سياسة لبنانية

لبنان غارق بين الصلاحيات والحكومة والامن

تركت احداث عبرا وما رافقها وما اعقبها من تجاوزات احتقاناً في الشارع السني، الذي شعر بأنه مستهدف، وانسحب الصراع الشيعي – السني، على خلفية هذه الاحداث على المؤسسات وعلى الادارة وعلى العلاقات بين الاطراف السياسية، كما يقول احد الوزراء.

طاولت تداعيات حوادث عبرا العلاقة بين المسؤولين، فالخلاف حول دعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري الى جلسة تشريعية في الاول من شهر تموز (يوليو) الجاري على مدى ثلاثة ايام لدرس 45 مشروعاً ادرجت على جدول الاعمال، جاء في هذا السياق، وان كان ظهر الخلاف دستورياً حول دستورية وقانونية الدعوة والتضارب في تحديد الصلاحيات بين رئيس المجلس ورئيس حكومة تصريف الاعمال، الا ان باطن الامور حول الخلاف سياسي بامتياز، على خلفية احداث عبرا، والتداعيات التي تركتها، وقد وضعه رؤساء الحكومة الحاليون والسابقون في خانة تجاوز السلطة التشريعية – وهي السلطة الثانية في البلاد – صلاحيات السلطة التنفيذية، وهي السلطة الثالثة. وتبين ان الخلاف هو بين السلطتين وما تمثل كل منهما  في هيكلية الدولة، بدليل التعليقات والتفسيرات المتعددة التي رافقت السجال حول دعوة الرئيس بري الى جلسة تشريعية في ظل حكومة تصريف اعمال «في المفهوم الضيق» الذي اعتبر بري انه يتناول اعمال الحكومة وليس العمل التشريعي. وتطور الخلاف الى اثارة موضوع تعاون السلطات وتوازنها والتنسيق في ما بينها رغم مبدأ الفصل، وضرورة قيام الاتفاق والتناغم في الخطوات بين السلطات.

ذيول حوادث عبرا
ان ذيول حوادث صيدا لم تنته فصولها بعد وتنتظر فاعليات المدينة والمراجع الدينية السنية فيها ان تقوم الدولة بالخطوات التي وعدت بها لتصحيح الاخطاء التي وقعت، اثناء وبعد عملية ازالة المربع الامني للشيخ احمد الاسير، وكشف الحقائق عبر تحقيق قضائي وعسكري واداري شفاف لتحديد المسؤوليات، واطلاق المعتقلين ووقف التعقبات لئلا تشعر احدى الطوائف بأنها هي المستهدفة، وانهاء المظاهر المسلحة والأعلام والشعارات التي تغذي النعرات المذهبية.
ويقول الرئيس فؤاد السنيورة الذي قدم مع النائب بهية الحريري وفاعليات صيدا مذكرة الى رئيسي الجمهورية وحكومة تصريف الاعمال تضمنت المطالب المستعجلة لتصحيح الاخطاء التي وقعت، لانه «لا يجوز وضع ما جرى في خانة مواجهة بين الجيش والشارع السني، لاننا نكن كل التقدير للجيش والقوى الامنية التي هي خط احمر، ونشد على يدها في حفظ الاستقرار وتوفير الامن».
وتكشف اوساط سياسية في تيار المستقبل «“عن مخطط يعمل عليه منذ ايام الرئيس رفيق الحريري بالسعي لايجاد شرخ بين السنة والجيش منذ حوادث الضنية الى حرب نهر البارد الى احداث طربلس، واخيراً في عبرا، وفي كل مرة كان المستقبل يقف الى جانب الجيش، بدءاً من مواقف الرئيس الشهيد رفيق الحريري في احداث الضنية عام 2000 الى مواقف الرئيس سعد الحريري في احداث نهر البارد وطرابلس وعبرا، وتأكيده على ان «خيارنا الدولة بكل مؤسساتها». ويرمي المخطط الى اعتبار السنة قاعدة وارهابيين وانهم يستهدفون الدولة عبر استهداف الجيش. من هنا كانت الدعوة الدائمة الى الدولة وضرورة العبور اليها». ورد الرئيس سعد الحريري على ما جرى في صيدا بالمبادرة الى الدعوة للتجديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي الذي يحال في ايلول (سبتمبر) على التقاعد. وابدى النائب وليد جنبلاط تخوفه من تداعي «اسلام الاعتدال» في الشارع السني ورفض اي تشكيك في الجيش، مشيراً الى الخشية من حصول تداعيات لما جرى اذا لم يسرع المسؤولون الى تدارك الاحتقان ومعالجته بالسياسة، وهذا ما دعا اليه الرئيس نجيب ميقاتي من خلال مبادرته لاستئناف الحوار واجتماع اعضاء هيئة الحوار في بعبدا، لمناقشة المواضيع الخلافية حول الطاولة وسحبها من الشارع، كما يدعو الرئيس سليمان، لان حول طاولة الحوار تلتقي قيادات البلاد للاتفاق على خطة لانقاذ الوطن، وابعاد تداعيات الازمة السورية عن لبنان، وتكريس سياسة النأي بالنفس، وترجمة اعلان بعبدا قولاً وفعلاً، والالتزام به من قبل جميع الاطراف.

تسهيل مهمة سلام
ويسأل وزير سابق يواكب حركة الاتصالات عن سبب عدم اتخاذ الاطراف خطوات سياسية ايجابية عنوانها تخفيف الضغط عن الرئيس المكلف تمام سلام، ورفع الشروط والمطالب من قبلها، ليتمكن من تأليف حكومة المصالحة والمصلحة الوطنية، ويصار الى فتح صفحة جديدة بين القوى السياسية، كما يطالب وزير الداخلية العميد مروان شربل، لان هذه الخطوة هي الوحيدة التي تحصن الساحة وتحافظ على الاستقرار؟ وفي رأي مسؤول سابق انه لا يجوز ان يشعر الشارع السني، انه مستهدف وكذلك قياداته، وان الثنائي الشيعي يهيمن على السلطة الثالثة وعلى صلاحيات رئيس الحكومة التي نص عليها الدستور بشكل واضح. ولا يجوز تفسير الدستور الا وفق روحية ورغبة المشترع في تحقيق التوازن بين السلطات والتوافق والاتفاق والتناغم في ما بينها، وليس في التنافس والاختلاف والمشاكسة، لان نظام لبنان يقوم على المشاركة وليس على المشاكسة، وعلى التنسيق بين السلطات والتناغم في ما بينها. وعلى رغم هذه الاجواء يستمر الرئيس سلام في المهمة التي كلف بها وهو ينتظر جواب قوى 8 اذار لا سيما الرئيس نبيه بري بعد الاجتماع الاخير به، وكذلك النائب وليد جنبلاط المفترض ان يحدد موقفه بوضوح من موضوع الحكومة. وردت اوساط 8 اذار على الحملات التي تشنها قوى 14 اذار عليها ووجدت فيها اشارة من الخارج من ضمن المخطط الذي يستهدف المقاومة. ويقول  نائب في قوى 14 اذار ان التطورات الاخيرة صدّعت جدار تحالف 8 اذار وحملت العماد ميشال عون على اعلان استقلاليته وتحرره من سياسة 8 اذار والتبعية والمونة، كما قال ان احداً لا يمون عليه «فلسنا تبعيين ولا احد يقرر عنا». ويقول وزير سابق ان التطورات الاخيرة اقفلت ابواب الاتفاق والتواصل وبالتالي لا بد من قرار شجاع ووقفة وطنية انقاذية والا فعلى لبنان انتظار اشارات حل ازمته من خارج الحدود، عبر كلمة سر ترد بعد انفراجات على صعيد العلاقات بين دول اقليمية.

ف. ا. ع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق