افتتاحية

من «امراء» الحرب… الى «امراء» السياسة!

من يراقب خريطة لبنان السياسية يرى انها اشبه بفسيسفاء غريبة عجيبة، لا يجمع بين اطرافها سوى التناحر والمكايدة والمصالح الشخصية، فكأن خمس عشرة سنة من الحرب الاهلية، بقيادة قوى خارجية، لم تعلم سياسيينا شيئاً.
الحرب بدت في ظاهرها اهلية، ولكنها في الحقيقة كانت حرباً خارجية شنتها بعض القوى الطامعة على لبنان وبادوات لبنانية، لم تكن تنظر الى المصلحة الوطنية الا من باب مصالحها الخاصة. ولما توقفت هذه الحرب بمبادرة كريمة من المملكة العربية السعودية التي جمعت الاطراف المتناحرة في الطائف، وساعدتهم على الوصول الى اتفاق لانهاء الحرب، انبرت القوى الخارجية اياها لاكمال حربها ولا تزال مستمرة في مخططها، بحيث فقد لبنان على ايدي بعض السياسيين المقومات الضرورية لبناء وطن.
فكيف هي الحال اذاً في لبنان اليوم؟
تتحكم بالساحة اللبنانية قوى تستمد قواها من الخارج. سيطرت كل واحدة منها على منطقة، فرضت عليها قوانينها  الخاصة بها، بعيداً عن الدولة وما ينص عليه القانون، وراحت تعمل بوحي من الخارج لاسقاط لبنان تلبية لمطامع اجنبية.
الفئة الاولى لا تؤمن بالدولة ولا بقواها الشرعية، بل بنت لنفسها شرعية خاصة ودويلة في قلب الدولة. فتفردت بالقرار بمعزل عن شركائها في الوطن، واقامت مناطق ومربعات، حرمت على الدولة ولوجها. ولم تكتف بذلك بل ذهبت تقاتل في الخارج متنقلة من حرب الى اخرى، فكأن سياستها لا تقوم الا على الحروب.
هذه الفئة لا تعترف الا بشرعيتها، وهي تعتبر ان على كل شركائها في الوطن ان يسيروا وفق اوامرها ومصالحها، وكل من يخالفها هو عدو تجب محاربته. فسقطت المؤسسات وعمت الفوضى في الدوائر، وازدهرت الرشاوى والفساد. وقد استطاعت هذه الفئة، وهي الوحيدة المسلحة، فرض ارادتها ولكنها بتدخلها في حروب الاخرين استجلبت الويلات على لبنان، ولولا قرار دولي بمنعه من السقوط، لانهار وفقد مقوماته كوطن.
الفئة الثانية أعمتها المصالح الشخصية فهي تعتبر انها الوحيدة صاحبة الحق في الاستيلاء على كل شيء. فتارة تعطل الدولة وتمنع تشكيل حكومة على مدى اشهر طويلة من اجل توزير شخص، خسر الانتخابات، ورغم اتفاق جرى بين كل القوى على عدم توزير الخاسرين، اصرت هي على موقفها، بعد شلل مطبق فرضته على البلاد على مدى اشهر طويلة، رضخ الجميع لارادتها، وادخل الشخص المحظوظ الوزارة، فانحلت الازمة، ولكن طبعاً على حساب الدولة والقوانين. غير انه لا يهم في نظر هذه الفئة. المهم تأمين مصلحتها لانها تعتبر ان مصلحة الوطن هي خدمة مصالحها.
هذه الفئة مستمرة في هذه السياسة، غير مبالية لا بمصلحة وطنية ولا بأي شيء اخر خارج دائرتها، ولذلك ادخلت لبنان في الفراغ الرئاسي منذ سنة تقريباً، وهي تسد الطريق بوجه اي كان، وتمنعه من الوصول الى قصر بعبدا، الا اذا استسلم الجميع لمشيئتها ومنحوها رئاسة الجمهورية. فتصوروا ان بلداً يخضع منذ عام كامل لمزاجية فرد، ولن نقول اكثر من ذلك، لان اللبنانيين باتوا جميعاً يعرفون، مصدر المشكلة التي تتحكم بالبلد.
الفئة الثالثة هي التي تزعم انها تقف بوجه الفئتين الاوليين، تدعى انها تريد الحفاظ على الوطن والمؤسسات والدستور، ولكن ماذا تفعل لتحقيق احلامها؟ هذه الفئة يمكن وصفها بالحركة بلا بركة، تعقد المؤتمرات وتنظم المهرجانات، وتلقي الخطب الطنانة الرنانة. وهي بالفعل لا تقوم باي عمل يوقف الاخرين عند حدهم وليس بيدها حيلة، ولذلك يبقى كلامها كلاماً لا طائل تحته، وهي اعجز من ان تحقق خطوة واحدة الى الامام. انهم يتكلون على الظروف لتساعدهم وبالتالي فهم سينتظرون طويلاً قبل تحقيق اي خطوة، لان ليس لديهم خطة واضحة يعملون على اساسها. اما الشعب فغارق في سبات عميق، ولا امل بان يستفيق قريباً. هكذا انتقل لبنان من «امراء» الحرب الى «امراء» السياسة ولذلك تعثر بناء الدولة ولا يزال حتى الساعة.
كيف يمكن حل هذه المعضلة واعادة بناء لبنان الوطن والدولة والمؤسسات؟
اذا ارادت هذه القوى المتحكمة بالوطن ان تبني وطناً عليها قبل كل شيء اخر، العودة الى لبنان، بمعنى ان تتوقف عن الاصغاء الى الخارج، وتلقي اوامره. وان يجلس الجميع حول طاولة حوار، لا يخرجون منها الا بعد ان يتفقوا على اسس واضحة، تكون الاولوية فيها للدولة ولمؤسساتها، يعرف كل طرف حده وواجباته ويعمل فيها. كما عليهم ان يجدوا آلية لتنفيذ ما يتفقون عليه ذلك ان حوارات كثيرة جرت في الماضي اسفرت عن اتفاقات لم ينفذ منها شيء، لان البعض لم يكونوا راغبين في التنفيذ.
فهل يتحقق هذا الحلم وتصطلح الامور؟ الجواب في علم الغيب.

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق