سياسة لبنانيةلبنانيات

أُلغيت طاولة الحوار والمطلوب جلسات متتالية لمجلس النواب حتى انتخاب رئيس

الجامعة العربية، الاتحاد الاوروبي، الولايات المتحدة وروسيا كلها عينها على لبنان رغم انشغالاتها الكثيرة في الحرب الروسية على اوكرانيا، وتأمين النفط والغاز وغيرها من المشاكل التي تشغل العالم. وحدهم المسؤولون اللبنانيون، والتسمية هنا لا تصح لانهم غير مسؤولين الا عن مصالحهم الخاصة، لا يبالون بما وصل اليه لبنان من اهتراء وانهيار بفعل سياسات اوصلته الى جهنم. لقد اصبح تشكيل الحكومات وانتخاب رئيس للجمهورية من الامور شبه المستحيلة، بسبب الخلافات والانقسامات، وتذهب الكتل النيابية والاحزاب في البحث عن حصصها ومكاسبها من الوزارات والادارات العامة، لتبقى متحكمة بكل مفاصل الدولة. ولا ننسى في هذا المجال التدخلات الاجنبية والصفقات التي تعقد، والتي طالما لعبت دوراً في هذه الاستحقاقات.
هذا المسار الذي دأبت المنظومة على السير فيه يقود دائماً الى التعطيل والفراغ. فتشكيل الحكومة يحتاج في معظم الاحيان الى اشهر طويلة قبل ان تحصل الكتل المتنافسة على حصص وازنة، ويسود الفراغ بعد نهاية كل عهد وقد يستمر سنوات كما حصل قبل انتخاب ميشال عون، اذ بقي البلد بلا رئيس للجمهورية سنتين ونصف السنة. كل ذلك ونواب الامة الذين انتخبهم الشعب للدفاع عن حقوقه، يتخلون عن وعودهم، التي تتكرر في المعركة الانتخابية حتى اذا وصلوا، تناسوا كل ما قالوه، وانصرفوا الى البحث عن مكاسبهم ومصالحهم وكأن مصلحة البلد والناس لا تعنيهم.
رئيس المجلس اعتذر امس عن متابعة الاتصالات لعقد طاولة حوار يتم خلالها الاتفاق على رئيس جديد للجمهورية، بسبب ما وصفه بانه رفض من قبل بعض الكتل. فكيف يمكن التوصل الى اتفاق على رئيس حيادي قادر، ينتشل البلد من ازماته الكارثية، وهل من مصلحة المنظومة ان يصل الى سدة الرئاسة شخص يحمل هذه المواصفات، فيحرمها بعض هيمنتها وتسلطها. لذلك من غير المستغرب ان تطول فترة الفراغ، طالما ان النواب المفترض فيهم انتخاب رئيس فوراً، مطمئنون الى ان احداً لن يحاسبهم. فالشعب اللبناني يختلف عن كل شعوب المنطقة، هو مستسلم قانع بكل ما يحل به من ويلات. وعندما يحين موعد الانتخابات يعيد انتخاب هؤلاء اياهم. فهنيئاً لهذه المنظومة، بهذا الشعب.
رئيس الحكومة القى كلمة وجدانية في اجتماع القمة العربية التي عقدت في الجزائر، قال فيها ان لبنان تغير، وان الشعلة انطفأت وطالب الدول العربية بالا تتخلى عنه. هل نسي رئيس الحكومة ان هذه الدول لم تتخل يوماً عن لبنان وطالما وقفت الى جانبه ودعمته، بل هو الذي تخلى عنها وقاده المسؤولون في العهد الماضي في دروب وعرة المسالك اوصلته الى الانهيار وقطعت علاقاته بالعالم. ان لبنان هو الذي تخلى عن المجتمع العربي والدولي، ورئيس الحكومة كان في الفترة الاخيرة جزءاً من هذا العهد الذي اتبع هذه السياسة المدمرة.
منذ اشهر طويلة والمجتمعان العربي والدولي يدعوان الحكومة الى تنفيذ الاصلاحات التي يطلبها صندوق النقد الدولي، لمد يد المساعدة لهذا البلد ووضعه على السكة الصحيحة، ولكن الحكومة والمجلس النيابي معها يماطلان ولا ينفذان، مما دفع مسؤول البنك الدولي يعلن صراحة قبل ايام، ان لبنان لا يزال بعيداً عن الاصلاحات. فكيف يأتي رئيس الحكومة اليوم يطلب مساعدة الدول العربية، والبلد لا يلقى اي مساعدة من المسؤولين عنه؟
الاتصالات مستمرة ولكن كل فريق يعمل من اجل مصالحه، لا من اجل البلد، والمطلوب اليوم عودة المجلس النيابي الى جلسات متتالية، لا يخرج النواب منها الا وقد انتخبوا رئيساً، ولكن ليس اي رئيس، بل شخص قادر على النهوض بالبلد، بعيداً عن مصالحه الشخصية. وما عدا ذلك، فاننا سائرون الى مزيد من التدهور والانهيار، اذ لا يمكن لاي بلد ان يستمر بلا رئيس وبلا حكومة كاملة المواصفات، قادرة على الاجتماع واتخاذ القرارات، فهل يدرك المتحكمون بكراسي الحكم اليوم فيهبوا الى انقاذ ما تبقى قبل ان يسقط الهيكل فوق رؤوس الجميع؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق