افتتاحية

شركة الكهرباء ترفض حضارة اديسون

يعيش المواطن اللبناني هذه الايام حالة من الضياع، في ظل الفراغ القائم في المؤسسات الاساسية في الدولة. فسدة الرئاسة الاولى خالية منذ نحو عشرة اشهر يسودها صمت مطبق وسكون اتاحا للعنكبوت ان يعشش في زوايا قصر بعبدا الخالي الخاوي، يردد صدى الايام والسنين الخوالي، ولا يلوح في الافق ما ينبىء بفرج قريب… ذلك ان بعض النوابي الذين يتقاضون اجورهم ومخصصاتهم من جيوب الشعب ليقوموا بواجباتهم، تنكروا لهذه الواجبات، ولحقوا مصالحهم الخاصة، ولم يعد يهمهم ان كان هناك رئيس للجمهورية وفق الاعراف والدستور. يتظاهرون انهم مختلفون ثم نراهم في اتصالاتهم الخاصة على احسن ما يرام، يتحاورون ويتحادثون ويقيمون المآدب لبعضهم البعض. وطالما انهم على هذا الود، فلماذا لا يجتمعون وينتخبون رئيساً للبلاد؟
والفراغ الذي يدفع المواطن الى اليأس يطاول ايضاً الحكومة، ذات الاربعة والعشرين رئيساً، وهي بدعة لم يشهد العالم مثيلاً لها. يختلفون على كل الامور، ويتناكفون وتتعطل مصالح الناس، فلا من يرعى شؤؤنهم ولا قضاياهم الملحة. فيكفي ان يقول وزير واحد لا لتتعطل مسيرة الدولة. ومعلوم ان شقيقين في بيت واحد لا يمكن ان يتفقا على كل الامور، فكيف باربعة وعشرين وزيراً لا تجمع بينهم لا قربى ولا نسب، بل مصالح شخصية تتناقض في ما بينها، وتدفعهم الى الاختلاف.
من هنا كان يأس المواطن بسبب اهمال المسؤولين لقضاياه الاجتماعية والمعيشية. والامثلة على ذلك كثيرة.
فمع بداية العاصفة «ويندي» التي شغلت الناس، وفرضت على المسؤولين وضعاً خاصاً كان عليهم مواجهته بجدية وحزم وبسرعة كبيرة. لم يشهد المواطن اللبناني اي اهتمام من هذا النوع.
ففي منطقة الرميل في بيروت انقطعت الكهرباء، وعبثاً طالب سكان المنطقة بمعالجة الامور واعادة التيار الى المنازل فبقيت اياماً شبه غائبة، اي ان التيار كان يطل نصف ساعة ثم ينقطع لساعات طويلة، بحيث احترقت وتعطلت كل الادوات الكهربائية في المنازل. فكأن المسؤولين غير المسؤولين، عن شركة الكهرباء ارادوا ان يحيوا التراث اللبناني القديم، فاعادونا الى ايام الجدود يوم كانوا يسهرون على ضوء الشمعة، وفي احسن الاحوال على نور القنديل. حقاً انها خطوة تستحق شركة الكهرباء الشكر عليها لاهتمامها بالتراث، ورفضها لحضارة اديسون التي لا تتناسب مع حضارتها التراثية. رحم الله العالم الكبير اديسون.
سألنا عن السبب ولماذا كل بيروت تنعم بالكهرباء الا منطقة الرميل؟ فلم نجد مسؤولاً واحداً يرد علينا ويشرح لنا السبب، ولكن علمنا من الاخبار التي يتناقلها المواطنون، بان محول المنطقة يحمّل اكثر ما يستطيع، ولذلك ينقطع التيار باستمرار. اما الحل فهو بسيط جداً ويقضي باستبدال المحول بواحد اكبر او في اسوأ الاحوال بتقويته ودعمه، حتى يصبح قادراً على حمل ما يفرضونه عليه. نعم الحل بهذه البساطة ولكن المسؤولين غائبون وغير معنيين بشؤؤن الناس.
المهم انقضت العاصفة ولم يعد التيار منتظماً. كيف؟ طبعاً بسبب الترقيع ذلك انه سبق ان شهدنا السيناريو عينه في بداية العاصفة الاولى زينة او ساندي لم اعد اذكر الاسماء ولو كان العلاج فعالاً لما تكرر مع «وؤيندي». ولذلك ننتظر ان يتولى ادارة الكهرباء اشخاص اصحاب كفاءة يكون همهم الاوحد خدمة الناس وتأمين مصالحهم. فعسى ان يتأمن ذلك يوماً وعسى ان تعالج مأساة الرميل ولا تتكرر.
الحادثة الثانية التي رافقت «ويندي» هي من النوع المضحك المبكي. ففي محلة ديك المحدي – الشانفيل، وفي عز العاصفة، حيث غمرت المياه الطرقات واجتاحت المنازل، قطعت شركة المياه، او غيرها لا نعلم، المياه عن المنازل نحو اسبوع تقريباً، وعبثاً علت الصرخة فلا من يسمع ولا من يجيب وكنت ترى صهاريج المياه تتنقل بين المنازل كأننا في عز الصيف بينما هي تغرق في البرك على الطرقات وصح بالمواطنين قول الشاعر:
«كالعيس في البيداء يقتلها الظما والماء                   فوق ظهورها محمول».
لماذا؟ لا احد يعلم وليس هناك من هو مستعد لان يشرح لك. فهل هذه دولة يمكن الركون اليها وتسليمها شؤون الناس؟ وبعد ذلك الا تزالون تتساءلون لماذا يهاجر اللبنانيون ولماذا يفرغ البلد من اهله؟
لقد بات حلم اللبناني ان يعود مساء من عمله فيجد ان التيار الكهربائي مؤمن، والمياه تصب في الحنفيات والهاتف يعمل ولكن حتى هذه الاحلام الصغيرة التي هي من ضرورات الحياة، ومؤمنة بدون منة في كل بلدان العالم، حتى في الدول الفقيرة، فانها عندنا هي ضرب من الاحلام لا بل من الخيال، وتحقيقها مستحيل. فهل نلام اذا حملنا على هذه الطبقة السياسية التي نذكرها في كل مقال علّ التكرار ينفع؟ اننا على قناعة تامة بانه مع هكذا سياسيين لا ينفع الكلام.

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق