افتتاحية

من يدير شبكات الفساد في لبنان؟

منذ عقود طويلة، لا بل منذ العهد الاول للاستقلال والمواطن اللبناني يسمع عن الفساد وضرورة محاربته، ويستبشر خيراً. لكن الايام تمر والانتظار يطول، ولا نسمع او نلمس عملاً ايجابياً على هذا الصعيد.
في بداية كل عهد يكثر الحديث عن الفساد وضرورة محاربته، ولكن هذا الكلام ورغم الوعود الكثيرة، يبقى حبراً على ورق. ذات مرة سمعنا بحملة تطهير طاولت عدداً من الموظفين الكبار، الا ان الكثيرين عادوا الى وظائفهم اما عبر القضاء، او انهم دخلوا المعترك السياسي وبرزت اسماؤهم، واصبحوا هم يتكلمون عن الفساد وضرورة محاربته.
لماذا يحصل كل ذلك؟ لان مافيا المفسدين والفاسدين هي اقوى من الدولة التي يظهر يوماً بعد يوم انها اعجز من ان تطاولهم بسوء. فالشعب في اكثريته الساحقة ساكت صابر مغلوب على امره، لا يستطيع مقاومة هذه الموجة الكاسحة، وهو دائماً يمني النفس بان يقيض الله له منقذاً يضع الفاسدين في السجون، ويعيد الامور الى نصابها.
يتحدثون عن الاصلاح لمحاربة الفساد. ولكن هذا الكلام كله الذي يلقى جزافاً، يبقى بلا فائدة، طالما ان التنفيذ مستحيل. والمثير في الامر ان الطبقة السياسية هي التي تدير الفساد وتحمي الفاسدين، لمصالح ليست خافية على احد، فضلاً عن المكاسب الانتخابية والمادية التي تتحقق من وراء هذه الاعمال.
قبل اشهر قليلة شمر وزير الصحة وائل ابو فاعور عن سواعده وقرر الحسم في هذا الموضوع، فكشف عن امور مرعبة، تبين من خلالها ان اللبناني يتمتع بمناعة فائقة ضد الامراض ولولا ذلك لما بقي على قيد الحياة. فالمياه ملوثة والذين يتاجرون بها اكثر من ان يحصوا. وهكذا فاننا في بلد المياه نشرب الموبئات والميكروبات. اللحوم كشف عن اطنان منها غير صالحة للاستهلاك، ورغم ذلك فهي توزع على الفنادق والمطاعم، دون حسيب او رقيب. وكذلك الحال بالنسبة الى الاسماك والعديد العديد من المواد الغذائية الفاسدة والالبان والاجبان والبهارات… ولو اردنا ان نعدد كل هذه الاطعمة لضاق بنا لمجال.
فماذا كانت النتيجة؟ لقد شن عدد من السياسيين حملة عنيفة ضد الوزير ابو فاعور وكالوا له الانتقادات على انواعها فلماذا؟
لقد تبين ان معظم الذين قادوا هذه الحملة هم من السياسيين، ولهم مع الفاسدين مصالح انتخابية وسياسية، وربما مادية، نترك لمخيلة المواطن ان يستنتج وحده. الشعب اللبناني بجميع طوائفه ومذاهبه هلل لوزير الصحة وشكره على هذه الحملة التي، وان لم تقض على الفساد نهائياً، الا انها اصلحت بعض الامور وخففت من السموم التي يتناولها المواطن. ونحن نرجو ان تستمر هذه الحملة، وايدينا على قلوبنا ذلك ان بريقها بدأ يخفت. فهل من المعقول ان يخضع الوزير ابو فاعور للضغوط الهائلة التي يتعرض لها، ويكون مصير حملة الاصلاح التي يقودها كسابقاتها فتؤول الامور الى الفشل؟
اخر محاولة في الحرب على الفساد، وتصدي السياسيين لها، كانت ولا تزال في كازينو لبنان. فبعد ان طردت الادارة 191 موظفاً كدفعة اولى، وهي تستعد لاصدار الدفعة الثانية، رأينا بعض السياسيين ان لم نقل كلهم يهبون لمنع الادارة من تنفيذ قراراتها. فلماذا؟
يقول المثل السائد: «ان المال السايب يعلم الناس على الحرام»، ففي ظل غياب الدولة والرقابة الفعلية، استغل السياسيون هذه «الدجاجة» التي تبيض ذهباً، وهي كازينو لبنان، فتدخلت الوساطات والضغوط، والتهديد والترغيب وراح كل واحد منهم يحشر ازلامه في الكازينو، لا من اجل العمل، لان اعداداً كبيرة من الموظفين، لا يعملون في هذه المؤسسة، وتردد ان بعضهم مسافر الى خارج البلاد. ولكن المهم من ينوبون عنهم من اقاربهم يقبضون اجورهم الشهرية، ان لم يكن بدل ساعات اضافية ايضاً، فلماذا هذه الغيرة السياسية؟
ان الاصلاح لا يمكن ان يكون فاعلاً، الا اذا بدأ بالطبقة السياسية وهي مصدر كل الفساد، فلا يمكن تقويم الاعوجاج، الا اذا طاول السياسيين قبل الموظفين، فيتم فضحهم امام الرأي العام، ويحال من تثبت ادانته الى القضاء وهذا مستحيل في لبنان. لذلك فمن الافضل الا ينبري اي طرف لتحقيق الاصلاح، الا اذا توافرت له قوة هي اقوى من كل السياسيين، فيسير بالامور الى نهايتها وعندها فقط نكون قد بنينا دولة، والا على الشعب اللبناني السلام.

«الاسبوع العربي»
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق