افتتاحية

… قبل ان يضيع كل شيء

بدأت احدى محطات التلفزة اللبنانية نشرتها الاخبارية صباح يوم الاحد الماضي بالقول «ان الانظار شاخصة الى المندوب الفرنسي جيرو الذي ينتقل يوم الاثنين الى ايران وبعدها الى السعودية…» بحثاً عن حل لازمة الفراغ الرئاسي، عله يتمكن من تأمين انتخاب رئيس للجمهورية يعيد الحياة الى مؤسسة الرئاسة وعبرها الى سائر مؤسسات الدولة اللبنانية.
الانباء لم تأت على ذكر النواب اللبنانيين، وهم المعنيون اصلاً بهذا الاستحقاق المصيري على صعيد الوطن. فكأنهم غير موجودين وكأن لا دور لهم بالفعل في هذه القضية.
بالطبع هم غير موجودين اذا ما اخذنا بعين الاعتبار الدور الذي يتوجب عليهم القيام به وهم يتقاعسون، ولكنهم موجودون وبقوة، عندما يتعلق الامر بمصالحهم الخاصة، فيتحولون الى اسود في الدفاع عما يسمونه «حقوقهم».
عندما يذكر هولاء النواب ترفق اسماؤهم بعبارة «الممدد لهم»، والافضل ان يقال «الممددون لانفسهم» وفي ذلك اذلال اكبر، الا ان النواب الكرام لا تضيرهم هذه العبارة، وهم لا يلتفقون اليها، وكأنها لقب طبيعي من القابهم الكثيرة التي لا تشرفهم.
ولا يكتفي النواب الممددون لانفسهم بالتخلي عن واجباتهم التي انتخبهم الشعب ليقوموا بها من اجل وطن افضل، هذا اذا كانوا لا يزالون يتمتعون بثقة الشعب، بعدما تجاوزوا الوكالة المعطاة لهم واستمروا قابعين في كراسيهم، لا كممثلين للشعب، بل ككابوس جاثم على صدور الشعب. واذا كانوا لا يصدقون ان الشعب لم يعد يريدهم، فليجروا الانتخابات وبعدها يتبين الخيط الابيض من الاسود. ولكن كل فئة منهمكة بمشاكلها البعيدة عن قضايا الناس، ولذلك فهم يرون ان الوقت غير مناسب للاحتكام مرة جديدة الى من وكلوهم للدفاع عنهم. وهكذا يعمدون للمرة الثانية الى التمديد لانفسهم.
اذاً لا يكتفي نوابنا الكرام بالتخلي عن واجباتهم، بل يعمد بعضهم الى ارتكاب افعال تقابل باشمئزاز وسخرية عند الشعب، الذي مل من هذا الوضع، فتخلى بدوره عن المحاسبة، وترك ممثليه يعبثون بمصالحه دون ان تصدر عنه كلمة واحدة.
فقد رأينا صوراً مخيفة قاتلة للبيئة على شاشات التلفزيون، تتمثل بجبل كامل نهشته المقالع والكسارات، فتحول الى مشهد تدمع له العيون اسفاًعلى هذا الوطن. كل ذلك لان القائم بهذه الاعمال مدعوم ممن استغل سلطته وحصل من الدولة، نعم من الدولة، على ما يسميه حقوقاً، وراح يدمر البيئة.
ورأينا نائباً يصفع احدى الموظفات وفي قلب ادارة رسمية. ولم نناقش في الاسباب، ما دامت القضية انتقلت الى المحاكم، ولكن هل يجوز لنائب مهما علا شأنه ان يصفع موظفة كانت تقوم بعملها؟
لماذا هذا الخلاف على رئاسة الجمهورية؟ ولماذا هذا العناد الذي يرفضه الشعب؟ هل من المعقول الا يكون بين اللبنانيين، وبالتحديد بين المسيحيين الذين يعود منصب الرئاسة اليهم، سوى شخص واحد يستحق ان يتبوأ هذا المنصب؟
اذا كان هذا الكلام صحيحاً، فهذا يعني ان هذا الشعب الذي يفوق عدده الاربعة ملايين شخص غير جدير بالحياة، لانه قائم على شخص واحد.
كلا ايها السادة. ففي لبنان الكثير من الكفاءات وقد رأينا بعضها يحلق في الخارج، ويتبوأ اعلى المراكز، وهو موضع تكريم واحترام كبيرين. فلماذا لم يستفد لبنان من ابنائه ودعاهم يبنون في الخارج بدلاً من البناء في الداخل؟ لان خلافاتكم وانقساماتكم وما سببته لهذا البلد من اضرار، دفعتهم الى الهجرة بحثاً عن حياة كريمة، في دول تحترم الانسان وتؤمن له ما لم تستطيعوا ان تؤمنوه له.
عودوا الى الاصالة اللبنانية وحكّموا ضمائركم وانهضوا بالبلد وبمؤسساته وسهلوا انتخاب رئيس للدولة بعيداً عن المصالح الشخصية قبل ان يضيع كل شيء.

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق