تحقيق

الأطباء السوريون ينافسون اللبنانيين في عقر الدار… النجدة!

أن ينافس عامل باطون سوري عمال الباطون في لبنان أمر عادي، يتكرر، من زمان وزمان… وأن “يقبع” مالك سوبرماركت كل من يعمل فيها من اللبنانيين ويستبدل الهوية بأخرى سورية لهو أيضا أمر عادي. أما أن تُصبح الأولوية عندنا في القطاع الطبي، في المستشفيات والمستوصفات والعيادات الخاصة والعامة، الى الأطباء السوريين فهو أمر استثنائي، يهزّ النفس والبدن، منبئا بعاصفة صحية عاتية آتية! فهل نكتفي بالقول: وصل الموس الى ذقن أطباء لبنان أم نفتح الملف على مصراعيه باحثين عن كل الحقيقة؟

اخترنا الخيار الثاني: البحث عن الحقيقة… اللهم ألا يتحقق هنا أيضا قول: مارك توين: الحقيقة أكثر غرابة من الخيال! فهل دخل هذا القطاع أيضا في غياهب المنافسة الأجنبية؟ وهل المنافسة في قطاع صحي طبي تجوز؟ وماذا يفعل من يفترض أن بيدهم الأمر والنهي في كل التجاوزات فكيف في تجاوزات لا يجوز فيها الخطأ؟

شكاوى
نقيب الأطباء في لبنان أنطوان البستاني اعترف: هناك سوريون يعملون أطباء في لبنان والأطباء اللبنانيون يشكون منهم! هو اعتراف. ممتاز. لكن ماذا عن التفاصيل؟ ماذا عن كل التفاصيل؟ نقيب الأطباء في طرابلس الدكتور ايلي حبيب لديه كثير من التفاصيل: ثمة أطباء سوريون يعملون في لبنان ومن يقول لا يكذب! ثمة مستشفيات ميدانية في طرابلس تستقبل الجرحى السوريين ويعمل فيها أطباء سوريون تحت إشراف أطباء لبنانيين. ممنوع على الأطباء السوريين إعطاء وصفة طبية أو استخدام ختم طبي أو إجراء عمل جراحي أو حتى مجرد عمل طبي عادي من دون توقيع طبيب لبناني. الطبيب السوري يفترض أن يكون كما الطبيب المتدرب في مستشفياتنا لا يعمل شيء، أي شيء، قبل العودة الى الطبيب الأصيل.

هل هذا معناه أن من يعملون هنا من الأطباء السوريين غير مخالفين؟
ضبط الوضع مئة في المئة، بحسب النقيب، مستحيل. ثمة مستشفى في طرابلس اسمها مستشفى 24 تستعين بأطباء سوريين تحت إشراف طبيب لبناني وأعطت النقابة علما وخبرا بهذا الى وزارة الصحة والوزير، وزير الصحة والمدير العام ومحافظ الشمال باتوا على علم بهذا. وثمة مستوصفات ميدانية عدة في عكار تتبع الإجراء عينه وهي تستقبل المرضى السوريين الذين لا تشملهم مساعدات الأمم المتحدة والمؤسسات الإنسانية وأطباء بلا حدود.

بطالة ومنافسة!
وماذا عن منافسة الأطباء السوريين الأطباء اللبنانيين في بيروت وجبل لبنان؟
طبيعي أن تعمّ هذه الظاهرة كل لبنان ما دام رقم اللاجئين السوريين قفز عن المليون. في كل حال ثمة تعاون جدي ووطيد بين نقابتي بيروت والشمال من أجل أخذ قرارات جماعية في هذا الخصوص. صحيح مشاكل الشمال تبقى أكثر لكن التعاون يبقى مجديا.
هناك، لمن يهمه الأمر، 11 ألف طبيب منتسب الى نقابة أطباء بيروت وهناك 2080 منتسبا الى نقابة أطباء الشمال يعمل منهم فعليا في القضاء 1600 طبيب، وإذا قسنا هذا الرقم على عدد سكان الشمال يكون هناك طبيب واحد لكل 300 شخص. وفي طرابلس تصبح كثافة الأطباء طبعا أعلى من القضاء. يعني، بكلام آخر، هناك بطالة مستشرية أساسا بين الأطباء اللبنانيين فما بالكم إذا نافسهم الأطباء السوريون؟

ننزل الى بيروت، الى مستشفيات بيروت، لنسأل نقيب المستشفيات الخاصة في لبنان سليمان هارون عن المنافسة السورية… فهل تستعين تلك المستشفيات حقا بأطباء سوريين؟ 
الأمر الثابت والأكيد بالنسبة الى نقيب المستشفيات هو أن القطاع لا يعوز أطباء لا سوريين ولا سواهم! ففي لبنان كفاءات طبية عالية تبحث عن عمل! ناهيك أن المستشفيات في لبنان لا تستطيع أن تتعاقد مع طبيب أجنبي ويشرح: المهن الحرة لها قوانين خاصة وتحتاج الى إذن مزاولة مهنة من وزارة الصحة وأن يكون الطبيب مسجلا في نقابة الأطباء ويفترض به أن يدفع رسوما باهظة وبالتالي لا يمكن لأي مستشفى أن تستقبل طبيبا سوريا في الكادر الطبي الخاص بها كي لا تلاحق. هذا بالنسبة الى الأطباء أما في ما خص الممرضات فالمشكلة كبيرة والمستشفيات، بكل صراحة، والكلام الى هارون، تتعاون مع ممرضات سوريات لأن عدد اللبنانيات العاملات في مجال التمريض غير كاف. والتعامل الأكبر يكون مع ممرضات فلسطينيات لأن القانون استثناهم من شروط مزاولة المهنة المفروضة على الأجانب ومن بينهن السوريات.

مهنة في دائرة الخطر
ماذا عن حال طب الأسنان؟ هل يشهد هذا القطاع تنافسا غير شرعي أيضا؟ وهل علينا أن نطلق اليوم صفارة الإنذار في هذا الموضوع؟
قبل أعوام، قبل أن تُطلق الثورة في سوريا ويتم ما تمّ، كان الشمال اللبناني يصرخ: أوقفوا تعدي أطباء الأسنان السوريين على أطباء الأسنان اللبنانيين! فهل بحّ اللبنانيون لكثرة ما صرخوا؟

نقيب أطباء الأسنان في بيروت ايلي معلوف يُعلن اليوم مجددا: إننا دخلنا حقا في الدرك الخطر ويشرح: ممنوع على أطباء الأسنان السوريين أن يعملوا في لبنان لكن يبدو أن ليس باليد من حيلة! وهم موجودون بكثرة في مناطق بقاعية. وفي حساب بسيط فلنعتبر أن في لبنان 800 ألف لاجئ سوري فقط لا غير فهناك بينهم على الأكيد 500 طبيب أسنان، وهذا يعني أن في لبنان اليوم 500 طبيب أسنان جدد والبلد “مفول” بأطباء الأسنان! فهناك لمن يهمه الأمر 4500 طبيب أسنان في لبنان باستثناء الشمال الذي يضم وحده نحو 500 طبيب. وهناك نحو ألف طبيب لبناني يعملون خارج لبنان لأن السوق المحلية عاجزة عن استيعابهم فكيف نأتي بأطباء أسنان سوريين؟ ثمة تخمة.

هل تقدمت نقابة الأسنان بشكوى ضد من يعمل من الأطباء السوريين؟
ثمة شكاوى كثيرة، بحسب معلوف، وهناك ملاحقات لكن ضمن الإمكانيات، فالنقابة عاجزة عن أن تصل الى مناطق بقاعية تكثر فيها المخالفات. أما في بيروت وجبل لبنان فاتخذنا، والكلام الى نقيب أطباء الأسنان، إجراءات صارمة بالتعاون مع وزارة الصحة.

تكرر الكلام عن إجراءات صارمة تُتخذ  فأين تبدأ وأين تنتهي؟
يوجد في نقابة طب الأسنان مكتب تفتيش مهمته تحديد موقع المخالفة والكشف عليها وتصويرها إذا أمكن وتحديد اسم من ينتحل صفة طبيب وإجراء تقرير عنه وإرساله الى وزارة الصحة التي تبدأ هنا مسؤوليتها. أما بالنسبة الى الطبيب اللبناني المخالف فيُحال نقابيا الى المجلس التأديبي ويُطلب منه إذا كان يتعاون مع طبيب أجنبي وقف هذا التعاون فورا. في كل حال، يبدو أن مشاكل أطباء الأسنان ليست مع طفرة الأطباء السوريين العاملين في لبنان بل مع مراكز تبييض الأسنان أيضا المنتشرة في المولات وفي كل الأرجاء والتي لا تستعين بأطباء الأسنان ما قد يتسبب بمشاكل صحية جمة بينها مشاكل في النيرة. وهناك تقارير مرفوعة بهذه المراكز الى مخافر الدرك والمحامين لكن لا جواب!

بحثا عن الارخص
ما رأي نقيب اختصاصيي علوم مختبرات الأسنان في لبنان جمال الحاج في كل هذا؟
يبدو أن المشكلة باتت فعلا تطاول كل القطاعات الصحية فها هو النقيب الحاج يتحدث عن إزدواجية فيها: فهناك بعض المختبرات باتت تستعين بأيدي سورية تتقاضى أقل مما قد يتقاضاه العامل اللبناني. ثمة عمال لبنانيون طردوا من أعمالهم وعمال سوريون يسرحون ويمرحون في مختبرات الأسنان. وهذا الملف عرضته النقابة على وزارة الصحة بالتعاون مع نقابة أطباء الأسنان… والتجاوب؟ على الطريقة اللبنانية!

لعلّ مشكلتنا في لبنان هي في أن لا أحد يحب السرعة إلا عند قيادة المركبات! وما عدا هذا يبدو أن المراجع في لبنان فسرت قول يوليوس قيصر: “ما نفعله بسرعة لا نفعله بإتقان” على ذوقها وباتت لكثرة ما تمهلت تفيض مشاكل بلا حلول!
في كل حال، ولمن يهمه أيضا الأمر، هناك ألف ومئة منتسب الى نقابة اختصاصيي علوم مختبرات الأسنان في لبنان يملك نحو 500 منهم مختبرات على كل الأراضي اللبنانية…

تسمعون عن وجبة أسنان بمئة ألف ليرة لبنانية؟ تسمعون عن تلبيسة أسنان بتسعيرة لا تتجاوز 25 ألفا؟ إسمعوا لهجة من قررتم أن تفتحوا أفواهكم له… انه بالطبع سوري! تبحثون عن الأرخص؟ لا تنسوا وأنتم تبحثون عن هذا أن ليس كل غالي نفيسا وليس كل رخيص صحيحا!

إنها الغزوة السورية الجديدة، غزوة أصحاب الروبات البيضاء السوريين القطاع الطبي في لبنان… فهل هناك فعلا من يبالي؟ 

نوال نصر

 
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق