سياسة لبنانية

نقاش في الادارة والكونغرس لمنع لبنان من السقوط في احضان ايران

توقف المراقبون امام «هجمة» الوفود الاميركية الى لبنان دفعة واحدة، بدءاً من زيارة مساعدة وزير الخارجية لشؤون اللاجئين والسكان والهجرة آن ريتشارد، مروراً بزيارة نائب وزير الخارجية وليم بيرنز، الى زيارة وفد مجلس الشيوخ برئاسة السناتور والمرشح الرئاسي الجمهوري السابق جون ماكين الذي الغى زيارته بسبب الحرائق في ولايته.

تأتي هذه الهجمة بعد شبه غياب اميركي عن الساحة اعتبره بعض السياسيين تخلياً عن لبنان وسقوطاً للمشروع الاميركي في المنطقة. وعزا اخرون السبب الى ان لبنان لم يعد على سلم الاولويات لدى الادارة الاميركية التي  لدىها الان اهتمامات اخرى منها الازمة السورية المتفاقمة وتداعياتها اقليمياً ودولياً وضرورة استئناف المفاوضات الاسرائيلية – الفلسطينية، لتسريع حل الازمة الفلسطينية لما قد يكون لذلك من تأثيرات ايجابية على المنطقة، ومن تفاعلات قد تبدل من المعطيات القائمة.
يقول ديبلوماسي يواكب الحركة الاميركية انه بعد تعيين جون كيري وزيراً للخارجية خلفاً لهيلاري كلينتون، اعلن الاخير انه يسعى الى السلام والى اعتماد الحوار لحل الازمات من دون عنف، «محذراً» اسرائيل من اقدامها على اية مغامرة عبر جنوب لبنان او باتجاه ايران. وادرج الديبلوماسي الحراك الاميركي المستجد والمفاجىء الى لبنان في اطار الحراك الدولي في المنطقة، الهادف الى دفع عملية السلام الى الامام. وينقل لبناني التقى كيري مؤخراً عنه انه بات على قناعة بان حل ازمة الشرق الاوسط ينطلق من حل القضية الفلسطينية التي يشكل وضعها على السكة الصحيحة بداية مسار للحلول في المنطقة، وانهاء حالات التطرف والارهاب، وما يعكس ذلك زيارات كيري وجولاته المكوكية الاخيرة بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتانياهو لاستئناف مفاوضات عملية السلام. ان ايفاد بيرنز الى لبنان يأتي تحت عنوان استطلاع آراء المعنيين في آفاق الحلول، خصوصاً ان لبنان من الدول المعنية نظراً لحجم اللاجئين الموجودين على ارضه ورفضهم البقاء في لبنان، بعدما فشل مشروع الوطن البديل للفلسطينيين الذي احبطته المقاومة اللبنانية في منتصف السبعينيات، والكلام عن نقل المسيحيين بالبواخر، كما اعلن يومها الرئيس سليمان فرنجيه بعد استقباله دين براون.

تدفق اللاجئين
ومع تدفق النازحين السوريين الى لبنان باعداد قدرت بما يقارب نصف سكان لبنان مع الفلسطينيين وعناصر من جنسيات مختلفة وفق تقديرات امنية، وتخوف مسؤول عربي سابق من ان يشكل هذا الملف عبئاً اضافياً ومخاوف من عملية توطين سورية قسرية في لبنان كما حصل مع بعض لاجئي العراق في الاردن، ومع المخاوف على السلم الاهلي والاستقرار، من انفجار الوضع في لبنان في ظل الانقسام السياسي الحاد حول الازمة السورية، كان التحرك الاميركي وفق ديبلوماسي مواكب للاتصالات، للتأكيد على ان لبنان غير متروك وان واشنطن توليه الاهتمام من خلال تأييد ودعم مواقف الرئيس ميشال سليمان ودعوة القيادات الى التزام اعلان بعبدا وسياسة النأي بالنفس عن الازمة السورية، ودعم الجيش ومساعدة المؤسسات الامنية وتوفير ما تتطلبه  لقيامها بالدور الامني الذي تؤيده واشنطن وتثني على ما تقوم به. فهل عاد لبنان الى الاولوية على طاولة الرئيس باراك اوباما؟
ان الزيارات الاميركية الى لبنان هي تعبير عن القلق والشعور بخطورة المرحلة والتأكيد على عدم ترك لبنان يقع فريسة تداعيات الازمة السورية، والخلل في التوازن الذي تحاول ان تحدثه ايران على الساحة من خلال توظيف تدخل حزب الله في المعارك في سوريا الى جانب النظام، بعدما ابدت اطراف في 14 اذار خشيتها من ان يكون تفريغ المؤسسات الدستورية والامنية والادارية مقدمة لاحداث «الفراغ»، مما يسهل على الحزب وضع يده من خلال تفعيل مؤسسة مجلس النواب الممدد لها 17 شهراً، والحيلولة دون تشكيل حكومة الا بشروط الحزب، ومنع الاتيان برئيس جديد للجمهورية في ايار (مايو) اذا لم يتم الاعتراف بمطالب الحزب.
استنفر الامر واشنطن التي ارادت من الزيارات توجيه رسالة قوية لمواجهة انحلال المؤسسات ومنع تأليف الحكومة بعد التمديد للمجلس والحؤول دون حصول التعيينات في الاجهزة العسكرية والامنية التي هي خط احمر وعدم التفريط بموقعي رئاسة الجمهورية وقيادة الجيش وعدم ترك لبنان لايران. وينقل قيادي عاد مؤخراً من واشنطن معلومات مفادها ان لبنان وازمات المنطقة بدءاً من القضية الفلسطينية هي مدار نقاش داخل الادارة وفي الكونغرس، انطلاقاً من قناعة لدى الرئيس باراك اوباما بعدم التدخل العسكري، وتفضيل الحلول بالحوار، لانه لا يعقل ان ينسحب الاميركي من افغانستان ويتورط في الشرق الاوسط؟! فاوباما يريد ان يذكره التاريخ باعادة الجنود الاميركيين الى ديارهم، ويرد عليه معارضوه بالقول: ان التاريخ سيذكرك بانك جئت بالارهاب الى بلادنا بعدما قررت ترك المنطقة وعدم مواجهة الارهاب والتطرف هناك، في الوقت الذي يقول اوباما انه ترك الاصوليين يصلون الى السلطة علهم يجدون حلولاً للازمات، ويتعامل معهم بعدما فشلت الانظمة العربية في ضبط الاصوليات.

تخوف اميركي
امام هذا المنطق يتخوف اميركيون من ان استمرار الحرب في سوريا قد يترك مضاعفات على لبنان، تضرب الاستقرار الذي تسعى واشنطن للمحافظة عليه، وبدأت تظهر بوادر هذه المضاعفات. ويتوقف معارضو اوباما امام المد الايراني في المنطقة ومحاولة ايران عبر الاتيان برئيس معتدل وضع يدها على المنطقة وترسيم الهلال الشيعي الذي تحدث عنه الملك الاردني، من ايران الى لبنان مروراً بالعراق وسوريا. ومن هنا لا بد من فهم خلفيات المساعدة الايرانية للنظام السوري ومشاركة الحزب في المعارك.
ويعترض الفريق المناهض لاوباما على المنطق القائل بان ما يجري في سوريا يعتبر مواجهة بين التطرف الشيعي (الحزب) والسني (النصرة) وعن تخلي واشنطن عن دورها وعن توفير المظلة الواقية للبنان في هذه المرحلة، خصوصاً ان الاستقرار في لبنان بات مهدداً. لقد دفعت هذه المخاوف الادارة الى التحرك للمحافظة على الاستقرار والعمل السريع على تشكيل الحكومة، من دون ان يضعوا شروطاً لانهم يريدون حكومة تتبنى سياسة النأي بالنفس قولاً وفعلاً، وتلتزم اعلان بعبدا، وتعمل على تفعيل المؤسسات لا سيما الامنية منها، وتمنع وقوع قياداتها في الفراغ. وتشير المعلومات الى ان لا حل قريباً للازمة السورية وان الاميركيين لن يقعوا في الخطأ الذي وقعوا فيه في العراق ولن يفرطوا في الجيش السوري.

فيليب ابي عقل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق