سياسة لبنانية

«دوحة لبنانية» ومعادلة «س. س»

لم يكن اللقاء الذي حصل بين الرئيس سعد الحريري والنائب سليمان فرنجية في باريس، في منزل الصديق المشترك رجل الأعمال جيلبير الشاغوري، ليثير كل هذه الضجة والبلبلة لو لم يكن يتصف بـ «الجدية» ويُعتبر من مقدمات «التسوية الشاملة» ويشكل المؤشر الأوضح الى أنها وضعت على النار… هذه التسوية المرحلية التي يُعاد إنتاجها وفق سيناريو «تسوية الدوحة عام 2008» ويمكن إدراجها تحت عنوان «دوحة لبنانية»، والتي تقوم في حال وصلت الى خواتيمها على معادلة «س. س» لبنانية أي «سليمان (فرنجية) – سعد (الحريري)»، بعدما أطاحت الظروف والتطورات الإقليمية معادلة «س. س» العربية في لبنان (سوريا – السعودية) وقامت على أنقاضها معادلة «س. أ» (السعودية – إيران) بحكم الأمر الواقع على الأرض اللبنانية وبمعزل عن العلاقات السيئة والمواجهة المفتوحة بين هاتين الدولتين في المنطقة.
ولم يكن سعد الحريري ليعقد لقاء ممهداً «لصفقة رئاسية» لو لم يكن يستند الى ضوء أخضر سعودي. فمن جهة الحوار مع فرنجية هو حوار للاتفاق على الرئاسة، بينما لم يذهب الحوار مع عون الى أكثر من الاتفاق على الحكومة… ومن جهة ثانية الاتفاق مع فرنجية في إطار تسوية شاملة لا يمكن أن يحصل وينفذ من دون موافقة ورعاية سعودية… وإذا كان الحريري يندفع الى هذه التسوية تحت وطأة الحاجة الملحة للعودة الى لبنان ورئاسة الحكومة ولا ورقة أخرى بيده يلعبها، فإن السعودية تؤيد مثل هذه التسوية لأن لا سبيل آخر الى تثبيت استقرار لبنان.
ولم يكن سليمان فرنجية ليذهب الى باريس للقاء الحريري ونسج أولى خيوط التسوية الشاملة معه لو لم يكن متكئاً على موقف الحليف الشيعي، موقف يتراوح بين التشجيع من جانب بري، والتفهم من جانب حزب الله… فإذا كان بري واضحاً في ميله الى فرنجية وتفضيله له على عون، فإن حزب الله الذي أعطى وما زال يعطي الأولوية لحليفه عون، يتصرف منذ البداية أن مرشحه البديل وأن ورقة الاحتياط الرئاسية لديه هو سليمان فرنجية في حال لم ينجح عون في تأمين النصاب النيابي والسياسي والطائفي لفوزه بالرئاسة، وتحديداً في اكتساب «الصوت السني».
ولم يكن حلفاء الحريري في 14 آذار ليظهروا هذا «الرد الفعل السريع والغاضب» لو لم يكونوا متأكدين من أن شيئاً ما جدياً يجري، وتسوية ما يجري ترتيبها تحت طاولة الحوار الوطني ومن وراء ظهر الجالسين عليها، وأن ما حصل في مراحل ومرات سابقة يمكن أن يتكرر الآن وفي هذه المرحلة: تسوية تطبخ أولاً بين بري وجنبلاط ويجري إقناع الحريري بها ويلتزم حزب الله الذي يكون في أجوائها، الصمت في شأنها ويتفادى الانخراط العلني فيها… ولا يعود تسويق هذه التسوية صعباً لدى الفريق المسيحي: حزب الله مع عون والمستقبل مع جعجع.
الواضح أن «اللقاء الرئاسي» بين فرنجية والحريري في باريس كان أكثر من مجرد «حجر ألقي في المستنقع السياسي الراكد فأحدث دوائر واهتزازات». هذا اللقاء شكل أول اختراق سياسي في جدار الأزمة الرئاسية منذ نشوئها قبل عام ونصف، وأعاد خلط أوراق المواقف وربما التحالفات لاحقاً، محدثاً تبدلاً في المشهد السياسي وفي اتجاه كسر الاصطفاف المعمول به منذ عشر سنوات بين 8 و 14 آذار والتخفيف من حدة هذا الاصطفاف السياسي لمصلحة اصطفافات طائفية، ومن حدة الانقسام الوطني العمودي لمصلحة انقسامات سياسية – طائفية أفقية…
ولن يتأخر الوقت لانكشاف التسوية ومداها الزمني والسياسي ولاتضاح حقيقة الوضع وما إذا كان انتخاب فرنجية رئيساً للجمهورية صار في حكم المنتهي وقضي الأمر لأنه الوحيد القادر على حل عقدة عون وإزاحته رئاسياً… أم أن طرح فرنجية سيكون عاملاً مساهماً في تسريع تسوية الرئيس التوافقي ليصبح مقبولاً من الجميع…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق