رئيسيسياسة عربية

حزب الله – اسرائيل: معركة ما بين الحربين!

كثّفت الغارة الاسرائيلية على الناعمة فجر الثالث والعشرين من آب (اغسطس)، اثر اطلاق «كتائب عبد الله عزام – سرايا زياد الجراح» الصواريخ الاربعة على شمال اسرائيل، معطوفة على اصابة أربعة جنود اسرائيليين فجر السابع من آب (اغسطس) داخل الأراضي اللبنانية، الهواجس الديبلوماسية من امكان ان يؤدي اي حادث حدودي – لو بسيط – الى اطلاق شرارة حرب اسرائيلية ثالثة ضد لبنان، ربطاً بمجموعة تطورات تعتقد تل ابيب انها تصب في مصلحتها.

 لا يزال المستويان السياسي والعسكري في اسرائيل على قناعة كوناها منذ بدء الحرب في سوريا، خلاصتها ان «مشاركة حزب الله وانغماسه في هذه الحرب من شأنهما ان يضعفا قوته الرادعة وان يفقداه كذلك المناعة التي سبق ان تحصّل عليها من مختلف الجماعات المذهبية اللبنانية، هذه المناعة التي تشققت الى حد كبير بفعل ما تراه جماعات لبنانية عدة مشاركة مذهبية للحزب في الاحداث السورية».
 وكان قائد سلاح المدفعية التابع للقيادة الشمالية الإسرائيلية العقيد يارون فورموزا قد كشف ان «حزب الله» يراقب أنشطة الجيش الإسرائيلي على الحدود ويستعد للحرب على رغم خسائره في سوريا. واشار الى أن مشاركة الحزب في الحرب الدائرة في سوريا لم تعرقل استعداده لخوض حرب مع إسرائيل، معلناً أن رجال المدفعية في الحزب أصبحوا أكفياء في استخدام الأسلحة المتقدمة بسبب القتال في سوريا ويواصلون الاستعداد لحرب ضد اسرائيل. واعتبر أن «حادثاً معزولاً» على الحدود يمكن أن يؤدي إلى تدهور، مؤكداً استعداد الجيش الاسرائيلي «الدخول في حرب حتى صباح غد».

حرب نهاية الصيف
وسبق لأحد قادة الفرق في الجيش الإسرائيلي ان كتب لجنود الاحتياط في فرقته، في رسالة عبر البريد الالكتروني: «سنتدرب بطريقة تحاكي الشروط الميدانية في لبنان، ولست بحاجة الى أن أذكركم بأهمية مشاركتكم في هذه التدريبات لأننا قد نضطر على مشارف الصيف أن نستخدم كل ما تعلمناه في هذه التدريبات». واطلقت هذه العبارة عنان وسائل الاعلام ومراكز الابحاث الاسرائيلية في تحليلات وتوقعات ومقاربات تتحدث كلها عن حرب ثالثة آتية لا محال.
في احد هذه التحليلات ان كلام القائد العسكري الاسرائيلي معناه أنه على الرغم من الهدوء السائد راهناً إلا أنه من الواضح للطرفين أن الحرب الثالثة تقترب. ويلفت إلى أنه تبين للمراقبين والأهالي الذين شاركوا (في بداية آب – اغسطس) في إحياء ذكرى سقوط جنودهم في الحرب الأخيرة على لبنان، أن المنظر الطبيعي للجانب اللبناني تغيّر بشكل واضح وله دلالات بينة، فقد أعاد الجانب اللبناني زراعة كل المساحات الخضراء التي قام الجيش الإسرائيلي باقتلاعها وتسويتها في الأرض لمنع اختباء عناصر «حزب الله» وراءها.
ويلفت الى ان «تقديرات الجانبين الإسرائيلي واللبناني تشير إلى أن الحرب المقبلة ستكون أشد ضراوة وفتكاً، خصوصاً في الجانب اللبناني. فقد ارتفع عدد الأهداف التي حددها الجيش الإسرائيلي ورصدها، أضعاف أضعاف ما كانت عليه. لكن في المقابل عزز «حزب الله» قوته وأصبح في ظل التطورات الجارية في المنطقة ألد أعداء إسرائيل، ذراعا للدولة التي تسعى لإبادة إسرائيل، وهي إيران».

تعاظم الأزمات
ويرى التقرير الاسرائيلي ان الحرب الآتية ستبدو مختلفة تماماً. ويعتبر أن «عدد الصواريخ التي ستطلق من لبنان سيصل الى الآلاف. ولا يمكن لمنظومات «القبة الحديدية» أن تحمي اسرائيل على مدى الزمن، وإن كانت ستعترض بعضها. ويدور الحديث عن كمية لم يسبق للجبهة الداخلية أن واجهتها من قبل، وستهدد الصواريخ مركز البلاد ايضاً. وهذا هو السبب في أنه فضلاً عن الضغط السياسي الذي يمارس على اسرائيل، فإن خطط الاحتياط لدى الجيش الاسرائيلي فتاكة على نحو خاص، وستؤلم حزب الله ولبنان اكثر مما في حرب لبنان الثانية. في الجيش الاسرائيلي يقدرون ان الحرب ستكون قصيرة ومكثفة اكثر بكثير، وستتضمن ضربات فتاكة من الجو ومناورة برية حادة، سريعة ووحشية على نحو خاص. في الحرب المقبلة، يقولون في الجيش الاسرائيلي، لن يكون هناك  شيء محصن من الاصابة. قبل نحو سنة اطلق تحذير الى سكان جنوب لبنان حول ما ينتظرهم اذا ما واصل حزب الله استخدامهم لاستفزاز اسرائيل».

 سلاح يوم الدين
ويشير التقرير الى أن «حزب الله معني في هذه اللحظة في الحفاظ على الاستقرار، ولهذا فإنه لن يسارع الى العمل ضد اسرائيل. وهو سيواصل اطلاق الطائرات غير المأهولة، مثلما فعل في السنة الماضية، ويحاول انتاج عمليات في الخارج، مثلما فعل في بورغاس (تفجير بلغاريا) قبل سنة، وجمع معلومات استخبارية لعمليات داخل اسرائيل ايضاً. والمنظمة ملزمة أن تحافظ على مكانتها
كمتصدرة للمقاومة، ولهذا فإنها ستواصل انتاج الارهاب ضد اسرائيل، من دون أن تأخذ مسؤولية مباشرة عن ذلك».
ويقول: «القوة التي لدى المنظمة هائلة، آلاف الصواريخ المضادة للدروع، الراجمات، المدافع وعشرات آلاف الصواريخ الى مسافات مختلفة. لكن الهدف الاساس يبقى الحصول على «سلاح يوم الدين»: ذخيرة محطمة للتعادل، استراتيجية، في شكل صواريخ شاطىء – بحر من طراز «ياخونت»، صواريخ الدفاع الجوي المتطورة والصواريخ للمدى الابعد، وبالطبع السلاح الكيميائي… كل هذه موجودة في سوريا، وحزب الله يواصل محاولة نقلها الى تصرفه. واعلنت اسرائيل بأنها لن تسمح بذلك، وحسب منشورات اجنبية نفذت هجمات عدة في الاراضي السورية ضد
السلاح المخصص لحزب الله».
ويضيف: «في الجيش الاسرائيلي يسمون الحرب الجارية تحت السطح بأنها «المعركة بين الحربين». في اسرائيل يحرصون على تنفيذ السيادة حتى «الخط الازرق» وتنفيذ أعمال تبعد حزب الله عن الحدود الى داخل لبنان. ويعمل الجيش الاسرائيلي في الجنوب على الحدود بكثافة ويستخدم الاستخبارات المتطورة لتنظيم الاعمال في الميدان».

 مصير
وكان المدير السابق لوكالة الاستخبارات في وزارة الدفاع الاميركية جيفري وايت، قد رأى في دراسة وضعها بعنوان «الحرب إن أتت.. اسرائيل في مواجهة حزب الله وحلفائه»، انه «اذا اندلعت الحرب مجدداً على حدود اسرائيل لاحتلال لبنان، لن يشبه الصراع كثيراً حرب العام 2006، بل ستكون حادثة، ربما مصيرية، وستؤدي الى ت
حول المنطقة بأكملها». واشار الى ان «مسرح الاعمال الحربية سيشمل 40 الف ميل مربع»، وهو ما يعادل 64 الف كيلومتر مربع، ويتضمن «لبنان (10 الاف كيلومتر مربع)، واسرائيل (20 الفاً)، واجزاء من سوريا (185 الفاً)»، لافتاً الى ان «نهاية الاعمال الحربية في العام 2006 شكلت نقطة بداية التحضيرات للحرب المقبلة»، وان «الطرفين يستخدمان اسلوباً هجومياً بالنظر الى المواجهات السابقة». وتوقع ان يتركز القتال على الحدود الشمالية لاسرائيل وفي جنوب لبنان، مع عدد من «المسارح الثانوية» للمواجهات، وان «حزب الله سيحاول صد الهجوم الاسرائيلي البري في جنوب لبنان بشراسة، فيما ستحاول إسرائيل الوصول الى الليطاني، والى ما بعد الليطاني، حيث تتركز صواريخ حزب الله». وتطرق الى «فداحة الخسائر اللبنانية» المتوقعة في اي حرب، مشيراً الى ان «اسرائيل ستعمد الى حرق العشب في لبنان بدلاً من تشذيبه»، وان الحسم في الحرب سيكون عن طريق «الاجتياح الإسرائيلي البري. ومع ان الجيش الاسرائيلي اتم استعدادته للقتال في المدن والمناطق الآهلة بالسكان عوضاً عن القتال في الطبيعة، فإنه سيتكبد خسائر لا يستهان بها في الحرب المقبلة. كما ان حزب الله سيحاول امتصاص الهجوم الإسرائيلي البري، لكنه لن يتراجع، وستكون معركة الجنوب حاسمة». وتحدث عن توقعات اسرائيلية بأن «حزب الله سيعمد الى اطلاق 500 او 600 صاروخ يومياً في اتجاه اسرائيل، وهذا كثير من النار الذي سيأتي في اتجاه اسرائيل، كما ان تقنية معظم الصواريخ التي بحوزة الحزب اصبحت افضل مما كانت عليه في العام 2006. وعلى عكس العام 2006، ستعمل اسرائيل على تدمير البنية التحتية المدنية اللبنانية لتحميل الحكومة اللبنانية مسؤولية اعمال الحزب».
وخلص الى ان سيناريوهات نهاية الحرب، ثلاثة، وهي تتضمن الحسم، او تعب المتقاتلين، او الحل المفروض. فـ «الحسم لا يمكن لاسرائيل الا تحقيقه، وبذلك انهاء خطر حزب الله المسلح واملاء شروطها لانهاء الحرب». اما في الخيارين الثاني والثالث، فستكون النتيجة عبارة عن «فوضى، مثل نهاية حربي 1973 و2006، وسيعمل المتقاتلون على الاستعداد لحرب اخرى مقبلة».

الخيار المؤذي
بالتوازي، يعتبر تقرير بحثي صادر عن مركز ابحاث «الامن الاميركي الجديد»، ان اي احتلال اسرائيلي للبنان سيكون بمثابة كابوس للاسرائيليين. ويرى ان «مصلحة اسرائيل العليا، في حال قتل حزب الله ديبلوماسياً اسرائيلياً انتقاماً على سبيل المثال لمقتل عماد مغنية او قام بخطف جندي، تقتضي بتوجيه ضربات موجعة في غضون ثلاثة او اربعة ايام». ويعتبر انه في حرب 2006، كان المجتمع الدولي متعاطفاً مع اسرائيل في الاسبوع الاول للحرب، لكن بما ان الخسائر اللبنانية كانت اكبر بكثير من الخسائر الاسرائيلية، وبما ان اللبنانيين هم من انجح الشعوب في الانتاج والتعاطي مع الاعلام العالمي، انقلب التعاطف العالمي ضد اسرائيل».
ويلفت الى انه «بناء على تجربة حرب 2006، وعندما يعد الاسرائيليون انهم سيدمرون الضاحية (الجنوبية لبيروت) تماماً، فان الجميع يصدق انهم سيفعلون ذلك، وهذا يسهم في تعزيز ميزان الرعب والردع بين الطرفين ويلقي المزيد من الضغط الشعبي على كاهل «حزب الله» لثنائه عن التسبب بأي حرب». ويشير الى ان «الهدنة القائمة على الارض بين حزب الله واسرائيل، اي ميزان القوى الراهن، هو افضل ضمانة للردع وللسلام، وهو مؤذ لحزب الله على المدى الطويل». ويخلص الى ان اي «حرب اخرى لن تكون في مصلحة الإسرائيليين، ولا اللبنانيين، ولا مصالح الولايات المتحدة في منطقة الشرق الاوسط عموماً».

طلال عساف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق