الاقتصادمفكرة الأسبوع

الليرة السورية تتآكل على وقع المدافع

انهيارات الليرة السورية المتدرجة مع انهيارات الابنية في المدن والارياف، تذكرنا بانهيارات الليرة اللبنانية المتدرجة في زمن الحرب، وتآكل الاقتصاد السوري على ايقاع التدمير والتهجير يذكرنا بتفتت الاقتصاد اللبناني مع كل جولة من الجولات العسكرية. فهل حافظ لبنان وسوريا على وحدة المصير ولو خسرا ربما وحدة المسار؟

عندما بدأت الحرب اللبنانية في منتصف السبعينيات حافظ معظم اللبنانيين على مدخراتهم بالعملة الوطنية اعتقاداً منهم بأن الحرب لا يمكن ان تطول وسيعود كل شيء الى طبيعته، لكن اتساع رقعة الاشتباكات والتطورات المتلاحقة اظهرت بما لا يقبل الشك ان الحرب طويلة، فانصرف كل مواطن لا لحماية نفسه من القذائف المتبادلة فحسب بل لحماية مدخراته ولقمة عيشه وعيش عياله، خصوصاً بعد تحرك الدولار في سوق بيروت، وانطلاق المضاربات على الليرة بعد انسداد افق الاستثمارات على انواعها وتهالك القطاعات الاقتصادية المختلفة.

الطبعة السورية
هذا السيناريو ينطبق اليوم على سوريا وربما بشكل اقسى واكثر ايلاماً، باعتبار ان كل النواحي السورية لقيت نصيبها من القتل والتدمير في حين كانت حرب لبنان تدور كلها على خطوط محددة  بات يطلق عليها خطوط التماس.
وتدل التقارير والدراسات الى ان الليرة السورية فقدت 77٪ من قيمتها منذ بداية الازمة السورية، وهي توازي اليوم 200 ليرة لكل دولار اميركي من 50 ليرة للدولار في العام 2011، ولا يستبعد الخبير الاقتصادي المصرفي فضل سعد البوعينين حصول المزيد من التراجع، متوقعاً بلوغ الدولار الواحد 300 ليرة سورية تقريباً.
ولا شك في ان هناك عوامل عديدة تراكمت وادت بالليرة الى هذا المستوى من الوهن والانهاك والهشاشة، وفي مقدمة هذه العوامل تضاؤل احتياط المصرف المركزي من القطع الاجنبي، تراجع الايرادات النفطية نحو 4 مليارات دولار بعدما كانت هذه الايرادات تشكل 25٪ من ايرادات الدولة، وقد نتج هذا التراجع عن تراجع الانتاج النفطي من 400 الف برميل يومياً، الى 200 الف برميل، بمعدل 50٪. ولا ننسى تراجع الحركة السياحية التي يقدرها مسؤولون سياحيون بنحو 80٪ عن العام 2010. كما لا ننسى غياب تحويلات السوريين العاملين في الخارج التي قدرت بملياري دولار، بالاضافة الى خسارة الاستثمارات الاجنبية غير المباشرة التي تقلصت من 3 مليارات في العام 2010 الى صفر حالياً.
وازاء كل هذه العوامل راح المواطن السوري يفتش عن الدولار بـ «السراج والفتيل» كما تقول العامة في سوريا ولبنان حماية لما تبقى من مدخراتهم وخوفاً من المزيد من انهيار العملة الوطنية، وهو ما ادى الى موجة مضاربات ساهمت في انهاك الليرة واضعافها.
ويعتبر خبير اقتصادي لبناني ان عدم وصول الليرة السورية الى الانهيار الكامل يستند الى ثلاثة اسباب: اولها عدم انكشاف اقتصادها على الخارج الا منذ سنوات قليلة كون الاقتصاد السوري يعتمد داخلياً على الصناعة والزراعة بشكل اساسي، وثاني الاسباب يكمن في ضعف الديون الخارجية، بحيث لا يشكل الدين الخارجي اكثر من 15٪ من اجمالي الدين العام، فضلاً عن استمرار الدعم من الدول الحليفة للنظام عبر امدادات نفطية، وعمليات مقايضة، وعمليات مصرفية تتم في المصارف السورية.
ولم تفلح حزمة القرارات التي اتخذها المصرف السوري المركزي حول آلية سعر صرف الليرة في حماية الليرة من التراجع المتواصل، ومن استمرار المضاربات، بحيث بقي المصرف اللاعب الاساسي في سوق القطع الاجنبي، فيقوم بالتدخل للجم التراجع عبر بيع القطع الاجنبي الى المصارف ومؤسسات الصرافة بالاسعار التي يراها مناسبة، وبما يضمن استقرار الليرة عند مستويات مقبولة. وتضمنت الآلية الجديدة الحد من عمل السوق غير النظامية، حيث تدخل المصارف ومؤسسات الصرافة كمنافس قوي في شراء وبيع القطع الاجنبي.

وهن الاقتصاد
وفيما لا يعرف سعر صرف الليرة السورية الهدوء والاستقرار ينسحب هذا المناخ ايضاً على الاقتصاد السوري في كل قطاعاته ومفاصله. فالتضخم حتى الآن، يدور حول 50٪، ولا يشك اقتصاديون في اتجاه البلاد نحو المزيد من التضخم بعد فقدان العملة السورية 75٪ من قيمتها منذ اذار (مارس) 2011. ومن المهم الاشارة الى ان عقوبات الاتحاد الاوروبي المفروضة على الصادرات النفطية السورية، وغياب العائدات السياحية حرمت الاقتصاد السوري من اهم مصدرين من مصادر العملة الصعبة في بدايات الحرب التي ادت الى اعمال العنف التي رافقتها الى كبح النشاط الصناعي والتجاري.
ووفقاً لصفحتها على الفايسبوك، اشارت المعارضة الى «ان اسعار القمح ارتفعت من 65 ليرة الى 85 ليرة خلال صباح واحد، في حين ارتفع سعر الارز من 125 ليرة الى 145 ليرة، والدقيق من 85 الى 97 ليرة». ويقول موظف في بلدية درعا «ان الاجر الذي يتقاضاه تتبخر قيمته يوماً بعد يوم، والـ 15 الف ليرة التي يتقاضاها شهرياً، بالكاد تكفي ثمن غذاء حتى منتصف الشهر».
وتقول ربة منزل، على صفحة الفايسبوك دائماً: «ان الليرة آخذة في التدهور، والاسعار في الارتفاع الصاروخي. السعر يتغير كل يوم، بل كل ساعة باتجاه الاعلى دوماً، باستثناء بعض السلع التي تتذبذب اسعارها كالدجاج مثلاً وغيرها من السلع الرئيسية».
وتقول سيدة اخرى: «كنا نشتري قارورة الغاز بمئتي ليرة سورية قبل الازمة، اما اليوم، فصار سعرها 1800 ليرة، ومن يعرف على اي رقم يرسو مستقبلاً. عندما تخرجت من الجامعة كان راتبي 375 ليرة، ولكن هذا المبلغ دفعته اليوم ثمن رأس بطيخ متوسط الوزن في ظل وجود بطالة مقنعة واجور متدنية لجميع العاملين بمن فيهم الاطباء، وندرة ادوية وارتفاع اسعار الموجود منها».
ومضت السيدة تقول: «ان اقساط المدارس والجامعات فوق طاقة القسم الاكبر من التلامذة والطلاب، واسعار الفواكه والخضار تتجه صعوداً بشكل مخيف، حتى ان علبة البلاستيك التي تحتوي على بعض ثمار التوت بلغ سعرها 275 ليرة، طوابير الخبز امام الافران تطول وتطول، فضلاً عن صعوبة الحصول على ربطة خبز بخمس عشرة ليرة، ويصل سعرها في السوق السوداء الى 150 ليرة». وليس الخبز وحده نجم السوق السوداء، بل هناك العديد من السلع بات متعذراً الحصول عليها الا من هذه السوق التي تزدهر عادة في كل الحروب والنزاعات الاهلية، وتترافق هذه السوق مع تسويق العديد من السلع الفاسدة او المغشوشة تحت غطاء اسعار متدنية، ويلقى هذا التسويق صدى استحسان وقبول في غياب اي رقابة مشروعة، واي قوانين مرعية الاجراء.

الدولار هاجس السوريين
منذ ان بدأت الليرة السورية مسارها النزولي امتنع هذا البقال في حي جرمانا في دمشق عن الصاق السعر حتى على الواح الشوكولا التي يبيعها في حانوته وهذا نموذج يسري على جميع البقالين وسواهم من اصحاب الحوانيت الصغيرة الى اصحاب المخازن الكبرى. وهو يقول انه كلما ارتفع سعر الدولار، اجد لزاماً علي تغيير اسعار السلع عندي، سواء ما كان منها مستورداً او منتجاً محلياً. ولا شك في ان ما تردد عن تزويد المسلحين مساعدات عسكرية غربية وعربية زاد التهافت على الدولار، بحيث خسرت الليرة السورية 20٪ من قيمتها في غضون اربعة ايام، ويقول مصرفيون ورجال اعمال ان ضعف الليرة يمكن ان يؤدي الى انهيار قيمتها في ظل النقص في العملات الاجنبية التي يملكها المصرف المركزي.
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق