رئيسيسياسة عربية

العراق: «داعش» تقود حملة ارهابية لفرض ارادتها على المدن

هل فعلاً دخل تنظيم «القاعدة» مجدداً عنصراً فاعلاً في المعادلة الداخلية العراقية؟ وهل نجح في التسلل ثانية الى البيئة السنية وبدأ حرباً استباقية مع الذين يناصبونه العداء في هذه البيئة التي ما انفكت تعيش فوق صفيح ساخن وعلى رمال متحركة منذ اعوام عدة، اضافة الى حروبه الاخرى في الداخل العراقي ولا سيما مع حكومة نوري المالكي؟

 هذان السؤالان تصدرا المشهد السياسي العراقي في الايام القليلة الماضية في اعقاب مبادرة تنظيم «الدولة الاسلامية في العراق والشام» (داعش) التي هي واجهة تنظيم «القاعدة» المستجد بعد اندلاع المواجهات في الساحة السورية، الى الاعلان صراحة وللمرة الاولى عن انه يتحمل المسؤولية عن خطف وقتل 18 سنياً في منطقة الطاربة في شمالي بغداد تحت ذريعة انهم «مرتدون»، والتي بينها بيان التنظيم على اساس انها تتأتى من «لقاء لهؤلاء مع ضباط من الجيش العراقي من اجل اقامة نوع جديد للصحوات».
وقد اراد هذا التنظيم ان تكون عملية الاعدام هذه رسالة مدوية لمن يعنيهم الامر، اذ جرت في وضح النهار وتمت من خلال دخول مجموعة من التنظيم يرتدي افراده زي القوى الامنية الرسمية الى مكان اللقاء واسر جميع من كان حاضراً ومن ثم تمت تصفيتهم.
والمعلوم ان ثمة احداثاً من هذا النوع سبقت هذه العملية، واخرى تلتها، وتركزت اكثر ما يكون على اغتيال مشايخ عشائر وفاعليات، اضافة الى استهداف مأتم تشييع نجل احد قادة الصحوات في محافظة ديالى المضطربة. لكن اللافت ان عملية التصفية الجماعية كانت نوعية وتنطوي على الكثير من الابعاد الخطيرة وترسم بالتالي خط سير تنظيم «داعش» في المرحلتين الراهنة والمقبلة.
والعنوان العريض الذي يسعى اليه هو بث الرعب وبعث الترهيب في نفوس المجموعات والفاعليات والقوى التي يمكن ان تقف لاحقاً في وجه مشاريع «داعش» المرحلية والاستراتيجية في الساحتين العراقية والسورية على وجه التحديد، خصوصاً في المحافظات والمناطق ذات الغالبية السنية.

اهداف عديدة
وعليه، فإن ثمة من المراقبين للشأن العراقي من بات يخشى حقيقة ان يكون الوجه القبيح لتنظيم «القاعدة» اي (داعش) قد شرع في تنفيذ هجمة وقائية شرسة ودامية تهدف بشكل رئيس الى تحقيق اهداف عدة دفعة واحدة ابرزها:
– الحيلولة دون تكرار تجارب مجالس «الصحوات» التي برزت وخصوصاً في الفترة ما بين عامي 2002 و2006 بشكل قوي في المناطق العراقية ذات الغالبية السنية، وشكلت حالة اعتراض حقيقية في وجه تمدد تنظيم «القاعدة» وتفرعاته يومذاك بقيادة ابو مصعب الزرقاوي الذي قتل لاحقاً. ولقد نجحت هذه المجالس كما هو معلوم في ذلك الحين في ضرب قواعد ارتكاز كان تنظيم «القاعدة» قد قال انه زرعها في ارض تلك المحافظات، ومن ثم نجحت في محاصرة وجود هذا التنظيم بعدما اوشك ان يصير امراً واقعاً عصياً على الاجتثاث، وبعدها عملت على دحره وتقليص حضوره الى اقصى الحدود، بعدما اعادت تجميع القوى والعشائر والشخصيات المتضررة من هذا التنظيم المستجد والمعارضة له ولنهجه السياسي التي افضت الى ما يشبه حرباً اهلية على اسس مذهبية.
وعليه، فإن ذروة ما فعلته مجالس الصحوة تلك، انها سحبت البساط سنياً من تحت اقدام تنظيم «القاعدة» الساعي بوضوح الى الامساك اولاً بزمام قرار سنة العراق، وتنصيب نفسه حصرياً ناطقاً بلسانهم ومعبراً عن توجهاتهم، وتلك مهمة ما كان بمقدور احد ان يحققها الا المجالس نفسها لما لها من حضور قوي في البيئة العشائرية السنية العراقية.
– لذا يبدو واضحاً ان «قاعدة» اليوم تنطلق في «رحلتها» الجديدة من داخل العراق متعظة مما حصل لسالفتها، ومصممة على عدم تكرار اخطائها وهفواتها السابقة التي ادت الى شطبها نسبياً من الخريطة السياسية العراقية يومذاك.
لذا، فإن «داعش» ارادت من خلال ممارساتها الارهابية اخيراً ان توجه رسائل قوية وحادة الى البيئة التي يمكن ان تشكل مواقع ممانعة لها ومضادة لتوجهاتها ومساعيها.

 تصعيد داعش
ولقد كان سياقاً طبيعياً بالنسبة الى بعض المراقبين ان تشرع «داعش» في تصعيد خطها الهادف الى الهاء خصومها وتقليل حركتهم سلفاً وافقادهم توازنهم، وذلك بعدما تناهى الى علم الجميع امران:
الاول: ان الحكومة العراقية هي في صدد اعادة  تفعيل حركة مجالس الصحوة بعد رفدهم بعناصر الدعم والاسناد ليستأنفوا عملية مواجهة تنظيم «القاعدة» بكل اشكاله وخصوصاً في المناطق ذات الغالبية السنية.
وفي الوقت نفسه تحدثت المعلومات عن عودة الروح الى اقنية الاتصال بين المالكي وعدد من اقطاب محافظات الوسط وخصوصاً في محافظة الانبار حيث اجتمع المالكي مع وفد من مجلس هذه المحافظة واتفق معهم على السماح بتطويع نحو ثلاثة آلاف من الشبان لمهمة اساسية وهي حماية الامن والاستقرار في هذه المحافظة، وبالتالي مواجهة اي قوة تسعى الى احداث تغيير في اوضاعها وهي خطوة عدها الكثيرون بأنها تحول نوعي له ما له مستقبلاً.
الثاني: ان ثمة شيوخ عشائر وفاعليات عدة في محافظات الوسط عادوا الى تجميع قواهم وتفعيل انشطتهم في سبيل هدف واحد وهو مساعي تنظيم «القاعدة» الاكثر جرأة ووضوحاً هذه المرة بغية السيطرة على مقاليد الامور وزمام الاوضاع في محافظاتهم، وبغية فرض امر واقع جديد من شأنه ان يبدد زعامتهم ومواقعهم الاجتماعية وان يفتح باب المواجهة بين هذه المحافظات والحكومة المركزية في بغداد،خصوصاً اذا ما مضى هذا التنظيم قدماً في الهدف الذي سبق واعلنه وهو فتح الحدود بين سوريا والعراق، من جهة محافظة الانبار الحدودية مع سوريا لتكون نواة وقاعدة دولة العراق والشام الاسلامية.
وهذا يعني بشكل او بآخر ان «قاعدة» اليوم الداخلة بقوة الى الميدان العراقي تمتلك مواصفات وتحتفظ بأهداف وطموحات واحلام ممتدة وواسعة اكثر بدرجات من العقد الماضي، اذ ان هدفه لم يعد فقط الهيمنة على مناطق ومحافظات عراقية محددة وجعلها نقطة ارتكاز لتخريب مسار العملية السياسية الناشئة حديثاً يومذاك في العراق، او فرض شروط ووقائع جديدة، بل ان اهدافه اتسعت طولاً وعرضاً لتبلغ حد التفكير بحكم العراق وسوريا
معاً على الاقل، لفرض امارة اسلامية على محافظات عراقية وسورية معاً بعد ازالة الحدود التقليدية بينهما واسقاط كل ما من شأنه اعاقة تحقيق هذا الهدف ولو باستخدام القوة.

 استغلال
ولم يعد خافياً ان «داعش» تستغل في هذا السبيل امرين  اساسيين هما:
– تنامي قوتها وحضورها في الشمال السوري بحيث صارت الرقم الاول في هذه المناطق الخارجة عن سيطرة قوات النظام في دمشق، ولا سيما بعدما اضعفت الى حد بعيد باقي التنظيمات والالوية المعارضة.
– ان المناطق والمحافظات العراقية التي تحلم «داعش» بوضع اليد عليها تعيش حالة انفصام مع السلطة المركزية في بغداد وخصوصاً منذ مطلع العام الجاري، واكثر من ذلك تعيش نوعاً غير مسبوق من التمرد على حكومة بغداد، ويطرح قادة التمرد هناك شعارات اقرب ما تكون الى الدعوة الى اقامة كونفدرالية تسمح لهذه المحافظات بحكم نفسها بنفسها بعدما اقنعت نفسها بأن حكومة المالكي وما تمثل من توجهات هادفة الى القبض بيد من حديد على زمام السلطة وممارسة سياسة تمييز طائفي ومذهبي تفضي الى تكرار تجربة نظام الرئيس السابق صدام حسين التي اتصفت بالديكتاتورية والشمولية.
ولا ريب في ان ثمة من يرى ان تطوراً آخر دفع «داعش» واخواتها الى تصعيد وتيرة ممارساتها الارهابية والايحاء الى من يعنيهم الامر بأنها باتت في وارد نمط جديد من الاعمال بغية ارهاب الخصوم، وهو اقتراب موعد الانتخابات النيابية العراقية المقررة مبدئياً في النصف الاول من شهر نيسان (ابريل) المقبل.
فالواضح ان «داعش» تريد من الان ان تحول بين سنة العراق وهذه الانتخابات واستطراداً لا تريد لهم كما في السابق ان يلتحقوا بركب العملية السياسية من خلال مشاركتهم بالانتخابات المقرر اجراؤها ترشيحاً او ذهاباً واسع النطاق الى صناديق الاقتراع، وذلك لتكرار تجربة اولى، وبالتحديد في اول انتخابات عامة جرت في العراق بعيد الاحتلال الاميركي لهذا البلد حيث قاطع السنة العرب بنسبة عالية جداً بهدف اساسي وهو عدم اعطاء اي شرعية لاي حكم يأتي بفعل الانتخابات العامة، توطئة لجرهم مجدداً الى دائرة التمرد على العملية السياسية ومقاطعتها لرفع منسوب الشعور لديهم بالمظلومية والاضطهاد والاقصاء.

هل تنجح؟
امام هذا السيل من الوقائع والمعطيات، فإن السؤال المطروح هو: هل سينجح تنظيم «القاعدة» بشخص «داعش» هذه المرة في تحقيق ما عجزت عنه في مناسبة سابقة اي الامساك بزمام الامور في محافظات الوسط والانتشار بصوت سنة العراق؟
بالطبع ثمة سباق محموم بين هذا التنظيم المنتشي حالياً اكثر من اي وقت مضى بما يعتبره انجازات، والجهود المكثفة لحكومة المالكي لجبه هذا الخطر المتجدد عليها؟
والواضح ان حكومة المالكي تتصرف على اساس انها نجحت في تحقيق حملة انجازات ميدانية وخصوصاً في صحراء الانبار وعلى الحدود مع سوريا، ونجحت حسب ماكينته الاعلامية في تحجيم نشاط المسلحين ووقف تسلل المسلحين والقضاء على معسكرات تدريبهم ومراكز توجيههم.
وعلى المستوى السياسي تعتقد حكومة المالكي انها ايضاً نجحت في حملة عنوانها العريض الحيلولة دون تسلل «داعش» مجدداً الى المعادلة السياسية السنية في العراق، وذلك عبر مد خطوط التواصل مع شخصيات وفاعليات وقوى اساسية داخل هذه المعادلة ودفعها الى التصدي لهجمة «داعش».

ابرهيم بيرم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق