سينما

«جسور ساراييفو»: «القرن العشرين ابتدأ وانتهى هنا»

بمناسبة مئوية «اعتداء ساراييفو» الذي كان شرارة اندلاع الحرب العالمية الأولى، صدر فيلم حول تاريخ المدينة يتكون من 13 شريطاً قصيراً أخرجته البوسنية عائدة بيجيك. جمعت فيه شهادات من نجوا من واحد من أطول حصار في تاريخ الحرب الحديثة، حصار ساراييفو الذي استمر من 1992 إلى 1996. وبدأ عرض الفيلم في قاعات السينما الفرنسية ابتداء من امس الأربعاء.

«مهما حصل ستبقين خالدة. ساراييفو عالمي الأوحد والوحيد». صور بالأبيض والأسود ترافقها بعض نوتات البيانو، وامرأة شابة تغني حبها لعاصمة البوسنة والهرسك. وفي فيلمها القصير، تظهر عائدة بيجيك عشقها الجارف لمدينتها. مدينة هوجمت ودمرت ولطختها الدماء لكنها في كل مرة بعثت مجددا من رمادها. وبمناسبة مئوية «اعتداء ساراييفو»، دعيت عائدة بيجيك إلى جانب اثني عشر آخرين إلى تصوير الرؤية التي تحملها عن المدينة. وقالت بيجيك: «شعرت بالفخر عندما علمت أن سينمائيين كباراً على غرار جان لوك غودار وكريستي بيو وأنغيلا شانيليك سيشاركون في المشروع». وأضافت «وقبلت أيضاً لأن الموضوع يتعلق بمدينتي التي أحبها. ليس من السهل أن تكتب حكاية مستلهمة من واقع قريب جداً منك ويهمك كثيراً».

اصوات من بين الأنقاض تروي…
تروي الأفلام التي جمعت تحت عنوان «جسور ساراييفو» تاريخ هذا المكان الذي كان مسرحا لأحداث كبرى. وتؤكد المخرجة «القرن العشرين ابتدأ وانتهى هنا». وفي حين اختار بعض زملائها التطرق إلى اغتيال وريث العرش النمساوي الأرشيدوق فرانز فردينان أثناء زيارته إلى ساراييفو في 1914 الذي يعتبر الحادث الذي أشعل الحرب العالمية الأولى، فضلت عائدة بيجيك تقاسم رؤيتها للحصار الذي خنق المدينة بين 1992 و1996. تعرف عائدة تلك الفترة جيداً، إذ كان عمرها 16 عاماً في بداية حرب البوسنة ولم تغادر مدينتها حيث كانت طالبة في أكاديمية الفنون المسرحية. رسخ في ذهنها القصف ورصاص القناصة والجوع، فتقول «إنها المرة الأولى التي أبحث فيها بصفتي مخرجة هذه المرحلة من حياتي، فحتى الآن لم أتحدث سوى عن فترة ما بعد الحرب ومخلفاتها. لم يكن سهلاً علي إحياء هذه الجروح ومواجهة تلك الصدمة». وفي أفلامها الطويلة السابقة، كـ «أول الثلوج» في 2008 (الجائزة الكبرى لأسبوع النقاد في مهرجان كان) و«دجيكا، أطفال ساراييفو» في 2012 (تنويه خاص من لجنة التحكيم في قسم نظرة خاصة في مهرجان كان)، اختارت عائدة بيجيك ذكر إعادة بناء بلادها عبر حكايات نساء أو أيتام. أما في «جسور ساراييفو» فتمنح المخرجة الكلمة للناجين، فترتفع أصوات من الشارع، أو بالأحرى من بين الأنقاض، لتروي ما يصعب للعقل تصديقه. ويلخص أحد الناجين هذه المأساة المرعبة في جملة «عجيب مدى السرعة التي يتعود بها الإنسان على الموت». وبعد حوالي عشرين عاماً على انتهاء الحصار، يصعب على الفنانة استيعاب ما حصل من عنف ودمار. فتقول واقفة على بضعة أمتار من مبان تحمل إلى اليوم آثار الرصاص «لم يكن أحد يتصور يوماً أن الحرب ستبدأ في يوغوسلافيا. كان الناس سعداء في ساراييفو ويعيشون بعضهم مع بعض منذ زمن طويل، ومع ذلك حصل ما حصل. إن كان ذلك وقع هنا، فيمكن بعدها أن يقع في أي مكان آخر».

مجانين وكلاب
ويعتري شيء من الغضب صوت عائدة. فالحرب ألقت بظلالها على ماضيها ولا تزال تسكن حاضرها. وترسم لنا عائدة مشهداً قاتماً عن البوسنة التي واجهت في بداية العام مظاهرات عنيفة ضد الفقر ووصلت فيها نسبة البطالة إلى 44 بالمئة، فتقول بمرارة «وصلنا مستوى متدن جداً لكن آمل أن نعود إلى السطح بعد أن لامسنا القاع. فالمجتمع يزداد عنفاً. أخشى أن نعيش في المستقبل ما يشابه أفلام الخيال المخيفة حيث يهيم في الشوارع المجانين والكلاب. الشرطة هنا غير فعالة بسبب الفساد، والناس الذين يفشلون في استرجاع حقهم عبر القضاء يضطرون لاسترجاعه بأنفسهم».
ولا تمنح صفة «فنانة» عائدة امتيازات بل بالعكس فهي لا تدري إن كان بوسعها الاستمرار في التعبير عن آرائها فتقول: «الحال يسوء يوماً بعد يوم. فمتاحفنا مغلقة وليس لدينا مكتبات، والسينما تحتضر. قبل سنوات كان بإمكاننا طلب تمويل من التلفزيون أو من البلدية، ولم يعد ذلك ممكنا اليوم. لا توجد سياسة ثقافية هنا ولا أحد يفكر فيها».
نجمة السينما البوسنية لا تريد حجب الحقيقة بلمعان مزيف، فترسم لنا مدينتها بشفقة ومحبة لكن دون خداع. وتدعونا إلى زيارة ساراييفو فتقول مازحة «تعالوا طالما لازلنا أحياء. لا تفوتوا الفرصة فهو مكان جميل، لكن لا أضمن لكم شيئاً بالنسبة الى المستقبل!».

فرانس 24

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق