افتتاحية

زادوا 50 غراماً على ربطة الخبز… فشبع الجياع!

تمشياً مع القاعدة التي يتبعها رجال السياسة والمرتكزة على الخلافات، وعلى الحفاظ على المصالح الخاصة لا مصلحة البلد، اختلفوا على الزبالة، وهي اخر شيء يمكن ان نتصور انهم يمكن ان يختلفوا عليه.
والخلاف ليس على من يهتم بنظافة البلد، بل ربما على من يغنم هذه الصفقة. فيجني منها ما يطمح اليه، على حساب جيوب الناس الفارغة من اخر ليرة يمكن ان تكون بقيت لديهم.
لما ادركوا ان الفضيحة ستكون كبيرة، عادوا واتفقوا على مضض، دون ان يعلم المواطن على ماذا اختلفوا وعلى ماذا اتفقوا. حقاً ان ما يجري في هذا البلد عجيب لا يقبله عقل او منطق. افليس ما يجري سببه الفراغ المعشش في قصر بعبدا، بعد ان منعت الخلافات النواب من انتخاب رئيس للجمهورية، كان يجب ان يحصل قبل ثمانية اشهر؟ ولا بد من ان نقول لهم تشبهوا بسريلانكا. فقبل ايام انتهت ولاية رئيس الجمهورية فجرت انتخابات نالت فيها المعارضة الاكثرية. وبكل تعامل حضاري عاد رئيس الجمهورية الى منزله بعد ان هنأ خصمه المعارض بفوزه بالرئاسة. فلماذا لا نتشبه بالدول التي يعبر فيها سياسيوها عن حضارتهم في تعاطي الحكم؟
في غمرة هذه السياسة اللبنانية المستنكرة، استفاقت الحكومة ان عليها ان تعطي شيئاً للناس المقهورين الصامتين، مع العلم انهم بصمتهم يشجعون على استشراء الفساد في كل مكان، في الدوائر الرسمية، وفي الاسواق التجارية وغيرها، فاعلنت الحكومة انها زادت ربطة الخبز خمسين غراماً، متباهية بأنها بذلك اطعمت الجياع والمحتاجين، فاكتفوا ولم يعودوا بحاجة الى شيء.
لقد اختارت الحكومة اصغر باب لترضي به المواطن. خمسون غراماً لا تغني ولا تسمن، ولا تؤمن اي شيء مما يحتاج اليه. ومع ذلك فهي مشكورة لانها استفاقت من غفوتها الطويلة، وغيابها عن مصالح الناس، ولكن كان من الممكن ان يشكرها المواطن لو انها طبقت تراجع اسعار المحروقات بهذه النسبة الكبيرة على طمع اصحاب المولدات وشجع التجار فتحد منها وتطبق عليهم خفض الاشتراكات واسعار المواد الغذائية بالنسبة عينها التي انخفضت فيها اسعار المحروقات.
فعلى الرغم من مرور اشهر على بدء نزول اسعار المحروقات لم يعمد احد من اصحاب المولدات الى خفض قيمة الاشتراك الشهري التي تتعدى بكثير الكلفة. فلماذا لم تتحرك وزارة الطاقة؟ ولماذا لم تفرض غرامات على مخالفي التسعيرة التي تحددها كل شهر، من باب رفع العتب، ولا يتقيد بها احد، فكأنها لا تعنيهم؟ الا يكفي ان اكثر من عشرين مليار دولار انفقت منذ العام 1990 على اعادة تأهيل الكهرباء فمر اكثر من خمس وعشرين سنة ولم يتحسن التيار الكهربائي واحداً بالمئة، لا بل على العكس تراجع كثيراً الى الوراء. فاين ذهبت هذه المليارات؟ وفي اي جيوب حطت؟ حتماً ليس في جيوب الناس، بل في جيوب المعنيين من اهل السياسة فهل هناك من يحاسب؟
ما هي وظيفة النائب الذي ينتخب على اساس انه ممثل الشعب والمدافع عنه؟ فهل اقدم المجلس النيابي على فتح باب المحاسبة مرة واحدة، ولو بالشكل، حتى لا يشعر المواطن انه متروك ولا من يدافع عن مصالحه؟
لم يصل صوت واحد يطالب بحق الناس، فبقيت العتمة تقلق حياتهم والاموال تهدر وتذهب الى الجيوب التي لا تمتلىء.
ولماذا لا تعمد الحكومة الى مراقبة اسعار المواد الغذائية فتتحسن حياة الناس ولو بنسبة قليلة؟ اليس من المفروض ان تنخفض الاسعار بالنسبة عينها التي انخفضت فيها اسعار المحروقات؟
في كل مرة كانت ترتفع اسعار المحروقات كان التجار يسارعون الى زيادة الاسعار بحجة ارتفاع كلفة النقل حتى وصلت الى حد لم يعد يطاق، فلماذا اداروا ظهرهم هذه المرة؟ جاء في الاخبار منذ ايام ان بيروت هي ثاني اغلى مدينة في العالم.
مسكين الشعب اللبناني فهو متروك، ليس هناك من يحميه ويحمي مصالحه. فالى متى سيبقى هذا الاهمال؟ والى متى سيبقى صامتاً لا يحرك ساكناً، فيحاسب من ادعوا انهم يعملون لخدمة مصالحه وحمايتها، فاذا بهم يتنكرون له ويحولون انظارهم الى حماية مصالحهم ليس الا؟
ان الامل اصبح مفقوداً من الاصلاح. فلا السياسيين يراعون احوال المواطن، ولا المواطن يستفيق من سباته ويحاسبهم، وطالما الحال كذلك فان الوضع سيستمر في التدهور، فهل تأتي ساعة الفرج يوماً؟

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق