افتتاحية

اي عالم تديره مصالح دولة واحدة؟

زيارة وزير خارجية الولايات المتحدة الى روسيا ولقاؤه نظيره الروسي سيرغي لافروف في ايار (مايو) الماضي، مرت دون ما تستحق من اثارة اعلامية، مع ان صراع الكبار كما يسمونه، هو وراء عدم ايجاد حلول لكل الازمات في العالم. فهل فعلاً ان هذه الزيارة لم تكن بالاهمية التي كان يتوقعها المراقبون، ام ان ما خفي منها هو اهم بكثير مما بدا على السطح؟
المتتبع للعلاقات الاميركية – الروسية التي توترت اثر اقدام موسكو على ضم القرم الى اراضيها وتدخلها في الحرب الاوكرانية، يرى في بعض التفاصيل الصغيرة التي تمر مرور الكرام، ما ينبىء باحتمال تحسن العلاقات بين واشنطن وموسكو، مع العلم ان اتفاقهما يؤمن اذا صفت النيات حلولاً لازمات عالمية كثيرة.
والتوتر الذي انفجر في حرب اوكرانيا يعود الى ابعد من ذلك، عندما استخفت روسيا بالولايات المتحدة وبالاتحاد الاوروبي، ووقفت الى جانب النظام السوري، داعمة الرئيس بشار الاسد، عبر اكثر من ثلاثة فيتوات في مجلس الامن فمنعت ايجاد حل للازمة السورية التي فاق عدد ضحاياها الثلاثماية الف قتيل حتى اليوم. وفيما كانت موسكو تدعو الى ترك السوريين يقودون الحل بانفسهم، كانت من وراء الستار تمد النظام بمختلف انواع الاسلحة، فعقدت الازمة وحالت دون التوصل الى حلول لها. وكانت بذلك تراعي مصالحها فقط، دون النظر الى شعب يقتل ويشرد من ارضه.
نعود الى اللقاء بين كيري ولافروف، هل حقق النتائج المرجوة منه، وهل استطاع ان يساهم في كسر الجليد، وتقريب وجهات النظر، حول قضايا كثيرة، ابرزها الازمة السورية والملف النووي الايراني، والازمة الاوكرانية، وازمة الشرق الاوسط، وكوريا الشمالية ومكافحة الارهاب وغيرها؟
يستدل من تفاصيل صغيرة ان العلاقات الاميركية – الروسية تحسنت وان زيارة كيري ومحادثاته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وسيرغي لافروف، ورئيس الدوما حققت تقدماً قد تظهر الايام والاسابيع المقبلة مدى اهميته.
ففي نهاية الاسبوع الماضي دانت الولايات المتحدة قصف السفارة الروسية في دمشق، بحجة انها منشأة تخضع للحماية وفقاً للقانون الدولي. ولم تكتف بالادانة بل دعت الى محاسبة المسؤولين عن ارتكاب مثل هذه الاعمال، مع مواصلة التأكيد على الحاجة الى حل سياسي للصراع الدائر في سوريا.
كذلك حذرت مساعدة وزير الخارجية الاميركية فيكتوريا نولاند خلال زيارة قامت بها الى موسكو، ان على كييف احترام القانون الدولي في ما يتعلق بمعاملة اسرى الحرب. انها اشارات صغيرة، تحولت من الهجوم الى الملاطفة. فهل تحول العداء الشديد بين الولايات المتحدة وروسيا الى تقارب، في حال حدوثه سيساهم في تحقيق انفراج على صعيد الازمات الدولية كلها؟ فلماذا تبقى كل هذه الملفات مرتبطة بتفاهم دولتين، تضعان اليد على العالم، كل واحدة من جهة، ويبقى الاضطراب والفوضى مسيطرين على حياة الناس؟
لقد قال كيري خلال زيارته الى سوتشى ان روسيا، على الرغم من انها لا تشارك في التحالف المناهض لـ «داعش» في سوريا، فانها تعتبر «شريكاً مهماً جداً في مكافحة التطرف العنيف على النطاق العالمي». فما دام الجباران يدركان ان الخطر الارهابي يهدد الجميع وبلا استثناء، فلماذا لا تتضافر جهودهما من اجل خطة مشتركة تقضي على الارهاب، وتريح العالم من شروره؟
ان الاستمرار في العناد والكيدية من قبل الطرفين لا يؤدي الا الى الهلاك فهل يتم التخلي عنهما، ويسود التقارب فتنفرج الازمات؟
الم يدرك الاميركيون والروس معاً ان العداء لن يوصل الا الى مزيد من الازمات، وان الحوار وحده هو الكفيل ببلوغ الهدف.
هل يمكن لمصالح دولة، مهما علا شأنها ان تتقدم على سلام العالم وامنه واستقراره؟ لقد جربت روسيا التمسك بمصالحها، ولو على حساب الجميع، فهل كان الحصاد مثمراً؟ اذا كان الجواب بالنفي فلتتقدم خطوة الى الامام، وتعيد قراءة الازمات المدمرة، وخصوصاً الازمة السورية، وتساهم في ايجاد حل لها عبر ترك مجلس الامن يعمل بدون فيتو معرقل. وعندها فقط تتأمن مصالحها بصورة سليمة.
ان المصالح الشخصية اوصلت لبنان مثلاً الى فراغ في رئاسة الجمهورية، تجاوز العام. ولا يلوح في الافق ما ينبىء بالخير. ذلك ان معرقلي الانتخاب، لا يزالون يعرقلون تمسكاً بمصالحهم الخاصة. فاي حس وطني هذا الذي يترك بلداً بلا رأس فتشل حركته، وتتعطل مؤسساته، ويضرب اقتصاده وهو في حال طالت الازمة اكثر سائر الى الانهيار؟ فهل يدرك المعرقلون المقاطعون لجلسات الانتخاب هذا الواقع، ام ان تمسكهم بمصالحهم، وقد تعودا ان يجنوا من وراء سياستهم هذه، الغنائم، سيستمر الى ما لا نهاية؟ وهل المقصود ايصال البلد الى الانهيار خدمة لمصالح اقليمية؟
مسكين العالم الذي يرتبط مصيره بمصالح دولة واحدة. ومسكين لبنان الذي يدمر على حساب جهة واحدة. فهل من خلاص؟

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق