صحة

ما لا يُشفى بالدواء يشفيه الغذاء؟

الطعام لذة واللذة تكون في الرأس لا في المعدة التي ترمي عصارة الغذاء الى الأعضاء والأنسجة، الى المخ والقلب والخلايا والأعصاب والى الكبد والكليتين والشرايين، مؤسسةً لمفهوم الوقاية من الأمراض عبر الطعام. تريدون ان تقهروا السرطان صوبوا نظركم نحو الخيارات الصحية الصحيحة! الغذاء خيار… فماذا تفعلون؟ ماذا تأكلون؟ ماذا تشربون؟

لا يختلف اثنان حول مفهوم تأثير نوعية الغذاء على القلب والشرايين لكن، في المقابل، قد لا يتفق اثنان على حقيقة ان الغذاء يؤثر أيضاً على الخلية السرطانية! السرطان بتفسير أدق ليس قدراً في المطلق بل انه أيضاً أسلوب حياة!
الاختصاصي في الطب الداخلي والتشخيص ومؤسس جمعية دعم الطب الوقائي في باريس الدكتور ايلي فرح يحدد طبيعة الخلية السرطانية: تنمو مليارات الخلايا السليمة الموجودة في الأنسجة، في جسم الانسان، وتنقسم وفق نظام محدد، لكن يحصل أحياناً ان يفقد بعض تلك الخلايا القدرة على التحكم في النمو الصحيح فيبدأ الإنقسام العشوائي بلا ضوابط، فتزيد كمية النسيج وتحدث الأورام التي تكون إما حميدة أو خبيثة.
ثمة عوامل مسرطنة أو مسهلة للسرطنة تساهم في نشوء الخلية الشاذة وتدفعها الى التكاثر وتمنعها من آلية التصحيح الذاتي، بينها التدخين والتلوث والوراثة والتعرض للإشعاعات وبعض الأمراض الجرثومية والفيروسات والطفيليات والغذاء. ويكفي ان نعرف ان الحمض النووي داخل كل خلية يتعرض كل ثماني ثوان الى ضربة من أحد عناصر التأكسد الخارجية لندرك كم يحتاج جسمنا الى ان يكون قوياً، متيناً، من الداخل ليواجه ويتحدى.

غذاؤك دواؤك!
تلفت التغيرات الأساسية في النظم الغذائية وأساليب الحياة في قراءة أبعاد احتمالات الإصابة بأنواع السرطان… أو لم يقل أيبقراط ذات يوم: غذاؤك دواؤك؟ ألم يزد عليه «ناي تشينغ» في كتابه الشهير «الملك الأصفر الكلاسيكي للأمراض الداخلية»: الأمراض التي لا تشفى بالدواء يمكن شفاؤها بالغذاء؟
دخلنا إذاً بيت القصيد: ماذا يفترض أن يحتوي الغذاء من عناصر ليكون صحياً، صحيحاً وشافياً؟
يحتوي الغذاء على ستة عناصر: بروتينات، كربوهيدرات، دهون، فيتامينات، معادن ومياه. غير أن الاكتفاء بالقول بأن الجسم يحتاج الى هذه النسبة من الطاقة وذاك المقدار من البروتينات والى هذه الكمية من الدهون أشبه بالقول بأن السيارة تحتاج الى وقود لتمشي! هذا يُعد، بحسب الدكتور فرح، استخفافاً في دور الغذاء ومفاعيله، فالطعام يحتوي على مواد قد تُحدث فرقاً في الحياة. هناك عوامل كثيرة في الغذاء تُحفز الأورام وهناك عناصر مضادة للتحفز وكابحة للسرطنة. وعلينا أن نُحسن الاختيار بين تلك العناصر. اللحوم المملحة والمدخنة والمحفوظة مثلاً قد تتحول فيها النيترات بسرعة الى نيتريت مشكلة أمينات مسرطنة في حين ان الألياف والفيتامينات والمواد الفيتوكيميائية الموجودة في الخضار والفاكهة مثل البروكولي والملفوف والقرنبيط واللفت تحتوي على مضادات للتحفز، ويُستدل من الابحاث ان تلك المواد الفيتوكيميائية قادرة على ان تؤثر في اكثر من نقطة من العملية المسرطنة وفي الانزيمات والبروتينات التي تزيل العوامل المسرطنة البادئة أو المؤسسة وحتى تلك الآمرة بالتكاثر والغزو والانتشار.

الهرم السرطاني السليم
مرضى سرطان؟ لا تقولوا إذا حدث ما حدث بل رددوا: الأمراض التي لا تشفى بالدواء يمكن شفاؤها بالغذاء.
تسمعون عادة عن الهرم الغذائي السليم لكن هل سمعتم عن الهرم الغذائي السرطاني السليم؟
الهرم هنا، في ما يخص السرطان، أشبه بقوس قزح. انه هرم ألوان مشكل من سبعة ألوان هي: الأحمر ويُقصد بهذا اللون مادة الليكوبين الموجودة في البندورة ومشتقاتها. واللون الأخضر ويعود الى مواد الايزوسيانات وأندول – 3 – كاربينول الموجودة في البروكولي والقرنبيط والملفوف. واللون الأخضر على أصفر وفيه مادة اللوتين ويتوافر في السبانخ والأفوكا والكيوي والحبوب الخضراء. واللون البرتقالي ويحوي مادة الكاروتين ألفا وبيتا الموجودة في الجزر والمانغا والمشمش والشمام. واللون البرتقالي على أصفر ويعود الى فيتامين -ج الموجود في البرتقال والأناناس والدراق والليمون الحامض. واللون الأحمر الأرجواني ويُعزى الى مواد الأنتوسيانين وحمض الايلاجيك الموجودة في الكرز والفريز والعنب الأحمر والتوت والكرز البري. وهناك اخيراً اللون الأبيض على أخضر ويعود الى مادة أليل سلفايد التي تتوافر في البصل والثوم. والسؤال: لماذا يفترض ان يكون طعامكم بألوان قوس قزح؟ الجواب لا يتطلب الكثير من الفطنة لأن المقصود هو التنويع بالمواد الفيتوكيميائية التي قد تكون بمثابة الرصاصة الثاقبة في رأس الخبيث!
سؤال آخر يلح: ماذا عن اللحوم؟
جواب الطبيب حاسم: يجب الحد من تناول اللحوم الى ما أقصاه 500 غرام في الأسبوع، وإذا شئت ان اكون جازماً فأنصح بثلاثمئة غرام في الأسبوع فقط لا غير، وهي كمية قد تكفي لتأمين الكمية الكافية المطلوبة من فيتامين ب -12.
مريض سرطان؟ ماذا تأكل؟ أي نمط تتبع؟
كلنا نعلم بأن التغذية السليمة تساعد على تحمل المشقات فكيف إذا كانت تلك المشقات تتمثل بجلسات كيميائية وإشعاعية يخضع لها مريض السرطان؟ طبيعي ان تكون شهية المريض متدنية لكن يُفترض تذكيره دائماً بأن الغذاء الجيد يضمن له التفاعل الأفضل مع العلاج وتحمل الآثار الجانبية والتعافي. فالغذاء الوافي يؤمن للأنسجة العناصر الأساسية للمثول الى الشفاء بأقل مضاعفات ممكنة بعد الجراحة والعلاج الكيميائي وعلاج الأشعة. الغذاء السليم يساعد على تحصين جهاز المناعة وتقويته ليحارب الخلايا السرطانية والجراثيم التي تتربص به لانتهاز الفرصة والانقضاض على الجسم المنهك.
يحتاج الجسم هنا الى مدخول أعلى للطاقة، لذا يُفترض اعتماد وجبات خفيفة لكن متكررة، وفي حال استمرت خسارة الوزن فيفترض زيادة الكمية وتناول العصائر، كما ان التنويع الغذائي ايضاً مطلوب.

أسئلة شائعة
نعود الى الأسئلة الشائعة التي تجتاح البشر عن الخبيث وعلاقته ببعض أنواع الغذاء، بينها: هل المحليات الاصطناعية تسبب السرطان؟ هل تؤثر طريقة الطهو في خطر الإصابة؟ هل تناول السمك يفيد؟ وهل وهل…؟
الجواب قد يُختصر بأربع كلمات: يمكنكم قهر الخبيث بالغذاء! فالسرطان، بحسب الطبيب، ليس مجرد خلايا خبيثة قامت من المجهول وتموضعت داخل الجسم بل هو عبارة عن أخطاء تصيب الحمض النووي والجينات، إما عبر ما يطرأ في داخلها من نقاط تحوّل أو عبر خسارة جينة او زيادة جينة اخرى ما يؤدي الى نشوء الخلية الشاذة فتترعرع منتهزة فرصاً كثيرة في مجال التطور والتكاثر متكلة على الأخطاء الغذائية الشائعة!
الدكتور ايلي فرح يذهب بعيداً مقترحاً هنا، في الموضوع، إجراء فحص جيني لكل فرد منا، فحص يحدد الخريطة الجينية عبر التقنيات المخبرية الحديثة من أجل الحصول على جدول يُظهر الجينات المحفزة أو المسرطنة او المسهلة للسرطان تبعاً لخصوصية كل فرد منا، فنتمكن بذلك من قراءة الأعطال والعلل المكتسبة او الموروثة قبل ان يتسلل الخبيث. وتلك البصمة الجينية تُساعد على انتقاء الفيتوكيميائيات المناسبة الموجودة داخل الغذاء واختيار انواع والوان الطعام المناسبة التي أثبتت الأبحاث قدرتها على تعديل ظهور وعمل تلك الجينات وفق الهوية الجينية الفردية.
ألا يذهب الاختصاصي في الطب الداخلي والتشخيص بعيداً في أمنيته هذه؟
يرى الطبيب ان وجود مرض السرطان هو حافز لتعميم الثقافة والوعي مميزاً بين الكلمتين: فالثقافة هي إدراك المعلومة في حين ان الوعي هو في تطبيقها في الاتجاه الصحيح. والثقافة والوعي مكملان ضروريان.
قبل أن نختم نسأل:  هل المحليات الاصطناعية تسبب الخبيث؟
يعود الدكتور فرح الى أعوام مضت، الى تلك التجارب المخبرية التي جرت على الفئران باستعمال مادة السكارين وأدت الى نشوء خلايا سرطانية فدب الذعر، غير ان الدراسات التي أجريت على الانسان لمادتي السكارين والأسبرتام وهو محلى أقوى بمئتي مرة من السكر لم تظهر اي زيادة في نسبة احتمال حدوث المرض السرطاني.
هل السمك يفيد؟
الأسماك غنية بالدهون ومنها الأوميغا – 3 والدراسات على الحيوانات اثبتت فوائد تناولها وانخفاض حدوث السرطان لكن الدراسات على الانسان غير محسومة بعد، لكن بما ان فوائد الاوميغا – 3 عالية على الصحة والشرايين فيُنصح بتناول السمك شرط ألا يكون من الحجم الكبير القادر على تخزين الزئبق والديوكسين.
هل طريقة طهو الطعام تؤثر؟
يبدو ان الطهو على نار مباشرة او على الفحم او القلي يؤول الى اصدار أمينات ذات حلقات غير متجانسة وهيدروكربون ذات قدرات مسرطنة، لذا يُحبذ التبخير او السلق والضغط واستخدام الفرن مع نار هادئة.
قيل قديماً: أنت ما تأكل… ويُقال يومياً: تفاحة كل يوم ولا طبيب… وبتنا، من تجاربنا، نثق: ان الهدف الحيوي لوجباتنا المتنوعة هو تقديم المواد الخام للجسم لإصلاح الأنسجة المستهلكة والحفاظ على حرارة ثابتة. وعند تناول فائض من الغذاء او غذاء سيىء تجهد عملية التصريف الطبيعية، والتصريف غير الكامل يتسبب بأمراض شتى. ألم تسمعوا بعد أحداً يقول أمام جثة ميت: قتله بطنه! ألم تدركوا بعد ما يجب ان نأكل؟ كلوا الصحة تنجون من خبث أمراض الأيام المقبلة!.

نوال نصر
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق