رئيسي

العراق: امارة داعش تتآكل، والصدر يعيد خلط الاوراق الشيعية

تطورات مثيرة شهدتها الساحة العراقية على مدى الايام القليلة الفائتة. وهي بمجملها تشكل جزءاً من المشهد العراقي العام الذي لم يعرف الاستقرار، والذي تتعدد مشاهده المتغيرة يوماً بعد يوم، وتمتد على طول ارضه التي يعتقد محللون انها مرشحة للمزيد من الازمات.

التغيرات التي يشهدها ذلك البلد المليء بالتناقضات، لم تتوقف عند حواجز السياسة، وانما تتعداها الى مجالات اخرى، بعضها امني، والبعض الاخر اقتصادي، ويتمثل بارتفاع مديونيتها واستنزاف كامل وارداتها لتغطية الجوانب الامنية، بما فيها الامن الشخصي لكبار المسؤولين. وبالتالي ارتهان مواردها النفطية لعقود طويلة لتغطية هذا الجانب.
ومع اهمية جميع التطورات، يتوقف المتابعون عند مجريات الامور في منطقة الفلوجة، حيث تتواصل المواجهات، ويرتفع عدد القتلى، وتمتد تفاعلات تلك المواجهات الى مناطق اخرى، والى مجالات متعددة قد يكون انسحاب مقتدى الصدر من الحياة السياسية واحداً منها.
سياسياً، كشفت التطورات التي تشهدها الساحة العراقية عن ثغرة واضحة في الجدار الطائفي. فإضافة الى تسخير حكومة المالكي جميع المقدرات للحرب الداخلية، ذات الشكل الطائفي، كشفت الخطوة التي اتخذها الزعيم الشيعي مقتدى الصدر عن ازمة داخلية في البيت الشيعي الذي تحاول المرجعيات السياسية الحاكمة تقديمه كجسم موحد خال من التناقضات، مؤهل للحكم.

انسحاب سياسي
كما كشفت الخطوة المذكورة عن امتدادات تلك الثغرة الى العامل السياسي، لجهة التأكيدات الصدرية بان مبررات الانسحاب سياسية، وتتعلق بممارسات الحكم الحالي، حيث يرى محللون ان خروج الصدر المفاجىء من العملية السياسية في العراق بعد مسيرة حافلة بالنزاعات العسكرية وغير العسكرية، بمثابة «هدية» لخصومه الشيعة قبل اسابيع من الانتخابات البرلمانية.
ويرى المحللون ايضاً ان انسحاب الصدر الذي انتقل تياره في فترة قياسية من خانة التطرف الى خانة الاعتدال، خسارة لعنصر اساسي في دائرة التوازن داخل الطائفة الشيعية، وعلى المستوى الوطني العام، بعدما لعب دوراً مركزياً في تخفيف الاحتقانات الطائفية.
وبرر الصدر انسحابه بالقول انه جاء «حفاظاً على سمعة آل الصدر، ومن منطلق انهاء كل المفاسد التي وقعت او التي من المحتمل ان تقع تحت عنوانها ومن باب الخروج من افكاك الساسة والسياسيين.
فقد اعلن الصدر عن انسحابه من الحياة السياسية، واعادة هيكلة تياره ضمن مجالات اجتماعية وتربوية ودينية. وفي سلسلة بيانات أصدرها من مقره في النجف (160 كم جنوب بغداد) يوم الاثنين، أعلن مقتدى الصدر عن توزيع مهام تياره في الشؤون الدينية والاجتماعية على شخصيات دينية يثق بهم، بينما لم يكلف أياً من سياسيي التيار، سواء من النواب أو الوزراء أو أعضاء مجالس الحكومات المحلية، بها.
وأعطى الصدر تعليماته لأتباعه بتخصيص خطب الجمعة للجانب الديني والأخلاقي وحاجات المجتمع، مشدداً على أن تكون هذه الخطب موحدة تكاملية أخلاقية ودينية لأجل المصلحة العامة وتحقيق حاجات المجتمع. وطالب خطباء الجمعة بالابتعاد عن كل ما فيه مضرّة، وبأن يتخذوا في كل ذلك الاحتياط، وبأن يرجعوا إليه في كل ذلك.
وأشار إلى أن المركزين الرئيسين التابعين له في النجف وبغداد سيتوليان الاهتمام «بشؤون شهداء المقاومة الشريفة» وعوائلهم، من النواحي الإنسانية والثقافية والاجتماعية.
وإضافة إلى ذلك، فقد قرر الصدر حل كتلة الأحرار الصدرية، وإغلاق الهيئات الاجتماعية والاقتصادية في محافظات العراق كافة، وتوقيف عمل ممثلي الصدر في النجف والمحافظات.
يأتي ذلك في وقت تداعت فيه الكتلتان الوزارية والنيابية للتيار الصدري من اجل عقد اجتماع لاتخاذ قرارات وصفت بالحاسمة. وبالتزامن، أعلنت كتلة الأحرار النيابية عن انسحاب واستقالة 18 نائباً صدرياً من مجلس النواب.

اعتزال الصدر
وكان الصدر اعلن اعتزال العمل السياسي، وعدم الاعتراف بنوابه ووزرائه في الحكومة. كما أصدر أمراً بإغلاق المراكز التابعة للتيار، والبالغ عددها 19 مؤسسة، وعدم السماح لأحد بتمثيلها أو التحدث باسمها، فضلاً عن عدم تدخلها في الأمور السياسية، مؤكداً أن أية كتلة أو منصب لم تعد تمثله، سواء داخل الحكومة أو البرلمان.
الى ذلك، وجه مثقفون وليبراليون نداءات إلى الصدر للعدول عن قراره وبدأت شخصيات وطنية تتصل به في الاتجاه نفسه، فقد ناشد اياد علاوي رئيس ائتلاف «العراقية الوطنية»، مقتدى الصدر العدول عن قراره اعتزال الحياة السياسية.
وقال علاوي في تصريح صحافي مكتوب: «ان العراق يمر منذ سنوات بأزمات متشابكة تتعقد يوماً بعد يوم، وهو ما يضاعف من مسؤولية الرموز والقوى الوطنية والاسلامية في التصدي لهذا الانحدار الخطير مهما غلت التضحيات». واكد قائلاً: «صدمنا بقرار الصدر اعتزال العمل السياسي احتجاجاً على الانحرافات الجسيمة التي سلكتها العملية السياسية وانعكاساتها السيئة على حياة وكرامة العراقيين، واخلالها بمصداقية العمل السياسي».
في هذه الاثناء، وليس بعيداً عن تطورات الانسحاب الاحتجاجي لزعيم التيار الصدري تتواصل المواجهات في مناطق الفلوجة، وسط معلومات عن تحولها الى حرب شوارع، والى تآكل امارة داعش التي تم الاعلان عنها في بعض المدن والقرى الواقعة بمحيط الفلوجة.

معارك واقتحامات
وادت تلك المواجهات الى استعادة القوات العراقية سيطرتها على مدينة بشمال العراق من مسلحي تنظيم دولة العراق والشام الاسلامية كانوا سيطروا عليها خلال الاسبوع الماضي وأعلنوها إمارة إسلامية.
فقد أحكمت قوات مشتركة من الجيش والشرطة الاتحادية سيطرتها على ناحية «سليمان بك»  بمحافظة صلاح الدين (170 كم شمال غرب بغداد) بعد اقتحامها من ثلاثة محاور وقتل أكثر من 15 مسلحاً وقطع  الطريق الرئيسي بين بغداد وكركوك.
واشار مدير ناحية سليمان بك في محافظة صلاح الدين، طالب البياتي الى انتشار الجثث في شوارع هذه المنطقة التي خلت من سكانها بعد نزوح العائلات الى مناطق مجاورة. وأضاف أن «القوات المشتركة مدعومة بمروحيات تعمل على ضرب اوكار المسلحين الذين بدأوا بالانسحاب باتجاه جبال حمرين».
وقال: إن مسلحين من محافظات نينوى وصلاح الدين وديالى وكركوك والأنبار يشاركون في المعارك الجارية في الناحية. ومنذ سيطرتهم على المدينة، رفع المسلحون اعلامهم السوداء التي تحمل شعار الدولة الاسلامية في عدد من شوارع المدينة حاملين قذائف صاروخية واسلحة آلية يهاجمون بها بعض الادارات الحكومية والامنية كما أطلقوا نداءات من مكبرات الصوت في المساجد، تعلن ان الدولة الإسلامية في العراق والشام تسيطر على الناحية وتطلب من السكان مغادرة منازلهم.

ا. ح

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق