افتتاحية

لماذا لا يتضامن النواب مع مسيحيي لبنان؟

حدثان بارزان طبعا الحياة السياسية في لبنان الاسبوع الماضي. الاول تمثل في تضامن جميع محطات التلفزة في البلاد مع غزة، فبثت نشرة اخبار مشتركة تركزت على احداث القطاع والعدوان الاسرائيلي الوحشي على السكان الامنين فيه، حاصداً ما يفوق الالف قتيل وبضعة آلاف من الجرحى. وعلى مدى نصف ساعة تعاقب على الكلام مذيعون ومذيعات من مختلف المحطات الفضائية، معلنين تضامنهم مع غزة داعمين صمودها ومنددين بالهجوم البربري الاسرائيلي عليها.
هذه البادرة ليست غريبة على الاعلام اللبناني. فلطالما كان هناك تضامن في مجابهة الاحداث الكبيرة التي تواجه البلاد والدول العربية. ومعلوم ما للاعلام من قوة تفوق بمفاعيلها قوة السلاح مهما عظم شأنها.
الحدث الثاني تمثل في الجلسة الاستثنائية التي عقدها المجلس النيابي تضامناً مع غزة ومسيحيي الموصل، الذين تعرضوا الى التهجير بعد مصادرة جميع املاكهم واموالهم على ايدي مسلحي الدولة الاسلامية «داعش»، التي اجمع العالم على ان وحشيتها لا تقل ابداً عن وحشية العدو الاسرائيلي، لا بل انها تفوقها في بعض الاحيان.
وهكذا وبلمح البصر قضى مسلحو «داعش» على وجود تاريخي عريق عمره مئات السنين، ودمروا اماكن دينية اثرية متسببين بخسارة حضارة لا تعوض.
والاخطر في الموضوع ان عمل الدولة الاسلامية يشكل خطراً على التعايش بين الشعوب في مختلف انحاء العالم، وهذا ما لا يمكن تقبله، متجاوزين بذلك كل التعاليم والكتب السماوية. فالدين الاسلامي يقوم اساساً على التسامح والقبول بالاخر ويدعو الى السلام والمحبة. فباسم اي دين ينطق هؤلاء؟ ووفق اي تعاليم؟ انهم حتماً لا يفقهون معنى الاسلام، ولا يعتقدون بتعاليم القرآن الكريم، والا لما كانوا اقدموا على مثل هذه الاعمال البربرية.
ويستدل على خطأ ارتكابات هؤلاء من المواقف التي صدرت عن الهيئات الاسلامية التي اعلنت تضامنها مع مسيحيي الموصل، واكدت رفضها واستنكارها للتصرفات اللامسؤولة التي يقوم بها هذا التنظيم الارهابي.
نعود الى بيت القصيد وما جرى في لبنان. فالتضامن الاعلامي والنيابي مع غزة امر ضروري وواجب كل العرب ان يلتزموا به، وخصوصاً لبنان الذي يأوي على ارضه نحو نصف مليون فلسطيني واكثر، وهو منذ نكبة 1948 يحتضن القضية الفلسطينية وقدم لها ولا يزال يقدم ما لم تقدمه الدول العربية مجتمعة. كيف لا؟ وهناك اطفال ونساء وشيوخ يسقطون يومياً بنار الحقد والغدر في اسوأ همجية عرفها العالم.
ان ادانة اسرائيل من قبل الدول الكبرى على ما تقوم به في غزة ما كانت لتتأخر لحظة لو تعلق الامر بدولة غير الدولة العبرية. ولكن انحياز العالم الكلي الى هذا العدو الغاصب، يجعل الجميع يماطلون ويسوفون ويغضون الطرف، تاركين آلة الحرب تفعل فعلها. فالعالم يدين صواريخ الدفاع عن النفس الفلسطينية، ويتجاهل القصف الجوي والبحري والبري البربري الاسرائيلي على الاطفال والنساء، فيا لها من مهزلة.
اما تضامن النواب اللبنانيين مع مسيحيي الموصل فامر مشكور، وان كانت مفاعيله صفراً، اكتفوا بالكلام ولم يقدموا اي شيء عملي يساعد على حل القضية، كالذهاب مثلاً متضامنين الى الامم المتحدة والاعتصام فيها حتى يحرك العالم ساكناً، ويواجه هذا الاعتداء البربري. وقد سمعنا احد النواب يتنصل من المسؤولية فيلقي العبء على رجال الدين، ويحثهم على التوجه الى الامم المتحدة لحملها على اعادة الوضع الى طبيعته في الموصل. فكأنه بذلك يعترف بعجز السياسيين وتقصيرهم الدائم.
ولا بد من توجيه سؤال الى هذا المجلس الممدد لنفسه بصورة غير شرعية لماذا لا يتضامن مع لبنان ومع مسيحيي لبنان؟ فيجتمع النواب وفقاً لما ينص عليه الدستور، خصوصاً النواب المسيحيين، وينتخبون رئيساً للجمهورية، وبذلك يحافظون على المسيحيين ويحمونهم. فالدولة بكل مؤسساتها هي التي تحمي وليس اي فريق آخر. ولو كان في العراق دولة مسيطرة على الوضع لما حصل ما حصل، ولكانت استطاعت ان تحمي شعبها كل شعبها.
لن نوجه اي نداء للنواب المقاطعين لجلسات انتخاب الرئيس، لان النداء لن يلقى اي اذان صاغية بعدما صمت بفعل المصالح الشخصية التي اعمت اصحابها عن الحقيقة. فعسى ان يقيض الله لنا طبقة سياسية تعمل على محو اثار الطبقة القائمة وتضع اسساً جديدة للبلاد فتعود لتحتل مكانتها المرموقة بين الدول. انه ليس حلماً بل يتطلب الارادة.

«الاسبوع العربي»

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق