صحة

الليشمانيا… لسعة حلبية لا ترحم!

اذا كانت الحرب، في اطارها، دماً ودماراً فان ارتداداتها على الحدود القريبة المشرعة عجيبة غريبة! الليشمانيا ارتداد وبائي يتجاوز الاطار السوري الى المدى اللبناني، عابثاً بالجغرافيا، ضارباً البشر ومنذراً بالخطر الكبير… فماذا في التفاصيل؟ ماذا عن جرثومة الليشمانيا؟ أين توجد؟ أين تتفشى؟ كيف تنمو؟ ومن تصيب؟

صحيح أن اسمها ليشمانيا لكنها ليست ممثلة إيطالية من صنف مونيكا بيللوتشي! انها، في الاسم، أنثى ايطالية لكنها، في الجذور، بعوضة سورية قادرة على أن تلسع محدثة ندوباً لا ترحم!
عدد الإصابات في لبنان، بين السوريين واللبنانيين ممن يقطنون العراء، تجاوز الثلاثمئة! والبعض يضرب الرقم بإثنين! نقلب الصفحة ونتابع حياتنا وكأن من أصابتهم الليشمانيا يسكنون كوكباً آخر لا صلة لنا به، أم نتذكر وبإلحاح أن لبنان، كل لبنان، لا تزيد مساحته عن عشرة آلاف وأربعمئة واثنين وخمسين كيلومتراً مربعاً، والبعوضة الخطيرة قادرة على أن تعبر الدرب، من أقصى لبنان الى أقصاه، في أقل من ليل ونهار؟
ليست الليشمانيا وحدها، في النطاق الصحي البيئي طبعاً، التي لجأت الى لبنان وانتشرت في صفوف اللاجئين السوريين وتُهدد بالتفشي. فالحصبة السورية حلت أيضاً في ديارنا، ومن المنظار الطبي قد تكفي حالة، حالة واحدة فقط، في منطقة جغرافية واحدة، لاعتبار أن وباء قد ضرب!

 


جرثومة طفيلية خطيرة
نعود الى الليشمانيا. نتجه صوب الحدود الشمالية. نتوقف بين النازحين. نسأل عنها، عن الليشمانيا، فيأتينا جواب بتعريفٍ آخر: تقصدون الحبة الحلبية؟ 
الحبة الحلبية الآتية على متن إنسان، أي حملها الى لبنان إنسان لا حيوان، علماً بأنها، عادةً، تنتقل عبر بعوضة من حيوان الى إنسان، موجودة في الهرمل وعكار، والإجراءات يُفترض أن تتخذ عملياً من أجل منع تمددها وانتشارها لأن وخزة الليشمانيا لا تشبه أبداً وخزة الذبابة!
الاختصاصية في علم المناعة والأطفال في الجامعة الأميركية في بيروت البروفسورة نهى سلطي تعرف عن تأثيرات هذه البعوضة الكثير وتُصنفها، في شكليها الجلدي والحشوي، في خانة: الجرثومة الطفيلية الخطيرة! وتشرح عنها بالتفصيل:  الليشمانيا الجلدية الشائعة هي التي تظهر
على شكل تقرحات: في الوجه وفي اليدين والقدمين وفي اي منطقة جلدية مكشوفة مخلفة بعد اندمالها اختلالات جرثومية خطيرة في الدم وندوباً بارزة. أما الليشمانيا الحشوية فخطيرة جداً جداً وقد تكون، للأسف، مميتة. ويصيب هذا المرض الطفيلي، بنوعيه، نحو مليوني انسان سنوياً، تسعون في المئة منهم من سكان ثمانية بلدان هي: سوريا والبرازيل والبيرو والمملكة العربية السعودية وايران والسودان وأفغانستان والجزائر، وهو مسؤول عن 70 في المئة من نسبة الوفيات التي تحدث بين الاطفال!

مصاب واحد في كل عائلة سورية
جغرافياً، تنتشر هذه الطفيلية إذاً في بلاد البحر الأبيض المتوسط، لا سيما في الدول الواقعة في شرقي هذه المنطقة وفي أميركا اللاتينية. وهناك، في النسب، مصاب واحد في كل عائلة سورية مكونة وسطياً من ثمانية أفراد. والليشمانيا هي مرض معد، تنقلها أساساً أنثى ذبابة الرمل التي تتغذى وتتكاثر من دم القوارض والثدييات، مثل الكلاب والثعالب والذئاب والجرذان الصحراوية، وهي كفيلة، إذا أهملت، بشلِ الجهاز اللمفاوي!
البروفسورة سلطي تأخذ الموضوع، منذ زمن بعيد، بكثير من الجد، وهي تُكثف، عبر فريق متخصص في مكافحة مرض الليشمانيا في لبنان أسسته بدعم من المعهد الأميركي الوطني للصحة، أبحاثها في قرى عكار. لماذا عكار؟ لأنها على الحدود اللبنانية – السورية، ولأن هذه البعوضة لا تحب عادة البرد وتُفضل عليه المناطق الحارة، وإن كانت قد شكلت في لبنان بعض الاستثناء وظهرت في حالات نادرة على ارتفاع 1400 متر!
ماذا في الأعراض والحالات والعلاجات؟
نجح فريق نهى سلطي في اكتشاف إصابات كانت مجهولة في لبنان. ففي مقابل كل حالة معلنة هناك نحو اثنتي عشرة حالة مجهولة! هذا ما كان، أما ما حدث من تطورات في المنطقة وحالات لجوء بالجملة وسكن في ظروف صحية ونفسية سيئة، فيجعلنا نشك في أن النسب هذه قد تضاعفت كي لا نقول أنها ضُربت بثلاثة وأربعة!
تقيم هذه البعوضة عادة بين الأغصان، قرب الجذور، وهي تظهر على شكل حشرات تحوم فوق الرؤوس، تجذبها روائح الجسم، والتحايل عليها، لإبعادها، يكون عبر الإكثار من استخدام العطور. والملفت هنا أن أنثى الليشمانيا هي التي تعقص بينما الذكر من فصيلتها لا يؤذي. الذكور، بين البشر، قد يُعجبون طبعاً بهذه المعلومة وهي نقطة تُضاف الى رصيدهم!

مرض صامت
الليشمانيا مرض صامت. ورصده، في الظروف والحالات العادية، ليس سهلاً، حتى إن الأطباء نادراً ما يتذكرونه خلال تشخيص الحالات المرضية التي تمر أمامهم. قد ينسى، بكلام آخر، الأطباء أن هناك مرضاً فيروسياً جرثومياً قد تتسبب به بعوضة الليشمانيا، وهذا بالطبع خطأ شائع يؤدي الى استفحال الجرثومة في أجسام المصابين، في حين ينهمك الأطباء في عملية التشخيص بحثاً عن كل شيء باستثناء الليشمانيا! مسؤولية من؟ لعلها مسؤوليتكم أيضاً في تذكير الأطباء بأن فيروساً عبر الحدود اسمه ليشمانيا.
اكتشاف الليشمانيا في شكلها الجلدي أسهل ربما من اكتشاف نوعها الحشوي. فنحن قادرون على أن نشك في وجود النوع الأول، بالعين المجردة، من خلال الندبات العميقة التي تُحدثها لسعة البعوضة والتي قد تبدأ، في المناطق المكشوفة من الجسم غالباً، بتقرحات حمراء يبدو على سطحها يباس. أما الإصابة الحشوية فقد تُكتشف من خلال الوهن الهائل الذي يشعر به المصاب، كما أن الطفل، إذا أصيب، لا يعود ينمو في شكل صحيح ويصبح جهازه المناعي ضعيفاً. في كل حال هناك نحو  عشرين الى ثلاثين نوعاً من فصيلة البعوض التي قد تؤدي الى الإصابة بالليشمانيا.

هل من علاج يشفي؟ وهل من وقاية تفيد؟
لا يتوفر لدينا حتى هذه اللحظة، بحسب الدكتورة سلطي، اي لقاح او دواء وقائي للتغلب على هذه الآفة، وبالتالي يقتصر العلاج المبدئي، في شكل أساسي، على أملاح الأنتيمون الخماسية التكافؤ، وعلى مركبات الأمفوتريسين «ب» الشحمية، والبنتاميدين. في كل حال التشخيص السريع قد يؤدي الى علاج سريع وفي السرعة، في حالات الليشمانيا، إفادة لا تسرّع!

اننا في عز الصيف وفي هذا الفصل،  عادةً، يكثر البعوض فكيف في صيفٍ حام على كل الجبهات: المناخية والأمنية والسياسية والحياتية وحتى الاقتصادية؟!
يبقى أنها من صنف الطفيليات، والكلمة مشتقة من «التطفل»، والكلمة في القاموس العربي تعني فرض النفس بالقوة في مكان ما! الليشمانيا تتطفل، في الظروف القاسية الصعبة خصوصاً، على حياتنا. ومواجهتها تكون في أن نعرف عنها أكثر إنطلاقاً من مقولة: المعرفة تعني القوة!.

نوال نصر

 


والجرب طفيلي آخر!
الجرب شبح طفيلي معدٍ آخر يفترض أن يُرصد في الأماكن المكتظة باللاجئين السوريين تحديداً. والجرب قد يبدأ على شكل بثور تتسبب بها عثة صغيرة جداً، تحفر في الجلد، في طبقة الجلد السطحية، لوضع بيضها. انها عثة، أو لنقل حشرة أو سوسة، تُحدث ما يُشبه الأخاديد المتموجة الحمراء على سطح الجلد، تتطور الى طفح جلدي ينتقل بالملامسة. وكلما ازدحمت الأماكن كلما ارتفعت إمكانية الإصابة بالجرب.
لعل خطورة هذه الطفيلية المعدية أنها لا تظهر إلا بعد أسابيع طويلة من الإصابة، ما يسمح بانتقالها من شخص الى آخر قبيل اكتشافها. وانتقال الإصابة تكون، عدا عن الملامسة، بالاشتراك باللباس أو الفراش أو المناشف والأغراض الشخصية الأخرى. والسوسة المسببة للجرب قادرة على أن تعيش على هذه الأشياء حتى 72 ساعة.
والجرب يأتي وحده لكنه لا يزول وحده. والعلاج يكون دائماً باستخدام مراهم ملائمة وأقراص فموية أحياناً.
اننا نعيش في زمن اضطراب الجوار الكبير. اننا في خضم الأزمة. ومن قال أن الأزمات أمنية وسياسية فقط؟  

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق