افتتاحية

هذه ثمرة مجلس نيابي مدد لنفسه قسراً

في الاسبوع الماضي رفض الرئيس نبيه بري استقبال نقابة اصحاب المصارف، بحجة ان احد اركانها انتقد النواب على اقرارهم قانون رفع الضريبة على الفوائد المصرفية، وطلب اعتذاراً علنياً لتسوية الامور… فكأن الرئيس بري يعتبر النواب من طبقة لا يجوز انتقادها، وتوجيه اللوم اليها لانها فوق مستوى الناس.
كذلك اقدم احد النواب على تقديم شكوى بحق نقابة اصحاب المصارف متهماً اياها بالقدح والذم، ثم عاد وسحبها بعد تصريح احد اركان النقابة اعتبر بمثابة تراجع عن الانتقاد وشبه اعتذار.
وبما انه فتح باب الاعتذارات نقول ان على النواب الذين اقروا سلسلة قوانين ضربت المواطنين او الاكثرية الساحقة منهم، لحساب قلة لا احد ينكر عليها حقوقها، شرط ان تعالج قضاياها بطرق علمية، وفي اجواء هادئة ونقاش معمق لتأتي الحلول على قدر المشاكل المطروحة، فاسسوا لكوارث ولثورات شعبية لا يعرف احد كيف يمكن ان تنتهي، على هؤلاء النواب الاعتذار من الشعب. وقد عددنا في مقال سابق بعض هذه القوانين مثل قانون حماية المرأة، الذي بدل ان يرضي المطالبين اثارهم ودعاهم الى التظاهر والرفض. وقانون الايجارات الذي يشرد اكثر من ثمانماية الف انسان الى غير ذلك. وكان الاجدر بالنواب الكرام قبل اقرار مثل هذه القوانين، وخصوصاً قانون الايجارات، اقرار سياسة اسكانية تعالج المشكلة من جذورها، لا ان ترمي مئات آلاف العائلات على الطرقات. ان قانوناً كهذا كان بحاجة الى درس معمق يحدد اساس المشكلة والحلول العملية لها، وبعدها يصار الى اقراره، ولكن شيئاً من هذا القبيل لم يتم، بل اقر القانون بمادة وحيدة ودون اعتراض احد من النواب، وهذا ما اثار علامات استفهام كبيرة. حتى التحركات الشعبية التي تتوالى يومياً لم تلق مساندة من اي من السياسيين باستثناء تدخل خجول من النائب نديم الجميل. افليس من حق الشعب ان يتساءل عن سر هذا الصمت المطبق، مع علم جهابذة السياسة ان القانون يطرح مشكلة، وهي واشد من المشكلة القائمة؟
واختتم الاسبوع الماضي باسوأ مما بدأ. فقد اجتمعت اللجان المشتركة، وكان تصميم على ان تقر سلسلة الرتب والرواتب بأي ثمن، واياً تكن النتائج على الخزينة، رغم تحذيرات جميع الخبراء الاقتصاديين. فانهت اللجان دراسة السلسلة ورفعت توصياتها الى الهيئة العامة لمجلس النواب الذي دعي لمناقشتها يوم الثلاثاء وهكذا كان. وكل ذلك تلبية لوعد قطعه بري بانهاء دراسة الموضوع ولا يهم كيف تكون النهاية.
الى ماذا توصلت اللجان حتى تمكنت من انهاء دراسة السلسلة؟
يقول الخبراء انها لم تتوصل الى اي حل، ولذلك لجأت الى الاساليب التقليدية البالية التي طالما اثبتت خطورتها على الوضع المعيشي والاقتصادي، الا وهو اسلوب زيادة الضرائب على المواطنين. فهل يعتقد السادة النواب ان الناس في ظل ارتفاع الاسعار وانخفاض النمو وزيادة نسبة البطالة، قادرون على دفع المزيد من الضرائب؟ فمن اين يأتون بالمال؟ الا يرون ان السياحة متوقفة والصناعة تعاني من كبوات والاقتصاد كله يترنح والبطالة تتفاقم؟ ثم ماذا قدموا للشعب مقابل هذه الزيادات؟
معلوم انه في بلدان العالم هناك ضرائب تفرض على المواطنين، وفق قوانين عصرية عادلة، وبالمقابل هناك تقديمات تعوض عليهم الكثير مما يدفعونه. فما هي التقديمات التي قررها النواب للشعب؟
هذه العشوائية في اقرار القوانين ودون تعمق في نتائجها، ودون ايجاد حلول للمشاكل التي تتناولها، حركت كل الهيئات الاقتصادية والاجتماعية والشعبية (وحدهم السياسيون لم يحركوا ساكناً) فادرك النواب خطورة ما اقرته اللجان، فعمدوا الى وقف البحث في السلسلة لمدة خمسة عشر يوماً لاعادة درس الموضوع. فعسى ان يتبصروا بالمشكلة بجدية كاملة.
هل يجترح النواب العجائب في هذه المدة القصيرة؟ حتماً لا. ولكنه هروب الى الامام لانهم لا يملكون الجرأة لقول كلمة الحق التي تحفظ الاقتصاد، واخذ الوقت الكافي لوضع السلسلة في الاطار الذي يحفظ الحقوق دون ان يمس باقتصاد البلد، ان نواباً مددوا لانفسهم، دون الرجوع الى الشعب مصدر السلطات، لا يستطيعون ان يفعلوا اكثر مما فعلوا. فلننتظر الانتخابات المقبلة علها تحمل الى البرلمان من يتمعتون بالكفاءة اللازمة لمعالجة هذه الامور. ولعل الشعب يعرف هذه المرة كيف يختار ومن يختار.

«الاسبوع العربي»

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق