سياسة عربية

نتانياهو شكل في اللحظة الاخيرة حكومة تميل الى الوسط

اعلن بنيامين نتانياهو، وبعد سبعة اسابيع من المخاض العسير، والمفاوضات المضنية، انه توصل الى اتفاق حول تشكيل الحكومة الجديدة، قدم خلالها، تنازلات عدة، الى حزب الوسط، «يش عتيد»، (لديك مستقبل) والحزب اليميني، حابيت هايهودي (بيت اليهودية) الذي يجمع عدداً من ممثلي المستوطنين على الاراضي الفلسطينية.

اضطر نتانياهو الى تقديم تنازلات كبيرة الى هذين الحزبين العلمانيين، اللذين جمعا عدداً من النواب يوازي عدد نواب تحالف حزبه الليكود مع الحزب اليميني المتطرف، «اسرائيل بيتنا». وكان الحزبان خاضا المعركة الانتخابية، بلائحة مشتركة، تحت اسم «ليكود – بيتنا». فكانت النتيجة، ان انخفض عدد نوابهما، من 42 في انتخابات 2009، الى 31 في انتخابات كانون الثاني (يناير) الماضي، مما ادى الى اكتفاء نتانياهو باحد عشر وزيراً في الحكومة الجديدة، مقابل 20 في حكومته السابقة.
وسيحتفظ نتانياهو مؤقتاً بوزارة الخارجية، التي كانت، حتى كانون الاول (ديسمبر) الماضي، لحليفه الاساسي، زعيم «اسرائيل بيتنا»، آفيغدور ليبرمان، الذي يواجه محاكمة بتهمة الفساد واستغلال النفوذ. الرجل اعلن براءته، ولكن المدعي العام، يهودا واينشتاين، رفض حتى تشكيل الحكومة القول اذا كان في استطاعة ليبرمان، ممارسة منصب حكومي. لكن تحالف «ليكود – بيتنا» احتفظ بوزارتي الداخلية والدفاع، بينما اضطر الى خوض مفاوضات شاقة، حول وزارتي الخارجية والتربية، مع زعيم حزب «يش عتيد»، الوسطي، نجم التلفزيون السابق، يئير لابيد، ووجه السياسة الجديد في اسرائيل.

ضغط اميركي
ويبدو ان واشنطن، كانت تريده لمنصب الخارجية، بسبب الاطلالة التي يؤمنها، على الصعيدين الخارجي والداخلي. ويقال ان السفير الاميركي، في اسرائيل، ضغط من اجل ذلك، فان وزارة الخارجية شغلها اشخاص، مثل نتانياهو، نفسه، وآرييل شارون، وايهود باراك. ولكن لابيد، انتهى الى القبول بوزارة المالية، على امل ان يتمكن من تنشيط الاقتصاد الاسرائيلي، عن طريق مساعدة الطبقات الوسطى والتجار الصغار.
اما معركة وزارة التربية، التي ربحها لابيد، كذلك، فانها كانت اكثر ايديولوجية، خصوصاً ان حزبه الوسطي، يستعد لان يقدم للبرلمان، مشاريع لاصلاح النماذج التعليمية، في المدارس الحكومية. فالكثيرون من اليهود الارثوذكس، في اسرائيل، يدرسون، في مراكز تربوية تمولها الحكومة، ويرى لابيد انها لا تفي بالمطلوب، وله مآخذ عديدة حولها.
وكان لابيد، خاض الانتخابات على اساس وعود، تعطيه الحكومة الجديدة، املاً وامكانيات لتحقيقها، فدعا الى دمج اليهود الاصوليين، في المجتمع، باجبارهم على الخدمة العسكرية، التي يتهربون منها، ويعيشون من المساعدات الحكومية الخاصة. وتنص الاتفاقية التي قامت على اساسها الحكومة، على انخراط هؤلاء «المتدينين» في القوات المسلحة. ويطرح لابيد اصلاح الادارة الحكومية، لوقف التبذير والبيروقراطية، مما جعل الحكومة الجديدة تضم 22 وزيراً بدلاً من 30 في الحكومة الاخيرة. ويعترض لابيد، خصوصاً على التبذير في انشاء مستوطنات جديدة، في الاراضي الفلسطينية، ودعمها مالياً، للاستمرار.
ولكن نتانياهو، مضطر في المقابل الى مواجهة مطالب الوجه الجديد الآخر، الصاعد نتالي بنييت، الصهيوني المتدين الشاب، ورجل الاعمال الغني. في دنيا التكنولوجيا، الذي رفض المشاركة في حكومة لا يدخلها حزب لابيد العلماني المعتدل. فكانت بالنسبة الى نتانياهو الصعوبة في تشكيل الحكومة، مع المشكلة الثانية، بعد ان ابتلع الموسى الاولى.
هناك واد سحيق يفصل لابيد عن بنييت، ففيما الاول منفتح على الاتفاق مع الفلسطينيين وعلى تعايش دولتهم مع الدولة العبرية، يرفض الثاني هذه النظرية. وبينما ينادي الاول بالعلمانية، يمارس الثاني التدين، وفيما يقول لابيد لا للاستيطان، ينادي الثاني بمواصلته.
وقد يكون الشيء الوحيد، الذي يجمع بينهما، قناعة بان على اسرائيل، ان تتخلص من الطبقة السياسية العتيقة، من حزب الليكود، الغارق في جذور ايديولوجية قومية، كانت تصلح قبل قيام دولة اسرائيل، كحزب تاريخي، خسر دعم اجيال الشباب والاوساط الاقتصادية، واستمر في السلطة بفضل تعاون مجموعة الاحزاب المتدينة، التي لا يهمها الدفاع عن اسرائيل، بالانخراط في الخدمة العسكرية معتبرين، ان التعمق في الدين، هو الطريقة الفضلى للدفاع عن الدولة ويرفضون دخول سوق الانتاج، مفضلين العيش على حساب الدولة والمجتمع.
ولا ندري مدى التأثير الذي تركه، على تشكيل نتانياهو هذه الحكومة، بأي ثمن، تهديد باراك اوباما بالغاء زيارته الى اسرائيل، اذا لم تتشكل الحكومة، التي بقي خارجها للمرة الاولى، حزبا شاس ويهادوت الثورة (يهودية الثورة الموحدة) اللذان حكم نتانياهو، معهما حتى الآن. وهذا يعني ان الحكومة الجديدة ستخضع لضغوط من قوى علمانية ومعتدلة، تسعى الى حرمان المتدينين الاصوليين اليهود، من امتيازات تمتعوا بها منذ قيام دولة اسرائيل عام 1948، وكان لهذين الحزبين في الحكومة السابقة، وزارات البناء، والخدمات الدينية والداخلية.

توزيع الحقائب
واعطيت خمس حقائب الى حزب لابيد، وثلاث لبنييت، اضافة الى نيابتي رئيس الحكومة، كان اصر نتانياهو على رفضهما، بالرغم من انه ليس للمنصب اية اهمية. وحصل حزب الوسطية الاخرى، تسيبي ليفني، على مقعدين، بينهما وزارة العدلية التي ستحتلها شخصياً، اضافة الى قيادة المفاوضات مع الفلسطينيين، التي تجمدت في الاشهر الاخيرة، تحت وطأة تمدد المستوطنات، في شكل لم يسبق له مثيل، وبعد انضمام فلسطين، دولة مراقبة الى الامم المتحدة.
ولكن الحقيقة، ان مسار التفاوض من اجل انشاء دولة فلسطينية، انتهى الى يد الشريك الاضعف في الحكومة، اضافة الى ان الاتفاق ينص على ان تلتزم ليفني المطالبة بقيام دولة فلسطين، بتوجيهات نتانياهو.
وفي افق الحكومة الجديدة، عنصر آخر، ذو ابعاد: حقول الغاز المفروض ان تتقاسم اسرائيل انتاجها مع قبرص ولبنان، الغائب تماماً عن السمع. وتعلق اوساط دولية، آمالاً على ان تساعد هذه الثروة الجديدة، على حل مشاكل فلسطينيي اسرائيل (23 في المئة من سكانها) الاندماجية، ومشاكل اسرائيل الاجتماعية، وربما اطلاق سياسة جديدة لحل المشكلة مع الفلسطينيين بجعلها شريكة في الثروة الجديدة، في اجواء تنادي بالتخلي عن ايديولوجية اليمين القومي اليهودي القديم.

اهتمامات الحكومة
ويبقى ان الحكومة الاسرائيلية التي تبصر النور، وسط اجواء من اللاثقة بين شركائها، ستحصر اهتماماتها الاولى في الروزنامة الداخلية (غلاء المعيشة، والتربية والعلاقة بين الدولة والدين…) من دون ان يترك تولي تسيبي ليفني، ملف التفاوض مع الفلسطينيين، آمالاً كبيرة بتحقيق تقدم حقيقي، لان هناك خطراً ان يخرج نفتالي بنييت من الحكومة، اذا حصلت المعجزة وحقق مسار السلام تقدماً، مثل الغاء بعض المستوطنات. فاذا حصل ذلك، اعلنت رئيسة حزب العمال، شللي يخيموفيتش، انها على استعداد للانضمام الى الحكومة.
ويرى نحوم بارنيا، ان بنييت ولابيد يشكلان حصان طرواده، في حكومة نتانياهو، اذا تحالفا، وتوقع «حياة» صعبة لرئيس الحكومة مع وزيريه الشابين الاساسيين لبقائه في الحكم، الذي كان  همه الاساسي مع العلم ان كلاًمن بنييت ولابيد يعملان للفوز بالانتخابات المقبلة، مبدئياً بعد اربع سنوات.

ج. ص

ضغوط اوروبية على اسرائيل لحملها على وقف الاستيطان غير الشرعي

النشاط الاستيطاني الاسرائيلي في الضفة الغربية والقدس الشرقية، الذي كان في عهد حكومة بنيامين نتانياهو الاكبر انتشاراً في تاريخ اسرائيل، يعتبره الاتحاد الاوروبي مع القانون الدولي، غير شرعي ولا قانوني، وتعتبر الديبلوماسية الاوروبية، والدولية، ان وقفه اساس لانقاذ مشروع الحلف الذي يشكله قيام الدولتين على ارض فلسطين.
ولمواجهة هذا الخطر، اعتمدت البعثات الديبلوماسية في اسرائيل، ان ترفع في بداية كل سنة، تقريراً عن الاوضاع السائدة، وان تقدم الاقتراحات والنصائح لحكوماتها، حول ما يجب عمله وتجنبه، وجاء في تقرير هذه السنة: «ان اسرائيل ماضية، بنشاط في الاستيلاء على القدس، في صورة غير شرعية». بينما يضعف الوجود الفلسطيني «نتيجة تدابير تخطيط مدبر».
فردت الخارجية الاسرائيلية، بلسان الناطق ايغال بالمور: «ان من واجب الديبلوماسية اقامة الجسور، وليس خلق اوضاع صراعية».
ومن اجل محاربة هذه الآفة، لم تدع هذه البعثات حكوماتها، مباشرة، الى قطع العلاقات الاقتصادية مع المستوطنات، لان ذلك يعني مقاطعة منتوجات المستوطنات والنشاطات المرتبطة بها، في مجالات التربية والابحاث والتعاون التكنولوجي.
ولكن التقرير، دعا، كمرحلة اولى، الى اخضاع منتوجات المستوطنات الاسرائيلية في الضفة الغربية والقدس الشرقية، الى قوانين ذكر المنشأ عليها: مستوطنات وليس الاراضي الفلسطينية، حتى لا تستفيد من معاملة تفضيلية. واما السبب المعلن، فهو حق المواطن الاوروبي في الشفافية.
وكانت البادئة في تطبيق هذه التوصية، اقرب اصدقاء اسرائيل في اوروبا، بريطانيا وهولندا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق