افتتاحية

باي حق تضربون مستقبل مئة الف طالب؟

تملكت اهالي الطلاب الدهشة وغرقوا في حزن عميق وهم يشاهدون عبر شاشات التلفزة تصرف المعلمين تجاه زملاء لهم امام وزارة التربية، هؤلاء الذين يفترض فيهم ان يكونوا قدوة للمجتمع بأسره. فهم مكلفون بحكم وظيفتهم بتربية الاجيال الطالعة ركن المستقبل والوطن. فهل كان تصرف المعلمين على قدر هذه المسؤولية؟ لن نجيب بل نترك للناس ولاهالي الطلاب ان يحكموا بانفسهم ويجيبوا على السؤال ويتصرفوا.
قالوا في بداية تجمعهم انهم ديمقراطيون، وانهم يتركون الحرية للجميع. ولكن عندما تبين لهم ان عدداً كبيراً من الاساتذة يضعون مصلحة الطلاب فوق اي مصلحة شخصية، وارادوا الدخول الى الوزارة لتولي تصحيح الامتحانات، هالهم الامر فاقدموا على منعهم بالقوة مستخدمين العنف معهم، بشهادة زملائهم الذين تعرضوا للمنع.
من هي الجهة التي تريد ضرب القطاع التربوي في لبنان؟ ولمصلحة من؟ ومن يحمل على ضميره ضرب مستقبل اكثر من مئة الف طالب؟
انها ازمة تربوية حادة افتعلتها هيئة التنسيق النقابية ونقابة معلمي المدارس الخاصة، دون ان يكون بين طرفي الخصومة اي المعلمين والطلاب اي قضية او موضوع خلاف. انه فعلاً امر مستغرب.
لماذا هذا الاصرار على مقاطعة تصحيح الامتحانات؟ ما هو الذنب الذي اقترفه الطلاب واهاليهم ليعاقبوا بهذا الشكل القاسي، الذي يؤثر على مجرى حياتهم في المستقبل؟
ان الخلاف هو بين المعلمين والدولة فلماذا تعاقب هيئة التنسيق الطلاب، فتحرمهم من شهاداتهم وتضرب مستقبلهم؟
مئة وعشرة آلاف طالب اخذهم المعلمون رهائن، ويرفضون ان يفرجوا عنهم الا اذا حصلوا على «حقوقهم»، مع العلم ان هذه الحقوق ليست عند الطلاب. ان المعلمين يتصرفون اليوم كذلك الرجل الذي اختلف مع جاره فراح ينتقم من اخيه.
اذا تحدثت عن حقوق الطلاب وعدم جواز ان يكونوا رهائن انبروا يقولون «لا يزايد علينا احد نحن احرص على الطلاب من اي كان». فهل ان الحرص على الطلاب يكون بحرمانهم من شهاداتهم ومن دخولهم الجامعات ومنعهم من السفر وضرب مستقبلهم؟
يطل اركان هيئة التنسيق النقابية عبر شاشات التلفزة فيهددون ويصولون ويجولون وكأنهم اسياد العالم… سنضرب، سنقفل، سنعتصم… انهم يعتبرون ان لهم حقوقاً عند الشعب اللبناني كله، متناسين ان هناك ما يفوق المئة الف طالب هم الذين لهم حقوق عند الاساتذة ويرفضون ان يعطوهم اياها.
وينسى المعلمون انهم لا يعملون سوى اشهر قليلة طوال السنة. فهناك العطلة الصيفية التي تمتد الى ثلاثة اشهر، وهناك عطل الاعياد الدينية والرسمية وهناك وهناك… لو حسبنا ايام السنة التي يعملون فيها نراها اقل من نصف السنة. هذا اذا سارت الامور بشكل طبيعي وكما يجب ان تكون. ولكن الاساتذة يختلقون في كل عام مشكلة، ويعبرون عن مطالب جديدة، فيعلنون الاضراب لايام واحياناً لاسابيع، واكثر من مرة في السنة الواحدة. فمن يعطي الطلاب واهاليهم حقوقهم، ومن يعوض عليهم خسارتهم؟ ان البرامج تكاد لا تكتمل ولا سنة بسبب الاضرابات، والاساتذة يتجاهلون هذا الواقع وهم يعلمون ان مستوى التعليم يتدهور باستمرار. فالى اين نحن سائرون؟
وهنا لا بد من الاشارة الى مسؤولية لجان الاهل وقد بدأت علامات الاستفهام الكثيرة ترتسم حولهم. لماذا لا يعلو لهم صوت، لماذا لا يطالبون بحقوقهم وحقوق الطلاب؟ ام ان حقوقهم وحقوق اولادهم مؤمنة ومن بعدهم الطوفان.
لماذا لا تلجأ لجان الاهل الى القضاء لتحصيل حقوق اولادهم من جهات خطفتهم، دون ان يكون هناك خلاف بينها وبينهم، وعندها يظهر الحق وربما يعود الى اهله؟
نعم ان الطلاب لم يخاصموا المعلمين ولم يأكلوا حقوقهم، فلماذا يحرمهم المعلمون من حقوقهم هم؟ أليس القضاء وجد للفصل في هكذا قضايا، فلماذا لا تتحرك لجان الاهل؟ هل هي مؤيدة لتصرفات الاساتذة ولماذا؟
يشبه زعماء هيئة التنسيق انفسهم بالجيش، وهم يحاولون بذلك الاختباء تحت عباءة هذه المؤسسة الوطنية، ولكننا نقول لهم لا ايها السادة اياكم والتشبه بالمؤسسة العسكرية. فالجيش الذي له على الدولة الكثير الكثير من الحقوق، فهو بحاجة الى السلاح لمواجهة الاوضاع الصعبة، وهو بحاجة للحصول على حقوقه كاملة، فانه مع ذلك عندما تعرض الوطن للخطر هب هبة واحدة ودفع الغالي والثمين في سبيل الدفاع عنه، فقدمن الشهداء وسفك الكثير من دمائه، ولكنه لم يقل اعطونا حقوقنا لنقوم بواجبنا. اما انتم فلم تأخذوا المبادرة ولم تقدموا شيئاً وتمسكتم بحقوقكم على حساب اهمال حقوق وضرب مستقبل جيل كامل من الشباب. فبأي مقارنة تقومون؟
كفى تعنتاً وتجبراً وراعوا وضع البلد ووضع الجيل الطالع وقوموا بواجباتكم، وتخاصموا مع الدولة دون ان تأخذوا الطلاب رهائن، هذا اذا اردتم الوصول الى نتيجة.
في الختام لا بد من تنبيه ادارات المدارس الى ان المعلمين ربما استمروا في الاضراب الذي اعتادوا عليه حتى تشرين، وهددوا باقفال المدارس، ومنع التعليم. فحبذا لو تتعاقد المدارس كل المدارس مع اساتذة احتياط لاستدراك خطر ما يخطط له المعلمون. فالتدابير الاستباقية هي خير علاج لهكذا وضع.

«الاسبوع العربي»
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق