افتتاحية

إتفاق في السر و«خلاف» في العلن

هل هي حرب باردة بين الولايات المتحدة وروسيا أم انها تفاهم على البارد؟ في العلن تبدو مواقفهما متناقضة وفق تصريحاتهما وفي الخفاء هناك تنسيق كامل حول كل الخطوات وخصوصاً الوضع في الشرق الأوسط وبصورة أخص في سوريا.
في الأسبوع الماضي كانت الولايات المتحدة تتظاهر بأنها تعمل بكل قوتها في مجلس الأمن لإدانة القصف العنيف بالقذائف الثقيلة والبراميل المتفجرة في مدينة حلب، والتي سقط من خلالها مئات الضحايا البريئة، فإذا بروسيا تتصدى لها وتعرقل مشروع قرار يدين هذا القصف.
يقول أوباما انه لم يعد هناك مكان للأسد في الحكم ويجب ان يتنحى، فينبري بوتين ليقول ان الشعب السوري هو الذي يحدد شكل الحكم الذي يريده، وان مؤتمر جنيف – 2 سيرسم خريطة طريق الحكم في سوريا بوجود الأسد على طاولة المفاوضات.
تناقض في المواقف يوحي بعمق الخلافات، ولكن هذا الموقف سرعان ما يتبدد عندما نرى قبل أيام وزير خارجية الولايات المتحدة جون كيري، يجلس جنباً الى جنب مع سيرغي لافروف وزير خارجية روسيا، يرسمان معاً مستقبل سوريا بتفاهم تام بينهما، فمن نصدق إذاً؟ التصريحات المتناقضة الصادرة عن الجانبين ام التفاهم الخفي التام بينهما؟
منذ اللحظة الأولى وقفت روسيا بقوة ضد الثورة السورية دفاعاً عن مصالحها. فهي تخشى ان ينتصر الثوار ومعهم المتطرفون الذين يرعبون بوتين، منذ أحداث الشيشان وما قبلها وما بعدها، كما أنهم يدافعون عن موطىء القدم الذي وفره لهم النظام السوري عبر قاعدتهم البحرية على السواحل السورية، والدخول الى المياه الدافئة حلم راود الروس منذ زمن القياصرة، فجاء النظام السوري يحقق لهم هذا الحلم. ومن هنا هذا الدفاع المستميت عن الأسد ونظامه، غير عابئين لا بالشعب السوري ولا بعدد الضحايا الذين يتساقطون بالألوف، حتى فاق عددهم منذ إندلاع الثورة السورية حتى اليوم  المئة والخمسين ألف قتيل. ويبدو أن واشنطن لم تكن لتعارض هذه السياسة.
والولايات المتحدة بسياستها الملتوية التي لم يعد أحد يعول عليها، أعلنت منذ اللحظة الأولى مساندتها للثوار وأغدقت عليهم الوعود بمدهم بالسلاح والعتاد وبكل ما يمكنهم من كسب المعركة.
وسرعان ما صدق هؤلاء الوعود البراقة، ليكتشفوا بعد فترة أنها كلام بكلام بعيداً عن أي محتوى، فلا الدعم وصل ولا السلاح ظهر، فعادوا يتقهقرون أمام ضربات النظام المزود بمختلف أنواع الأسلحة من الروس والإيرانيين، فضلاً عن اعداد كبيرة من المقاتلين اللبنانيين والإيرانيين والعراقيين الى جانب النظام. وكان من جراء هذه المواقف إطالة أمد الحرب، وتوفير الفرص لكل أنواع التطرف والتكفير للدخول الى سوريا ونشر الفوضى، وبذلك تحولت المعركة الى قتال بين الجيش السوري الحر والمتشددين، فأراحوا النظام ومكنوه من تحقيق مكاسب كبرى فعاد يسترجع الكثير من الجبهات التي كان قد خسرها في بداية الحرب.
بعد كل ذلك هل يتفق الأميركيون والروس بدل إطالة امد الحرب على وضع حد لها وإيقافها فيكف كل منهما عن مساندة القتال لصالح هذا الطرف او ذاك، وبذلك ينقذون الشعب السوري بأطفاله ونسائه وشبابه ويجنبون المنطقة هذا الدمار الكبير؟
لماذا لا يتعاون كيري ولافروف في السر وفي العلن ويضعان حداً لهذه الحرب المدمرة، فيتوقف مسلسل العنف والقتل ويسلم من تبقى من الشعب السوري فيعود المهجرون واللاجئون الى بيوتهم وأعمالهم ان كانت قد بقيت لهم بيوت وأعمال، وتسلم سوريا من هذا السيل الدموي العنيف؟ انهما قادران، لو أرادا، على وقف الحرب فيا ليتهما يفعلان.
منذ إندلاع القتال في سوريا بدا ان الأميركيين والروس ينسقان ويتقاسمان الأدوار، وخصوصاً بعد المسرحية الأميركية بشن حرب على النظام الذي استعمل الأسلحة الكيميائية، وسرعان ما إنكشفت اللعبة وتبخر شبح الحرب وأكمل الأميركيون والروس لعبتهم. انه زمن السمك الكبير يأكل السمك الصغير وعندما تتفق الدول الكبرى تتحول الدول الصغرى المغلوبة على أمرها الى لقمة سائغة في فم الغول الكبير. انه عالم تحكمه شريعة الغاب.

«الأسبوع العربي»
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق