تقنية-الغد

حافلات لندن الحمراء «تستعد» لثورة لاسلكية

لأمد طويل، شكلت حافلات لندن الحمراء ذات الطبقتين أحد أكثر المعالم الراسخة للمدينة، لكن هذا الأسطول المخلص من الحافلات بات بصدد اتخاذ خطوة ثورية إلى الأمام، وهو ما تتابعه مدن بريطانية أخرى باهتمام وعن كثب.

تشكل شبكة النقل العام في العاصمة البريطانية لندن أحد أكثر المعالم الشهيرة ذات الطابع الرمزي في كل أنحاء العالم. لكن عراقة هذه الشبكة، وكونها من بين أقدم شبكات النقل في العالم، تحمل في طياتها مخاطر أن تصبح في الوقت عينه واحدة من أكثر هذه الشبكات تخلفاً عن العصر.
وفي الوقت الراهن، تشهد حافلات لندن وقطارات الأنفاق فيها تغييرات عدة كبرى، تستهدف ضمان أن تمضي العاصمة البريطانية قدماً صوب المستقبل. وهكذا، فبمجرد اكتمال سلسلة التحسينات عالية التقنية الجارية حالياً في شبكة النقل بالمدينة، سيصبح الطواف بأنحاء المدينة، على متن مثل هذه الحافلات والقطارات، مختلفاً تماماً عما كان عليه قبلاً.
كما أن التقنيات الجاري إدخالها على وسائل النقل في العاصمة قد تنتقل قريبا إلى مدن بريطانية أخرى.

ذاتية القيادة

فكما علم مؤخراً، قد تصبح قطارات الأنفاق ذاتية القيادة، هي النمط السائد في نهاية المطاف، وذلك في ظل التحديثات الجارية في البنية التحتية المتعلقة بشبكة القضبان ونظام الإشارات.
بالإضافة إلى ذلك، يجري حالياً تصميم طراز جديد من القطارات، ليصبح القطار الواحد مركبة واحدة طويلة، بمعنى أن يتألف القطار من عربات يمكن التنقل بسهولة في ما بينها، بدلاً من أن يتكون من عربات مفصولة كل منها عن الأخرى.
ويعني ذلك أنه من الممكن تزويد شبكة قطارات الأنفاق في لندن بأنظمة لتكييف الهواء، من أجل ضمان توفير الراحة للركاب. بل إن السلطات المحلية في المدينة تبحث استحداث «ممر عائم أو طافٍ للدراجات الهوائية» فوق نهر التايمز.
أما على صعيد الطرق والنقل البري، فإن الحافلات حمراء اللون ذات الطبقتين، والتي تشكل معلماً رمزياً للندن، تخضع بدورها لعملية تجميل تستهدف جعلها مواكبة للعصر. فالأسطول المؤلف من نحو 8،700 حافلة، والذي يستخدمه قرابة 6،5 مليون راكب يومياً، يشهد عمليات تحديث، تشمل إجراء تجارب على بعض التقنيات الحديثة، التي تُزود بها الحافلات، المُعاد تصميمها في إطار جهود التحديث تلك.
ولا تقتصر عمليات التحسين والتحديث هذه، على جعل الحافلات الجديدة في العاصمة البريطانية تعمل بالكهرباء بدلاً من الوقود لتقليص الانبعاثات الحرارية، فنجاح التجارب التي تجري حاليا قد يحدث ثورة في عملية التنقل داخل المدن، بفضل نظام جديد لإعادة الشحن، من شأنه إبقاء بطاريات الحافلات مشحونة، حتى وهي في وضع التشغيل وتقوم برحلاتها هنا وهناك.
ويُعرف التصميم الأكثر شهرة، ربما على الإطلاق، للحافلات اللندنية، باسم (روتماستر). وقد تم تصنيع الحافلات التي تحمل هذا التصميم في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، وكان لها مدخل خلفي، للسماح للركاب بالصعود والنزول منها.
وظلت تلك الحافلات قيد التشغيل على نحو منتظم حتى عام 2005. بل وأصبحت بمحركها الضخم الذي يعمل بوقود الديزل، والمثبت في المنطقة الخلفية منها ويصدر ضجيجا ودخانا، جزءاً لا يتجزأ من الذكريات التي تبقى في ذهن كل من يزور لندن، بالصوت والرائحة كذلك.

«نيو روتماستر»

في عام 2012، عاد تصميم «روتماستر» إلى الواجهة، بعد وضع تصميم جديد للحافلات يحمل هذه المرة اسم «نيو روتماستر». وتعمل الحافلات ذات التصميم الجديد بمحرك هجين (يضم نظام حركة يعتمد على محرك كهربائي وآخر يعمل بوقود الديزل). وقد حظي ذلك التصميم بتقويم إيجابي في سياق التقويمات التي تجريها مجلات متخصصة في عالم السيارات مثل مجلة (أوتوكار).
وفي الوقت الحاضر، تمضي الهيئة المسؤولة عن شبكة النقل والمواصلات في العاصمة البريطانية – والمعروفة باسم (تي إف إل) – بالحافلات ذات تصميم «نيو روتماستر»، خطوة أخرى إلى الأمام، وذلك عبر تزويدها بنظام إعادة شحن لاسلكي، من المقرر بدء إجراء التجارب عليه العام المقبل.
وتستهدف الخطة التي وضعتها الهيئة في هذا الشأن إبقاء الحافلات العاملة في المدينة مشحونة البطاريات بالكامل، حتى وهي قيد التشغيل، دون الحاجة إلى الاستعانة بالشحن عبر استخدام الكابلات الثقيلة وغير العملية لإيصال الطاقة إليها.
ويقول مايك ويستون، مدير القسم الخاص بالحافلات في هيئة (تي إف إل)، إن الهيئة «واعية للغاية بالتأثير (الذي تخلّفه أنشطتها) على البيئة، سواء بالنسبة الى جودة الهواء في المدينة أو (مستوى انبعاثات) ثاني أكسيد الكربون».
ويضيف ويستون قائلاً إن الهيئة ترصد «وجود اهتمام متزايد بجعل الحافلات قادرة على السير بالطاقة الكهربائية فقط، وهذا ليس في المملكة المتحدة وحدها، بل في مختلف أنحاء أوروبا، وفي العديد من بقاع العالم أيضاً».

الشحن اللاسلكي

في هذا الإطار، تبحث الهيئة ما يُمكن أن يُعرف بتقنية «الشحن العارض أو السريع»، وهو ما يعني شحن البطارية التي تزود الحافلة بالطاقة، بمجرد أن تسنح الفرصة لذلك.
فمثل العديد منّا ممن يقومون بشحن هواتفهم الذكية بالطاقة فور أن يعثروا على مقبس خاوٍ يصلح لهذا الغرض، بوسع الحافلات كذلك أن تتلقى جرعات شحن صغيرة بسرعة ويسر، وهو ما يمكنها من مواصلة السير وأداء مهام نقل الركاب، لفترة أطول دون الحاجة إلى الاعتماد على المحركات التي تعمل بوقود الديزل.
وهنا يقول ويستون: «سيتعين على الكثير من حافلاتنا ذات الطبقتين العمل لفترة تتراوح ما بين 19 و20 ساعة يومياً. وإذا وضعنا بطاريات تكفي لتوفير الطاقة اللازمة للسير طيلة هذه الفترة على متن الحافلات نفسها، فلن يتبقى مكان للركاب. لذا يتعين علينا بحث سبل أخرى» لإيجاد ما يمكن أن يُعرف بـ «حافلة كهربائية».
ويتمثل أحد هذه السبل في شحن بطاريات الحافلات لاسلكياً. فعندما تصل الحافلة إلى محطتها النهائية، يتم إيقافها فوق «لوحة حثٍّ كهربائي»، تنقل إليها الطاقة بمعدل يصل إلى نحو 10 كيلو/وات كل خمس دقائق.
وتشبه التقنية الأساسية المستخدمة هنا تلك التي يتم استخدامها لشحن فرشاة الأسنان الكهربائية دون إيصالها بشكل مباشر بمصدر للتيار الكهربائي. ولإتمام هذه العملية بنجاح، يتعين على الحافلة الوقوف بدقة فوق «لوحة حثٍّ كهربائي» مثبتة على الأرض، في وضع يتلاءم تماماً مع لوحة مماثلة موجود في الجزء السفلي من الحافلة.
ويتوجب ألا تتجاوز المسافة بين هاتين اللوحتين نحو ست بوصات (15سم)، ولذا سيتعين على الحافلة أن «تجثو» – أي تُخَفّض مستوى جزئها السفلي، تماماً كما تفعل لتسهيل صعود الركاب إليها. ويعني ذلك أن السائق لن يضطر للخروج من الحافلة من أجل توصيلها بمصدر الطاقة بكابل أو حزمة أسلاك، وهو ما قد يضيف دقائق ثمينة إلى الوقت المتاح لعملية الشحن.
ولكن ويستون يضيف أن الحافلات التي ستشملها التجارب الخاصة بتقنية الشحن الجديدة «ستظل مزودة بمحرك يعمل بوقود الديزل، وسيشكل ذلك المحرك بديلاً أخيراً في حالة عدم وصول هذه الحافلات إلى محطتها النهائية في الوقت المحدد لذلك، لكونها علقت في الطريق بسبب التكدس المروري، أو لأنها بدأت رحلتها متأخرة».
ورغم احتمالات التأخير هذه، فإن الرجل يبدي تفاؤله إزاء الفكرة الخاصة بالتقنية الجديدة، طالما أنه سيكون لدى الحافلة وقت كافٍ لإعادة شحن بطاريتها في المحطات الواقعة عند نهايات الخطوط التي تعمل عليها.
وفي هذا الشأن، يقول ويستون إنه «يجب أن نكون قادرين على الاعتماد على المحرك الكهربائي (لتسيير الحافلة) لنحو 80 في المئة من وقت تشغيلها».
ومما لا شك فيه، سيراقب كثير من الخبراء في مجال النقل والمواصلات، وكذلك المسؤولين المحليين في لندن، هذه التجربة عن كثب.

بي بي سي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق