممارسة خطأ هذا القرار، ان يحرر قراراته فلا تبقي مصير البلد معلقاً على مزاج وزير واحد، وبسبب موظف، مع تأكيدنا على كفاءة هذا الموظف، فيلغى هذا القانون الاعوج الذي اصبح بموجبه للبنان 24 رئيس جمهورية وتستقيم الامور. ولكن كيف تستقيم ونحن نعيش في بلد يحكمه سياسيون من هذا الطراز؟

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق