سياسة لبنانية

سلام لن يعتذر وسيشكل حكومة المصلحة الوطنية

النتيجة التي انتهت اليها المداولات الدستورية والقانونية داخل المجلس الدستوري بشأن الطعن المقدم من رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر بقرار مجلس النواب تمديد ولايته 17 شهراً، بحيث تنتهي في 20 تشرين الثاني (نوفمبر) 2014 وتأجيل الانتخابات التي كانت مقررة يوم الاحد في 16 الجاري باتت واضحة بعدما عطلوا المجلس الدستوري ومنعوه من التصويت عبر تغييب ثلاثة من اعضائه على مدى جلستين متتاليتين.

الرئيس تمام سلام الذي كان ينتظر قرار المجلس الدستوري سيدير محركات التأليف من جديد ويؤكد سلام امام زواره استمراره في المهمة رافضاً الاعتذار عن التأليف رغم اقدام قوى 8 اذار على تسريب معلومات عن اعتذاره، في محاولة منها لاعادة فتح صفحة جديدة مع تيار المستقبل بتأييد مرشحه لتأليف الحكومة مع القبول بالرئيس فؤاد السنيورة، وبالتالي المطالبة بحكومة وحدة وطنية في هذه الظروف. ويقول زوار الرئيس سلام انه تريث في البداية نزولاً عند رغبة نصائح محلية وديبلوماسية خارجية تمنت عليه توسيع مروحة اتصالاته. فانتظر انتهاء المناقشات النيابية حول قانون الانتخاب وتحديد موعد لاجرائها وعندما فشل النواب، انتظر قرار المجلس النيابي بشأن التمديد، ثم انتظر صدور البت في الطعن. لقد امضى سلام منذ تكليفه، الوقت في انتظار النواب والقوى السياسية، وأبلغهم بأنه «من الصعب اقناعه بما ليس مقتنعاً به اصلاً» وتغيير المعايير والمواصفات والضوابط التي وضعها للتأليف، مشدداً على انه لن يتخلى ولن يتراجع عنها، وفي ضوء قرار المجلس الدستوري قد يغير طبيعة الحكومة.

رفض التسوية
رفضت قوى 14 اذار ادراج ملف تشكيل الحكومة في صفقة التسوية مع قوى 8 اذار حول التأجيل، بعد فشل القوى السياسية في الوصول الى اتفاق حول قانون الانتخاب، لعدم وجود توافق خارجي ولغياب المظلة الدولية والاقليمية لانشغال عواصم القرار بما يجري في سوريا والاهتمام لبنانياً بالمحافظة على الاستقرار، بدليل ان رد الفعل الغربي على تأجيل الانتخابات لم يكن بحجم التحذير الذي اطلقوه، ولم يكن بحجم الضغط الذي مارسوه عام 2005 لاجراء الانتخابات في موعدها ورفض تأجيلها ولو لاسابيع. غير ان الضغط الخارجي لم يصل هذه المرة الى تلك الحدود، فالسفيرة الاميركية في لبنان تحدثت امام احد الوزراء عن تأجيل تقني لا يتجاوز الستة اشهر بعدما كانت تضغط لاجراء الانتخابات في موعدها.
غير ان الخطورة من تداعيات اجراء الانتخابات وحصول حوادث واضطرابات قد تشعل الفتنة، حملت العواصم الغربية على تفضيل تأجيل الاستحقاق للمحافظة على الاستقرار. واعتبرت قوى في 14 اذار ان الانتخابات هي عامل مساعد للاستقرار وهي التي تمتص التشنج في الشارع وتحد من حال الاستنفار وتحدث حالاً سياسية جديدة من شأنها تغيير الواقع.
وتزامنت مخاوف بعض الاطراف من انهيار الاستقرار وعودة الفتنة مع وقوع حوادث متنقلة ابرزها ما جرى في طرابلس. واعتبر احد الوزراء ان الصواريخ التي استهدفت الضاحية، والحوادث التي طاولت رجال دين، والخروقات الامنية، والخرق السوري للسيادة على طول الحدود، والاستنفار في الشارع بين السنة والشيعة، وارتفاع الخطاب السياسي… اعتبرت رسائل سياسية لتأجيل الانتخابات. وقد توقفت الممارسات هذه بعد ان تم حسم الموضوع في المجلس الدستوري.
فهل يلجأ البعض الى الرسائل الامنية للتهويل على سلام لحمله على التراجع عن مواقفه والتسليم بشروط 8 اذار؟ وهل يعود اصحاب «القمصان السوداء»، وقد ظهروا يوم الاحد امام السفارة الايرانية للاقتصاص من المتظاهرين امامها، الى الظهور من جديد عشية تشكيل الحكومة للضغط؟

«فزاعة» الامن
يقول احد نواب المستقبل ان استخدام الملف الامني «فزاعة» لتخويف المواطنين والخارج، والتذرع به لتأجيل الانتخابات قد تستخدمه قوى  8 اذار في السياسة ايضاً للوصول الى مطالبها. وقد بعثت هذه القوى الى سلام والسياسيين اكثر من رسالة في هذا الشأن، ما حمل النائب وليد جنبلاط على رفض اي حكومة لا يشارك فيها الثنائي الشيعي، خصوصاً بعد انتشار وقائي لـ «القمصان السوداء» في الجبل، وعلى التلال المطلة على الضاحية وتعزيز التدابير داخلها على اثر سقوط الصواريخ التي استهدفتها، فطالبت قوى 8 اذار بالثلث الضامن وبمشاركة سياسية للحزب، وبالاحتفاظ بحقائب الخارجية والعدل والاتصالات والطاقة، وبالمعادلة الذهبية: «الشعب والجيش والمقاومة». ورفضت قوى 14 اذار شروط قوى 8، كما رفضت المشاركة في حكومة يتمثل فيها الحزب، احتجاجاً على مشاركته في القتال في سوريا وطالبت بحكومة من وزراء حياديين قريبين من الاطراف السياسية، غير سياسيين وغير حزبيين وغير صداميين واستفزازيين، يمثلون طاقات المجتمع المدني، لهم تاريخهم في القطاعات التي يعملون فيها، بحيث ينصرفون كفريق عمل واحد متضامنين داخل مجلس الوزراء في موقف موحد لانقاذ الوطن وتأمين مصالح المواطنين.
وقال نائب في القوات اننا كقوى 14 اذار لا نريد الاشتراك في الحكومة وندعو قوى 8 اذار الى عدم الاشتراك، فمن ساواك بنفسه ما ظلمك، وان تترك للرئيس سلام مهمة تشكيل حكومة على شاكلته. وترافقت هذه المعطيات مع تحركات بعيدة عن الاضواء ابرزها للسفير السعودي بحثاً عن صيغة لتدوير الزوايا وصولاً الى اتفاق. وتحدثت اوساط ديبلوماسية عن اشارات بين الرياض وطهران ربما تبلورت بعد الانتخابات الرئاسية الايرانية، وفي ضوء المساعي لتفاوض اميركي – ايراني حول الملف النووي. وفي هذا السياق تأتي اللقاءات التي تمت بين السفير السعودي والنائب محمد رعد والوزير جبران باسيل بعيداً عن الاضواء، لتسهيل مهمة الرئيس سلام لتأليف حكومة المصلحة الوطنية، لا حكومة السياسيين بعدما فشل  الطاقم السياسي في انتاج قانون انتخاب، وعجز عن الالتزام بالاستحقاق الانتخابي.

ف. ا. ع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق