العراق: الانتخابات المقبلة هل تنتج صيغة حكم جديدة تريح البلد المنكوب؟

اقر البرلمان العراقي القانون الجديد للانتخابات في العراق، وفي اعقاب هذه الخطوة مباشرة، حددت الحكومة العراقية اوائل شهر نيسان (ابريل) من العام المقبل، موعداً لاجراء الانتخابات العامة الثالثة في بلاد الرافدين منذ سقوط نظام صدام حسين قبل نحو عشر سنوات.
يعد اقرار القانون في ميزان اللعبة السياسية العراقية الشديدة التعقيد، وفي ظل الانقسام السياسي الحاد المهيمن على الساحة السياسية منذ اعوام، انجازاً مهماً، فهو كما صار معلوماً اقر بعد مخاض سياسي عسير، استمر اشهراً عدة بلغت فيه التناقضات والخلافات حول القانون الذي كان آنذاك ما زال مشروعاً، حداً توقع فيه الكثيرون الا يقر المشروع في الوقت المحدد له، وان يتم تأجيل الانتخابات العامة العراقية الى اجل غير مسمى.
الخلافات تناولت جوهر القانون وشكله ومواده من منطلق حسابات ضمنية لكل طرف تعده بإمكان احراز تقدم في الانتخابات المقبلة، وبالتالي الحصول على عدد اكبر من المقاعد على نحو يؤدي الى قلب المعادلات داخل البرلمان العراقي الجديد، وبالتالي يفتح الابواب امام تأليف حكومة جديدة بمواصفات جديدة، واستطراداً امام لعبة سياسية مختلفة عن لعبة الاعوام الاربعة الماضية، حيث كان رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي سيدها المطلق، اذ نجح في الامساك بزمام القرار والحكومة رغم ان «القائمة العراقية» بزعامة منافسه وخصمه التقليدي اياد علاوي حصدت عدداً اعلى من المقاعد في الانتخابات العامة الماضية.
ولأن كل الكتل والقوى المعادية للمالكي لم تفلح خلال الولاية الماضية للبرلمان العراقي الحالي من احداث اي تغيير في الامر الواقع الذي فرضته المعادلات والحسابات الطائفية والمحاصصات السياسية وضعت بعض رهانها في سلة امكان تحقيق تغييرات في قانون الانتخاب الجديد وفي نتائج الانتخابات المقبلة.
اقرار القانون
وفي كل الاحوال، اقر المشروع وصار قانوناً ساري المفعول، وبالتالي صار بالامكان اجراء الانتخابات الموعودة من دون تأخير او تأجيل، فضلاً عن ان الاقرار نال رضا الادارة الاميركية، لكن السؤال على لسان نائب الرئيس جو بايدن الذي بات مطروحاً هو: هل القانون المقر قبل ايام قليلة جديد ويمكن الاعتداد به والبناء عليه للتكهن مسبقاً بإمكان حدوث تغييرات في الواقع السياسي الحالي يقلب الصورة النمطية المعروفة منذ اعوام؟
لا بد من الاشارة استهلالاً الى ان القانون الجديد اقر زيادة عدد مقاعد البرلمان العراقي من 275 مقعداً الى 328 مقعداً، منها ثمانية للكوتا و3 للاكراد و7 لكل من بغداد والبصرة وذي قار والانبار وديالى والمثنى وبابل. اما الزيادة التعويضية فقد تمت على اساس طائفي فأضيفت 3 للاكراد و7 يتقاسمها الشيعة والسنة لاحقاً.
اما حصة الكوتا، فقد وزعت على هذا النحو: المكون المسيحي 5 مقاعد، والمكون الايزيدي مقعد واحد والمكون الصابئي المندائي مقعد واحد والمكون الشبكي مقعد واحد. واقر القانون ايضاً اعتماد طريقة «سانت ليغو» المعدلة في توزيع الاصوات على القوائم الفائزة.
بطبيعة الحال، القانون الجديد اذا تم يضع حداً نهائياً للجدال والسجال والاعتراض داخل البرلمان حول العديد من مواده، فهو يمثل الحد الادنى من التوافقات الممكنة في المرحلة الراهنة وفق توصيف الكتل التي ايدته، وخصوصاً ان الخلافات السياسية حول كل شيء في العراق بلغت حداً ومرحلة لا يمكن معه لأي مراقب للشأن العراقي ان يتوقع تمرير قانون ما او مسألة في البرلمان العراقي وخارجه من دون ان تظل موضع خلاف وجدل واعتراض البعض، فتلك هي سمة اساسية من سمات اللعبة السياسية في الساحة العراقية منذ زمن بعيد.
حالة ثلاثية
وبالتالي، فالثابت ان اقرار قانون الانتخاب الجديد في البرلمان بعد كل هذه المرحلة الطويلة من التباينات والصراعات، انما تم تأكيداً لمعادلة سياسية صارت ثابتة الاركان في المعادلة السياسية العراقية من الان والى اجل غير مسمى، فحواها ان ثمة حالة سياسية ثلاثية هي التي تتحكم بمستقبل القرار السياسي، وهي تضم:
– الائتلاف الوطني العراقي الذي يرأسه «نظرياً» ابرهيم الجعفري، ولكن التجارب تثبت ان الشخصية القوية فيه ما زالت المالكي نفسه، والذي يضم كل الاحزاب والتيارات الشيعية العراقية بما فيها «التيار الصدري» بزعامة مقتدى الصدر والمجلس الاسلامي العراقي الاعلى بزعامة عمار الحكيم.
– القائمة العراقية هي الاطار السياسي الوحيد غير الطائفي يتزعمها نظرياً رئيس الوزراء العراقي الاسبق اياد علاوي، لكن الزعامة العملية فيها هي موزعة على شخصيات اخرى كون القائمة عبارة عن ائتلاف وتوافق مجموعة قوى وشخصيات متنوعة الاتجاهات والمشارب والانتماءات جمعت نفسها في هذا الاطار واختارت علاوي واجهة، نظراً لمكانته وتجربته، وبعدما فقدت القائمة الشخصية الثانية فيها طارق الهاشمي الذي صار عملياً منفياً خارج الاراضي العراقية بعد حكم قضائي بحقه ادانه صراحة بتهمة الضلوع في تنفيذ عمليات ارهابية، فإن ثمة شخصيتين رئيسيتين تبرزان الان وتعملان بدأب ليكون لهما دور وازن في القرار السياسي العراقي باعتبارهما الاقوى في شارعهما السني، وهما نائب رئيس الوزراء صالح المطلك الذي نجح اخيراً في اعادة وصل ما انقطع مع المالكي، ورئيس البرلمان العراقي اسامة النجيفي الذي رغم خلافاته وتناقضاته مع المالكي وفريقه السياسي ومواقفه المتطرفة والحادة احياناً، الا انه نجح في ان يصير رقماً صعباً لا يستغنى عنه في المعادلة السياسية العراقية المحلية وحاجة ملحة لاي معادلة مستقبلية يسعى اليها الفريق السياسي الحاكم في بغداد حالياً وفي طليعته المالكي.
تحركات وانتفاضات
ولا بد من الاشارة الى ان المطلك والنجيفي استفادا الى حد بعيد من تشرذم الساحة السياسية السنية في العراق، وخصوصاً بعد الغياب القسري للهاشمي وتقلص دور الحزب الاسلامي (الذراع العراقية للاخوان المسلمين) وبعد الاخفاق النسبي للقيادات العلمائية والعشائرية التي امسكت بزمام امور الذين انتفضوا واعتصموا لاشهر عدة وملأوا الميادين وما زالوا يظهرون كل نهار جمعة في محافظات الوسط، تعبيراً عن انتفاضتهم في وجه حكومة المالكي واعتراضاً على تهميشهم والغاء دورهم في المعادلة السياسية العراقية الحالية.
فالمعلوم ان كل هذه التحركات والانتفاضات اخذت في بدايتها حيزاً واسعاً من الاهتمام الاعلامي والسياسي، ولكنها ما لبثت ان تراجعت اهميتها بعدما ضيعت فرصاً عدة في التحاور مع حكومة المالكي، وبعدما عجزت عن المضي قدماً في استغلال الزخم الذي حققته في بداياتها.
– التحالف الكردستاني الذي يضم الحزبين الكرديين الاقويين بزعامة مسعود البرزاني وجلال الطالباني والذي نجح بعد كل ازمة مع بغداد في انتزاع بعض المكاسب.
وبناء على كل هذه المعطيات والوقائع، فالسؤال الذي بات يشغل اهتمام خبراء الشأن العراقي هو: هل ان ما حصل سيسمح بانتاج تفاهم سياسي بين هذه القوى الثلاث التي تمثل عملياً الغالبية الساحقة من ميول الشعب العراقي ويتمتع كل منها بحضور وازن في شارعها وذلك بناء على نتائج الانتخابات النيابية المتوقع حصولها مبدئياً في العام المقبل ويكون هذا التفاهم معبراً الى حالة سياسية جديدة توفر استقراراً امنياً وسياسياً وتفتح طريق تداول السلطة وتؤمن ظروفاً اكثر ديموقراطية للعملية السياسية؟
حسابات وعقبات
العراقيون، ولا ريب سئموا وضجروا من واقع الانقسام السياسي الحالي الذي زادته سوءاً التطورات الامنية الاخيرة بفعل اشتعال فتيل الاحداث في سوريا، ولكن امر العودة الى الاستقرار السياسي والامني ما زالت دونه حسابات وعقبات عدة ابرزها:
– هل ان المالكي نفسه اقتنع بضرورة اعادة النظر بأدائه السياسي على نحو يوسع دائرة المشاركة بالقرار السياسي ويضع حداً لطموحات قد تكون مهلكة ومدمرة؟
– ثم هل ان خصوم المالكي اقتنعوا فعلاً بأن عليهم ان يتكيفوا مع المتغيرات والتحولات البنيوية العميقة التي طرأت في العراق بعد سقوط نظام صدام حسين وما اعقب ذلك من ترسيخ معادلات مختلفة تماماً لا يمكن اعادة عجلتها الى الوراء مهما كان عدد السيارات المفخخة والاعمال الارهابية؟
الاجابة على هذين السؤالين لن تكون الا بعد الانتخابات العامة المقبلة في العراق، ومهما كانت فلقد صار الجميع في العراق مقتنعين تماماً بأن المسار السياسي المتبع حالياً مدمر وكارثي ولا بد من ابرام تفاهمات جديدة لادارة هذا البلد المنكوب. والمسؤولية تقع بطبيعة الحال على عاتق كل الاطراف دون استثناء.
ابرهيم بيرم