رئيسي

لماذا التزمت 8 اذار الصمت ازاء «مذكرة بكركي»؟

شكلت «المذكرة الوطنية» التي صدرت عن بكركي مطلع شهر شباط (فبراير) بعد الاجتماع الشهري للمطارنة الموارنة، الحدث على الساحة المحلية، واعتبرت محطة مهمة في تاريخ لبنان، حتى ان شخصيات سياسية مخضرمة قدّرت اهميتها واعتبرتها (المذكرة) الرابعة في عهد البطريركية في العقدين الماضيين.

بعد المذكرتين اللتين صدرتا عن البطريركين الياس الحويك (1899 -1931) وانطون عريضه (1932-1955) كان نداء بكركي الشهير عام 2000 في عهد الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير، البطريرك الدائم كما اسماه البطريرك الراعي عند تسلمه مقاليد السدة البطريركية،وقد اسس البيان لخروج القوات السورية من لبنان، وكرّس وحدة المسيحيين والمسلمين تحت عنوان «لبنان اولاً». وجاءت مذكرة الراعي اخيراً بعد شعور البطريركية بـ «ان الوطن في خطر ولبنان امام تحد كبير ومفصل تاريخي».

لماذا الاحجام؟
لماذا احجمت قوى 8 اذار عن الترحيب بالمذكرة؟ لقد تلقى البطريرك الراعي سيلاً من اتصالات الترحيب من الرئيس ميشال سليمان الذي تمنى على السلطات الدستورية والحكومات المتعاقبة «تنفيذ مضمون المذكرة، لانها تشدد على الثوابت لدولة عصرية وعلى الميثاقية والمناصفة وعلى اعلان بعبدا لتحييد لبنان، وعلى حصرية السلاح بيد الدولة وعلى دعم مؤتمر المجموعة الدولية لدعم لبنان، وعلى التزام قرارات الشرعية الدولية». كما رحب الرئيس نجيب ميقاتي بها، وتوقف الرئيس تمام سلام عند صدورها في الوقت المناسب. ولخص الرئيس سعد الحريري ترحيب قوى 14 اذار بها فاعتبرها «خريطة طريق» لبناء الدولة وتحصين الوحدة ودعم المؤسسات، وانهاء حالة الاهتراء السياسي والامني. واعلن ان تيار المستقبل سيكون ظهيراً قوياً لمضمونها الذي بات يشكل ضرورة لحماية لبنان واعادة الاعتبار لمؤسساته الشرعية. وغاب اي موقف مؤيد من قوى 8 اذار، فاكتفى وزير حزب الله محمد فنيش بالقول: لا تعليق، وغاب الرئيس نبيه بري عن السمع. ولم تتطرق كتلة الوفاء للمقاومة في بيانها الاسبوعي الى المذكرة، وبرر النائب كامل الرافعي غياب التعليق «لمزيد من الدرس وليس من باب الاهمال». وعزا المراقبون «صمت» الثنائي الشيعي الى عدم الرضى عما ورد فيها، واحجموا عن الترحيب وكذلك عن الانتقاد لتجنب المزيد من التشنج والتأزم على الساحة، في ظل اجواء مشحونة بالطائفية والمذهبية. واغتنم العماد ميشال عون مشاركته في قداس مار مارون في بكركي مع وزراء ونواب التيار وليس في كنيسة مار مارون في الجميزة حيث يقام سنوياً قداس رسمي يحضره رئيس الجمهورية واركان الدولة، فاعلن تأييده المذكرة بحرفيتها.
وحاولت اوساط سياسية تدور في فلك 8 اذار والمحورالسوري – الايراني تسليط الاضواء على جوانب العتب وحتى الاستياء من بعض مضامين المذكرة ومنها: التركيز على حياد لبنان واعلان بعبدا والعودة الى مصطلح «لا شرق ولا غرب» والمعادلة الميثاقية «لبنان مع العرب اذا اتفقوا وعلى الحياد اذا اختلفوا»، وعدم ملاءمة المذكرة «لثوابتنا ومبادئنا»، وغياب اي ذكر للمقاومة، لا بل التشدد في تنفيذ قرارات الشرعية الدولية، وعدم التطرق الى ما يجري في سوريا، والتشدد في المناصفة وتطبيق الطائف. واعتبر بعض المنتقدين ان المذكرة انطلقت من خوف وليس من قوة…» واخيراً يرى نائب في قوى 8 اذار ان المذكرة تنطوي على افكار 14 اذار وقد جُمعت في بيان جامع، من هنا سارعت قوى 14 للترحيب بها.

المناصفة و الحياد والسلاح
واوضحت مصادر وزارية شاركت في صياغة المذكرة مع مجموعة من الشخصيات الدينية والمدنية تمثل مختلف المكونات السياسية من دون استثناء احد، ان احجام قوى 8 اذار يعود الى ثلاثة امور تعتبرها جوهرية واساسية في «نضالها» على الساحة السياسية وهي: المناصفة، حياد لبنان، حصرية السلاح. وترى اوساط سياسية في الثنائي الشيعي ان هذه العناوين تستهدفها في الجوهر، خصوصاً بعد مسارعة اطراف في قوى 14 اذار الى المطالبة بضرورة تبني مذكرة بكركي الى جانب اعلان بعبدا في اي موقف سياسي وفي البيان الوزاري لاي حكومة. واستغربت اوساط في 8 اذار تمسك بكركي بالمناصفة بعدما سبق للبطريرك الراعي ان دعا الى «عقد اجتماعي جديد» والى «ميثاق جديد» من خلال مؤتمر تأسيسي سبق للامين العام لحزب الله ان دعا اليه كمخرج من الازمة المتفاقمة.
ويقول نائب في 14 اذار ان المذكرة ضربت مخطط 8 اذار الذي يهدف الى احداث فراغ في المؤسسات لان ذلك يسهّل الوصول الى المبتغى بعقد مؤتمر تأسيسي يطالب خلاله الثنائي الشيعي بالمثالثة التي حاولوا تمريرها عام 2008 ولكن لم ينجحوا، فاستبدلوا المطالبة بها مؤقتاً بالاصرار على الثلث المعطل في الحكومة، وهو بمثابة مثالثة مقنعة بانتظار الظرف المناسب لتعديل الدستور وتثبيت المثالثة في نص دستوري، بعدما اعترضت قوى اقليمية ودولية على خطوة تعديل الدستور عام 2008 وفي مؤتمر سان كلو في فرنسا. كما اعتبر الثنائي الشيعي التمسك باعلان بعبدا استهدافاً للمقاومة وعزل لبنان عن التفاعل مع محيطه لا سيما الدولة الاقرب سوريا، خصوصاً ان المذكرة لم تأت على ذكر الازمة السورية وما انتجت من ارهابيين وانتحاريين يستهدفون الاستقرار والامن في لبنان، كما يرى الثنائي في حصرية السلاح بيد الدولة وفق الاستراتيجية الدفاعية التي وضعها الرئيس سليمان، والتي  لم تتم مناقشتها على طاولة الحوار بسبب الشروط التي وضعها ممثلو 8 اذار للمشاركة. واستبق اعضاء الحوار البحث في الاستراتيجية بالاتفاق على اعلان بعبدا، حاول الحزب لاحقاً التنصل منه مما اضطر الرئيس نبيه بري الذي كان يتصرف على انه «عراب» سياسة النأي بالنفس ويؤيد اعلان بعبدا الى تغييب الموضوعين عن مواقفه وخطابه السياسي بعد رفض الحزب اعلان بعبدا.
لقد فاجأت مذكرة بكركي قوى 8 اذار التي لم تكن تتوقع مضمونها استناداً الى مواقف البطريرك التي اعتبرتها تتماهى مع خطها السياسي وليس مع تطلعات 14 اذار. وتبين ان المذكرة وفق ما يشير مصدر كنسي تعكس تطلعات الفاتيكان ورؤية البابا فرنسيس وقد يكون مضمونها مدار بحث بين البابا والبطريرك اثناء زيارة الاخير الى الكرسي الرسولي خلال هذا الشهر.

فيليب ابي عقل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق