رئيسي

اليمن يتخطى عقدة الاقاليم ويفشل في اطفاء البؤر المشتعلة

ظاهرياً، اجتاز اليمن عنق الزجاجة، وسار قدماً في مسار النظام الاتحادي، الذي اكد رئيسه منصور هادي انه هو النظام الانسب لبلاده. اما واقعياً، فالامر مختلف تماماً، لجهة تصاعد حالة العنف ضمن مجموعة من البؤر المشتعلة، والتي تؤكد الاحداث انها زادت اشتعالاً. وان ما اعلن عن نتائج الحوار الوطني وتوافقات الساسة لم ينه حالات العنف، وعمليات القتل المتواصلة.

لم تنجح القيادات السياسية في تقديم الضمانات اللازمة للحفاظ على كينونة الدولة الوحدوية. او تجاوز الخلافات المتجذرة. وما بين السطور سجلت حالة غريبة تمثلت بمحاولات اطراف فرض واقع جديد، عنوانه محاولات التوسع على الارض وبالتالي توسيع رقعة بعض الاقاليم المنتظر تشكلها مستقبلاً. ميدانياً، اعلن اليمن انتهاء الحوار الوطني، والتوافق على الملفات الخلافية كافة ، وآخرها ما يطلق عليه اسم “ملف الاقاليم”. فبعد ان اخفق المتحاورون في التوفيق بين رغبات الاطراف السياسية على الساحة، تمت احالة الموضوع الى لجنة اطلق عليها اسم “لجنة الاقاليم”، والتي نجحت في تحديد عدد الاقاليم بستة، اربعة منها في الشمال واثنان في الجنوب، ما يعني ان اللجنة تخطت وجهة النظر الجنوبية التي كانت تتمسك بأن تتشكل الدولة من اقليمين، يحفظان شكل دولتي الشمال والجنوب ما قبل الوحدة. وهو الطرح الذي يتناقض مع رؤية اخرى تقول انه لا بد من تعدد الاقاليم ضمن اطار الدولة. وان استرجاع صورة “الدولتين” جغرافياً يمكن ان يسرع في عملية التقسيم عند كل مفصل، بدلاً من ان يتجاوزها. وميدانياً ايضاً انيطت مهمة تشكيل اللجنة بالرئيس عبد ربه منصور هادي، الذي شكلها بالفعل، وافتتح جلساتها بكلمة حددت رؤيته لمستقبل اليمن. لكنه اخفق في تقديم اية ضمانات لنجاح المشروع، واعتبار ان “بقاءه في الكرسي” سيكون الضمانة التي تحفظ سلامة النظام الاتحادي.

النظام الاتحادي
اعتبر هادي خلال ترؤسه الاجتماع الاول للجنة تحديد الاقاليم، أن النظام الاتحادي، الذي ستكون عليه بلاده مستقبلاً، هو الأفضل والأنسب للحفاظ على وحدتها. مضيفاً، إن الوحدة ستكون مصانة في هذا النظام، وانه لن يكون هناك أي مساس بها طالما “بقي على كرسي الرئاسة”. واتهم هادي الذين يتحدثون عن التمزق بأنهم يتهربون من المسؤولية الوطنية بصورة صادقة، كما اتهم اطرافاً لم يسمها بإصدار ما وصفها ب “الشائعات الكاذبة” من أجل الحفاظ على هيمنتهم ومصالحهم الشخصية واستحواذهم على أكبر قدر من المصالح الخاصة. وأوضح الرئيس اليمني أن الدولة الاتحادية تستطيع تقديم الحلول بصورة سريعة وعن قرب، نظراً إلى وجود الصلاحيات الكاملة والإدارة القريبة والمعرفة الأكيدة بأحوال المنطقة، بإعتبارها متجانسة وقريبة من بعضها، مشدداً على أهمية أن يتجاوز الجميع مفاهيم الجهوية والقبلية والمذهبية والطائفية. ولفت إلى أن جميع المفاهيم الخاطئة ستذوب في النظام الاتحادي، حيث ستسنّ قوانين تتواءم مع الإقليم، وتتصل بالمعطيات الوطنية التي تبني ولا تهدم، وبما يسهم مباشرة في استقرار وأمن ووحدة اليمن وسلامة أراضيه. اللافت هنا ان الحوار، وتأكيدات الرئيس هادي، وبعض التسريبات الخاصة بمستقبل البلاد، لم تضع حداً لشلال الدم المتدفق في اكثر من ركن من اركان البلاد. حيث شهدت الساحة مقتل العشرات في مواجهات لا يمكن تصنيفها بأنها  “طارئة”. ولا يمكن الوصول الى مرحلة من القناعة بأنه يمكن تجاوزها من خلال حوار مهما بلغ مستواه. فأطراف المواجهات متعددة، وتنطلق من قناعات وثوابت يعتقد متابعون انه من الصعب جداً التقريب بينها. فهناك تنظيم القاعدة المستوطن في مناطق جنوبية، والذي ينطلق من “ثوابت الامارة الاسلامية”، والتيار الانفصالي الجنوبي الذي يرفض التسليم ببقاء دولة الوحدة، والتيار الحوثي الذي ينطلق من اطار طائفي، وهناك انصار الرئيس السابق علي صالح الذين يعتقدون بأن السير في المشروع يفقدهم ميزات نسبية كثيرة.
                                   
مواجهات وقتلى
ويدلل محللون على صدقية تلك الفرضية من زاوية ما يحدث يومياً من مواجهات تفضي الى اعمال قتل، حيث سقط العشرات من القتلى خلال ايام. فقد قتل 15 جندياً في هجوم نفذه مسلحون يعتقد انهم من القاعدة ضد نقطة عسكرية في مدينة شبام التاريخية بمحافظة حضرموت التي تشهد حركة شعبية مناهضة للحكومة وتعد من ابرز معاقل التنظيم. وبحسب مسؤول امني هاجم مسلحون مجهولون يرجح انهم من تنظيم  القاعدة نقطة للجيش في شبام ما اسفر عن مقتل 15 جندياً واصابة عدد آخر بجروح، والى سقوط قتلى وجرحى في صفوف المهاجمين، الذين تمكنوا من سحب قتلاهم وجرحاهم.
وتشهد محافظة حضرموت الصحراوية الشاسعة منذ نهاية العام الماضي، حركة شعبية مناهضة للحكومة بدعوة من القبائل والفعاليات المحلية.
وتطالب هذه الحركة التي يطلقون عليها اسم “الهبة الشعبية” بإعطاء الاولوية لابناء المحافظة في ادارة المرافق النفطية وفي الوظائف العسكرية والامنية فيها. بينما يستغل تنظيم القاعدة حالة الاحتقان التي تشهدها محافظة حضرموت لتنفيذ مثل تلك العمليات. وتعد حضرموت من ابرز معاقل تنظيم القاعدة في اليمن الذي يستفيد من طبيعتها الصحراوية ومناطقها النائية.
واستفاد تنظيم القاعدة من ضعف الدولة المركزية ومن حركة الاحتجاجات ضد نظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح لتعزيز انتشاره في البلاد، لاسيما في الجنوب والشرق.
ونفذ التنظيم المتطرف عشرات الهجمات الدامية التي استهدفت خصوصاً قوات الامن والجيش، وتنفذ طائرات اميركية من دون طيار باستمرار طلعات فوق اليمن للاستطلاع ولتنفيذ ضربات تستهدف القاعدة.
واصيب اربعة اشخاص بينهم جنديان في صدامات وقعت خلال تظاهرة لناشطين من الحراك الجنوبي في عدن، كبرى مدن محافظة شبوة جنوب اليمن.
واضافة الى الجنديين، اصيب محتجان بجروح اصابة احدهما خطرة، عندما تدخل الجيش لتفريق التظاهرة التي نظمت تلبية لدعوة مجموعة ناشطة تطالب بانفصال جنوب اليمن الذي كان دولة مستقلة حتى 1990.
وردد المتظاهرون شعارات مناهضة لما توصل اليه مؤتمر الحوار الوطني الذي قرر على اثر عشرة اشهر من المحادثات، تحويل اليمن الى دولة فدرالية.

معارك عنيفة
وبالتزامن، خاضت مجموعات من عناصر التمرد الحوثي ومقاتلون قبليون معارك عنيفة في شمال العاصمة اليمنية، أوقعت 38 قتيلاً في ثلاثة ايام، حيث يحاول كل من الطرفين توسيع دائرة نفوذه في بعض المناطق في أفق التقسيم الإداري الجديد لليمن، التي ستتحول إلى دولة فدرالية. بينما بقي الجيش بمنأى عن هذه المعارك.
وتدور المعارك المتقطعة منذ 5 كانون الثاني (يناير) بين المتمردين الحوثيين ـ شيعة ـ  ومقاتلين متشددين من قبائل سنية، وتتمركز المواجهات في محافظة عمران، التي تقع على بعد 140 كلم من صنعاء. لكنها امتدت في الأيام الأخيرة إلى منطقة أرحب، لا تبعد إلا 40 كلم عن العاصمة. وبحسب سكان في تلك المناطق، تحاول جماعة الحوثي السيطرة على مرتفعات تطل على مطار صنعاء الدولي. لكن متحدثاً بإسم قبيلة أرحب أكد أن قبيلته نجحت في استعادة أربع تلال من الحوثيين. وأوضح المتحدث أن رجال قبيلة أرحب صدوا الحوثيين من جبل النسر وثلاث تلال أخرى بعد مواجهات خلفت أكثر من عشرة قتلى بين الحوثيين وسبعة قتلى في صفوف القبيلة، مضيفاً إنه تم القبض على سبعة حوثيين. وفي محافظة عمران المحاذية لمحافظة صنعاء، قتل تسعة حوثيين وقبليين في معارك وقعت في الساعات الأخيرة في خيوان ودنان في منطقة حوث، وقتل 12 شخصاً آخرين قبل ذلك. وأفادت مصادر سياسية أن جماعة “أنصار الله” الحوثية، المتمركزة في شمال البلاد، خصوصاً في محافظة صعدة، تحاول السيطرة على المزيد من الأراضي قبل رسم حدود المحافظات التي ستشكل الدولة الفدرالية.             

تقدم الحوثيين
وبحسب التقارير الواردة من تلك المنطقة، حقق المتمردون الحوثيون الذين ينتمون الى الشيعة الزيدية تقدماً في تلك المعارك، وتمكنوا من السيطرة على اراض جديدة قبل عملية ترسيم حدود الاقاليم التي ستشكل الدولة الاتحادية الجديدة.
وقال شهود عيان ومصادر قبلية ان مئات من “انصار الله” من المتمردين الحوثيين سيطروا اثر مواجهات عنيفة على بلدة حوث التي تبعد 180 كلم شمال صنعاء، وعلى الخمري معقل قبائل حاشد. وفجروا منزل الشيخ عبدالله الاحمر زعيم قبيلة حاشد. واكد المتحدث بإسم المتمردين محمد عبد السلام سيطرة “انصار الله” وابناء المنطقة على حوت والخمري وفرار عناصر حاشد و “التكفيريين”. واشار الى ان المعارك اوقعت قتلى وجرحى دون مزيد من التفاصيل.  كما قتل اربعة اشخاص، بينهم جنديان، في اشتباك مع ناشطين جنوبيين مسلحين في الضالع جنوب البلاد. واعلن مصدر عسكري ان رجالاً من الحراك الجنوبي نصبوا كميناً عند الفجر لسيارة تابعة للجيش واطلقوا النار عليها من اسلحة رشاشة فقتلوا جنديين. واضاف المصدر نفسه ان مهاجمين قتلا لاحقاً واصيب سبعة اخرون بجروح في اشتباك اصيب خلاله سبعة عسكريين بجروح ايضاً. واكد ناشط في الحراك الجنوبي وقوع الهجوم الذي شنه عناصر من “المقاومة الجنوبية”، وهي مجموعة مسلحة تنشط من اجل انفصال جنوب اليمن الذي كان دولة مستقلة حتى العام 1990. واضاف ان مقاتلين من المقاومة الجنوبية قتلا وجرح ثلاثة اخرون في تبادل اطلاق نار مع العسكريين.

أ . ح

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق