سياسة عربية

ماذا يجري في ليبيا؟

التوتر لا يزال مرتفعاً في ليبيا، بعد مرور حوالي السنتين على سقوط نظام معمر القذافي. وجاءت تزيد الاوضاع تعقيداً، انعكاسات احداث مالي، حيث ادى تدخل الجيش الفرنسي الى انتقال مجموعات جهادية من الدولة الافريقية في اتجاه طرابلس.

في مداخلة امام مجلس النواب، اشارت وزيرة الخارجية الايطالية، ايما بونينو، الى ان ليبيا، تمر في مرحلة صعبة، بعد الموافقة على قانون يمنع الذين تعاونوا مع نظام القذافي، من ممارسة اي دور داخل النظام الجديد. وبسبب خطر ان تنجح الضغوط التي يمارسها الهاربون من مالي، في اعطاء النظام الجديد، توجهات اكثر اصولية.
وفي آخراحداث ليبيا، سقوط اكثر من 31 قتيلاً وحوالي 100 جريح، في هجوم شنه متظاهرون على مقر كتيبة «درع ليبيا – 1»، المؤلفة من ثائرين على نظام العقيد. والتي تعترف بها السلطات الحالية، على نقيض الميليشيات الاخرى المسلحة. وكان الناطق باسم قيادة الجيش الليبي، علي الشيخي، اعلن «ان درع ليبيا» تشكل عملياً قوة احتياط للجيش الليبي. وان الهجوم عليها، هو بمثابة الاعتداء على الجيش الليبي». وفي ليل السبت – الاحد، اعلن رئيس الحكومة، علي زيدان ان الميليشيا، خرجت من الثكنة التي كانت تتمركز فيها، وان قوات الجيش النظامي حلت مكانها ووضعت يدها على الاسلحة الثقيلة التي كانت فيها، واعلن علي زيدان عن فتح تحقيق حول ما جرى ودعا الى الهدوء.

مواجهات مسلحة
وكانت بنغازي، ثاني مدن ليبيا، الواقعة على مسافة 1200 كلم شرق طرابلس، مسرحاً في الاسبوع الماضي، لعدد من المواجهات المسلحة بين متظاهرين مطالبين بحل الميليشيات المسلحة، كل الميليشيات. وانشاء جيش نظامي. واندلعت المواجهة الحاسمة، عندما حاصر المتظاهرون مقر الميليشيا، على الطريق الى المطار. وتدهورت الاوضاع، عندما حاول احدهم الدخول الى المبنى، بالقوة متسلقاً احدى النوافذ، ففتح الميليشياويون النار. واتهم وسام بن حميد، قائد «درع ليبيا» المتظاهرين، بالبدء باطلاق النار، حتى بمدافع الهاون. وتلا هذه المواجهات امر من وزارة الدفاع الليبية، الى الميليشيات باخلاء جميع المقرات التي تحتلها في انحاء البلاد. وانخراطها في صفوف الجيش الحكومي.
وسبق لسكان بنغازي ان فعلوا الشيء عينه، في تشرين الاول (اكتوبر) الماضي، ونجحوا في اخلاء عدد من قواعد الميليشيات، التي يتهمها البعض بالراديكالية الاسلامية الاصولية، والبعض الآخر، بالانتماء الى القذافية، والسعي الى عرقلة قيام ليبيا الجديدة.
وكانت بنغازي المكان، الذي قتل فيه، السفير الاميركي السابق، كريس ستيفنز، في ليبيا، في هجوم شنه مسلحون، على مقر القنصلية في المدينة، في 11 ايلول (سبتمبر) الماضي.
وكانت الثورة التي قضت على 4 عقود من القذافية، انطلقت من بنغازي، التي لا تزال تهتز تحت وطأة الاجرام المسلح. وشهدت بنغازي في 13 ايار (مايو) الماضي، تفجير سيارة مفخخة، ادت الى مقتل بين 3 و5 اشخاص، مما زاد المطالبة بحل الميليشيات، كل الميليشيات، زخماً، في كل البلاد.

اعلان استقلال سيرينايكا
واستغل الشيخ احمد زبيرا السنوسي قاعدة اللا- استقرار والاضطراب، السائدة في ليبيا، ليعلن في مناسبة الذكرى 64 لاستقلال سيرينايكا، بعد الحرب العالمية الثانية، انفصال المنطقة عن الدولة الليبية.
ودعا السنوسي، على ضوء قوانين 10 و14 ايار (مايو)، الى انشاء قوة عسكرية مستقلة في سيرينايكا «تتولى دعم الجيش والقوات المسلحة. ويبقى ان نرى اذا كان هذا العمل، يشكل عملية ضغط على الحكومة المركزية، ام بداية انفصال حقيقي؟
ولا بد لنا من الملاحظة، كيف ان مثل هذه البادرة في منطقة في اهمية سيرينايكا، حدثت بعد سنتين على سقوط نظام القذافي.
ولكن الحدث يعلمنا ثلاثة اشياء، مثلما علمتنا سائر الاحداث التي بدت وكأنها هزت الضمير العالمي، فرأينا اهميتها تتلاشى، في سرعة، عندما تتواجه مع مصلحة ذات اهمية اكثر التصاقاً، سواء تعلق الامر بتركيا ام بسوريا، مثلاً.
والدرس الثاني، هو قلة الحكمة في الاعتقاد، بأنه يمكن تحقيق السلام، بواسطة الحرب، وحدها، كما حصل مع ليبيا، التي ادت الى قيام حالة من التوتر والفوضى، والى الارتدادات التي نعيش.
واخيراً، محدودية معرفة العالم، بحقيقة الشرق الاوسط، وعدم جدارة الذين يسمون انفسهم محللين وخبراء سياسيين، اضافة الى الدفع المزدوج، الذي يشكله النفط.

اعتداءات الارهابيين
والحدود بين ليبيا والنيجر التي يطلقون عليها اسم «لدغة الافاعي»، استحقت هذا اللقب، مع الاعتداءين الارهابيين اللذين وقعا في 23 ايار (مايو) الماضي، واوقعا 35 قتيلاً، على الاقل، في معسكر اغاديس وموقع سوماير. في آرليت، ونفذه جهاديون جاءوا من ليبيا وسارعت النيجر، الى دعوة المجتمع الدولي الى «مساعدة ليبيا على تحقيق الاستقرار والتخوف  هو من ان يضيع النداء في رمال صحراء الساحل المتحركة.
وفي الاسبوع الماضي دق الرئيس التشادي ادريس ديبي، ناقوس الخطر: «ان الحالة الليبية تهدد بان تنفجر في وجوهنا». وقال، في حديث الى جريدة «لو فيغارو» الفرنسية: «ان ليبيا تقف على حافة الانفجار. ولا احمل انا الحلول. ولكن ليس في استطاعة احد ان يتفرج على ما يجري، ويتركه يتطور».
ولكن احداً لم يقل كيف يمكن انقاذ ليبيا، من بركان الميليشيات المسلحة. ولان الطبيعة لا تتحمل الفراغ، رأينا، فريقاً من الذين حملوا السلاح ضد القذافي، يوجهون هذا السلاح، ضد الراديكاليين الاسلاميين، مع الترسانة الهائلة التي ورثوها. بينما نرى حكومة علي زيدان، تتعب لتأمين سلامتها.
فهل جاء دور ليبيا، جنوبها على الاقل، بعد مالي؟
فمنذ كانون الثاني (يناير)، تعاون الجيش الفرنسي، مع قوات تشادية على اخراج ما يسمى بالقاعدة في بلاد المغرب الاسلامية وتوابعها، من شمال مالي، فعمد فريق من الاصوليين الاسلاميين، الى الانكفاء اولاً، الى سلسلة جبال ايفاغاس، في مالي، ثم الى تونس، وخصوصاً الى ليبيا، التي تعجز حكومتها كما رأينا، عن فرض سلطتها.
وسمعنا لوران فابيوس، وزير خارجية فرنسا، يقول خلال الاسبوع الماضي، في نيامي، (النيجر): «اعتقد ان الوقت حان، لان نبذل جهداًخاصاً في جنوب ليبيا»، ولكنه لم يوضح.

طريق عبور
فجنوب ليبيا، هو طريق عبور الارهابيين، الذين نسفوا في كانون الثاني (يناير) مجمع آميناس الغازي في جنوب شرق الجزائر. وادت العملية مع الحملة القمعية التي تلتها، الى مقتل 39 رهينة و29 ارهابياً. ومن هناك، عبر كذلك الذين نفذوا عملية الاعتداء على منجم اليورانيوم في آرليت (النيجر)، في 24 ايار (مايو) الماضي وكلفت شركة «سومير»، التي تستثمرها بمشاركة فرنسية توازي 64 في المئة، من رأسمالها، خسائر تقدر بمليون يورو في اليوم.
وشرح الرئيس محمدو يوسبونو: «ان التهديد الرئيسي، تحول، بالنسبة الى النيجر، من الحدود المالية الى الحدود الليبية»، من حيث يخطط الارهابيون لمواصلة ضرب تشاد، ربما لمعاقبتها على المساعدة الفعالة التي قدمتها لفرنسا في مالي.
وكذبت الوقائع، اعلان علي زيدان، رئيس حكومة ليبيا، من بروكسل، ان ليبيا «ليست مرتعاً للأرهاب». فالميليشيات، سبقت احداث بنغازي، بمحاصرة وزارتي الداخلية والخارجية، دعماً لمطالبها.
وفي بنغازي سبقت محاصرة مقر «كتيبة درع ليبيا -1»، عمليات ادت الى مقتل ثلاثة اشخاص، بينما اشير الى تواجد ميليشياوي، راديكاليين، في الصحراء الجنوبية.
واشار فابيوس الى ان فرنسا اليوم، لن تتدخل هناك، كما فعلت في مالي، ولكنها تسعى الى عمل مشترك لمعالجة المشكلة، تقوم به، خمسة بلدان مجاورة لليبيا، هي: تونس، والجزائر، وتشاد، ومالي، ومصر لم تعرف طبيعته.
ولكنه من الصعب الاعتماد، في هذه القضية، على تونس، حيث برز، للمرة الاولى، في تاريخ تونس، ظهور ارهابي، في جبال شامبي، في الشرق، ولم يتمكن الجيش التونسي، من اقتلاعه.

مثلث جهادي
ويشير البحاثة السياسي التونسي، الاستاذ الجامعي، علايا علاني، الى «اسباب داخلية وخارجية، من بينها ذيول حرب مالي ادت الى ازدياد النشاط الارهابي».
واردف ان «عملية» انتزاع جذور الارهاب، من شامبي،، التي جرح فيها 16 جندياً كشفت قلة جهوزية قوى الامن، ونقص تسليحها، في وجه تظاهرة جهادية، تستمر في دعم تواجدها». فـ «القاعدة في بلاد المغرب الاسلامية»، تسعى الى اقامة «مثلث جهادي» يربط تونس بالجزائر وليبيا. بينما يسعى المغرب، الى البقاء خارجه.
وكان مدير الحرس القومي التونسي، منتصر السكوحي، زار الجزائر لطلب مساعدتها وهي القوية بجيش قوامه 170 الف رجل هو الافضل تسليحاً وتجهيزاً، في شمال افريقيا، وبقوة درك عديدها  130 الفاً، يكافحون الارهاب في بلادهم، في غياب رئيس الجمهورية بوتفليقة المريض.
وكانت ذيول مواجهة بنغازي الاخيرة، ان تحول قائد الجيش الليبي، الجنرال يوسف المنغوش، الى كبش المحرقة، فاستقال، وقبل البرلمان استقالته، وامهل الحكومة اسبوعين لحل سائر الميليشيات المسلحة وضمها الى الجيش النظامي.

ج. ص

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق