دولياترئيسي

الطالبان يعودون الى واجهة افغانستان

يشهد المسرح السياسي العالمي، تطورات عدة، اشعل اثنان من ابرزها، حربين على طريق السلام، في افغانستان ومالي، واجج الثالث، اضطرابات اجتماعية حيث لم يكن احد ينتظرها: البرازيل، في موسم كرة القدم.

مسار السلام، بدأ في افغانستان وانشأ الطالبان – منذ السنة الماضية – مكتباً في قطر، وأوفد الرئيس الافغاني، كرزاي، بعثة للتفاوض المباشر، وكذلك فعلت الولايات المتحدة، في اول لقاء مباشر لها مع الثوار الافغان، حول موضوع قيل انه يتعلق بتبادل الاسرى فقط.
مفاوض الاميركيين وحكومة كابول، وعن الطالبان، ستكون لجنة حركة الطالبان السياسية التي تضم «ممثلين عن كل احزاب المقاومة وفروعها»، بموافقة الملا عمر الذي كان على رأس النظام الذي اسقطه التدخل العسكري الاميركي في سنة 2001، واعلنت منظمة «حقاني» وهي التعبير الاكثر عنفاً  في حركة الطالبان انها لن تشارك مباشرة، ولكن الاميركيين يشيرون الى انها ستكون «ممثلة بلجنة الطالبان السياسية».
خبر مفاوضات السلام، خرج في وقت واحد من الدوحة وواشنطن وكابول. ولكن الرئيس الاميركي اوباما، كان السباق في ابلاغه الى مؤتمر الثماني. ثم فاجأ كرزاي العالم، بالاعلان عن انه يقطع المفاوضات الجارية في كابول، لعقد اتفاقية ثنائية مع الاميركيين حول شؤون الامن في افغانستان.
ويعتقد المراقبون ان السبب كان اعلان واشنطن عن انها تدعم مسار السلام الذي يقوده الافغان، وبينما ارسلت الولايات المتحدة الى الدوحة، الموفد الخاص الى افغانستان وباكستان، جيمس دوبينز كذبت انها تتفاوض مباشرة مع الطالبان، حول السلام في افغانستان.

تعهد الطالبان
وتقول المصادر الاميركية: «ان الطالبان تعهدوا خطياً، بتجنب ان تعتمد افغانستان، مستقبلاً منطلقاً لاعتداءات على دول اخرى». فكان هذا التعهد، «شرطاً لفتح المكتب في قطر»، بينما هدف المفاوضات، في نظر الاميركيين هو «التوصل الى قبول الطالبان، بالانفصال الكامل عن القاعدة، والتراجع في صورة كاملة عن استعمال العنف والاعتراف بدستور افغانستان».
وتوافق الاعلان في ايرلندا الشمالية، مع الاحتفالات التي كانت تجري في كابول لانتقال السلطة من قوات الحلف الاطلسي الى القوات الحكومية الافغانية، في آخر مرحلة انتقالية قبل انسحاب القوات الاطلسية المقاتلة في ربيع السنة المقبلة.
وفي اطار ما يجري يبرز شبح رجل، اسمه الملا عمر، نادى به طلاب المدارس القرآنية، من الباشطون، في 4 نيسان (ابريل) 1996، «اميراً للمؤمنين» استولى بعد حرب دامت سنتين، على السلطة في افغانستان، ولم يكن احد في الغرب، يعرف اي شيء عن الرجل، الذي استقبل اسامة بن لادن، في افغانستان، ولكنه لم يشارك في عمليات 11 ايلول (سبتمبر) ويروى انه هرب، لدى وصول الاميركيين على دراجة نارية، من دون ان ينظر الى المصور الذي كان يغطي خروجه.
وليس هذا الهارب الكبير، الذي تلاحقه كل مخابرات العالم، والذي وعد الاميركيون من يساعد على القبض عليه، بمكافأة قدرها 25 مليون دولار سوى المحاور الاساسي، في المفاوضات الآيلة الى انهاء الحرب في افغانستان، والى تجنب تقسيم البلاد.
وقد يكون احد الاسباب، التي اثارت حفيظة حميد كرزاي، الذي يرى في هذه المفاوضات خشبة خلاص، هو ان الناطق باسم الطالبان، رفع لوحة الامارة الاسلامية، على مدخل مبنى الممثلية. ولكن جرت ازالة هذه اللوحة.
فهل اننا امام انتصار ام هزيمة؟
فمن افغانستان، خرجت الامبراطورية البريطانية في القرن التاسع عشر، مهزومة، وهكذا خرج الاتحاد السوفياتي في العام 1989 محطم العظام.
وهناك شيء مؤكد هو ان الطالبان لم يهمشوا وان المفاوضات الجارية ليست بين منتصر ومهزوم، انها مبادرة تصحح خطأ فاضحاً: ان اتفاقية بون، التي وقعت في سنة 2001، بعد الغزو الاميركي كانت استثنت الطالبان، بينما مشاركتهم ربما كانت، وفرت التمرد الذي بدأ في سنة 2003.
ولكن رد الاميركيين وحلفائهم لا يمكن ان يكون نهائياً، بعد، كما ان موعد الانسحاب النهائي في سنة 2014، ليس حاسماً، لان بعض القطعات ستبقى لمساعدة الافغان، عسكرياً.
ولا بد من ان ننتظر، كيف سيتعامل النظام الافغاني، مع الطالبان، في الحل وادارة شؤون البلاد. لان الطريق طويلة، وتشمل اطلاق سراح السجناء في باغرام وغوانتامو، والعقدة التي تطارد الطالبان، هي تحرير قادتهم من السجن.

ازمة في البرازيل
وعلى ضفة بعيدة اخرى من العالم، ازمة مفاجئة لم يكن ينتظرها احد، حين وقعت. فالبرازيل لم يكن لها، حتى الآن، «شرف» الظهور على صفحات الاخبار الاولى. بسبب تظاهرات احتجاج اجتماعية، وخصوصاً في عز زمن احداث كروية، يمثل فيها المنتخب البرازيلي دوراً بارزاً والمرشح الابرز للفوز به.
ولكن الازمة التي تعيشها البرازيل، جدية وحرجة، هذه المرة: مئات آلاف المتظاهرين نزلوا الى الشارع، «واحتلوا» مقر البرلمان في برازيليا، حيث صعد مئات الطلاب الى سطح المبنى ورفعوا يافطات تعلن: «ان البرلمان هو لنا».
ولكن ماذا يحصل في بلاد ساعد اتساعها وتناسقها الثقافي على تهدئة الاحقاد وخنق ظواهرها، حتى الآن بالرفض ولعب كرة القدم؟؟
السبب الظاهر اعلنوه: زيادة اسعار النقل العام، اثارت شعور اعتراض مخنوق.
ثلاثة عناصر، تشرح اسباب هذا الانفجار العنفي غير المنتظر:
1- قناعة الشباب بان النمو الاقتصادي الهائل الذي تعيشه البلاد، لم ينعكس على سائر ابنائها.
2- ان الاموال التي تصرف على بطولة العالم لكرة القدم 2014، والعاب 2016 الاولمبية، انتزعت من ميزانيات قطاعين شديدي الحساسية هما الصحة والتربية، اللذان يحتاجان الى التمويل العام. من هنا قيام حركة «كوبا برا كوسيم». اي «الكأس لمن» كما للقول… ان الاموال تذهب الى مجالات سياسية واجتماعية، خاطئة.

التضخم
واخيراً، ان التضخم يبتلع القوة الشرائية لقطاعات واسعة من المستهلكين، مثل هذا التحذير. اطلقته منظمات اجتماعية متنوعة، ولكن الرئيسة ديلما روسف، لم تتوقف عندها، فالمأخذ عليها هو عدم قابليتها للحوار مع الجماهير. فواجهت الاضطرابات الاخيرة، كما غيرها، بلا مبالاة، الى ان عادت فاعتبرتها دليل عافية، ديموقراطية.
والبرازيليون الذين تظاهروا، طوال الايام الماضية احتجوا مثلاً كذلك، على «الافيال البيض» وهو الاسم الذي يطلقونه على ملاعب كرة، (تصوروا) اقيمت في مدن ليس فيها اي نشاط كروي، مثل ملعب غارينخا، في برازيليا العاصمة، التي فرضتها ديكتاتورية الاتحاد الدولي لكرة القدم ومصالحه فجمهور فريق العاصمة لا يتعدى 5000 متفرج، بينما كلفت اعادة بناء الملعب القائم، موسعاً، حوالي 700 مليون دولار، وهو رقم قياسي، في دنيا بناء ملاعب كرة القدم.
وكذلك بناء ملعب كرة في ماناوس، في ولاية الامازون، حيث لا يوجد فريق من الدرجة الثالثة، حتى فلن يكون الملعب اذاً ذا فائدة، بعد بطولة العالم.
فما هي المصالح التي فرضت مثل هذا التبذير؟

اتفاق مالي
اما الحدث الاخير البارز فهو اتفاقية وصفها الاتحاد الاوروبي، بالتاريخية وهي التي توصلت اليها حكومة مالي مع المتمردين الطوارق، الذين كانوا يسيطرون على الجزء الشمالي من البلاد، لوقف القتال، بعد سنة من الحرب الاهلية واسبوعين من المفاوضات المضنية في واغادوغو، عاصمة بوركينا فاسو.
وينص الاتفاق المرحلي، على عودة قوات نظامية وموظفين حكوميين، مباشرة، الى كيدال، عاصمة المنطقة، التي تحمل الاسم ذاته، وتقع في شمال – شرق البلاد. على الحدود مع الجزائر، التي كانت تشكل منذ دائماً قلعة المتمردين المحصنة. وكان الطوارق استرجعوا سيطرتهم عليها، في اواخر كانون الثاني (يناير)، بعد انسحاب جهاديي انصار الدين، حلفائهم السابقين، تحت ضربات القوات الخاصة الفرنسية.
وتنص الاتفاقية على انشاء لجنة من الجيش، ومن الطوارق، ومن مراقبين دوليين، لتنظيم نزع سلاح المتمردين وخطوات عودة الجيش الى المنطقة.
فتكون ازيحت آخر العوائق من امام اجراء الانتخابات العامة في مالي، في 28 تموز (يوليو).
وكانت السيطرة على كيدال، تحولت الى آخر عقدة في الصراع الذي ضرب مالي، خلال السنة ونصف السنة الماضيين، اي منذ ان بدأت الحركة الوطنية لتحرير ازاواد، عملياتها، مدعومة من مجموعات جهادية وارهابية، مثل انصار الدين، وموياو، وما يسمى بالجناح المغربي للقاعدة، التي وضعت الحكومة في الزاوية، في اذار (مارس) 2012. وانتهى الصراع بين الطوارق والجهاديين، الى انتصار الاخيرين، عسكرياً والى طرد الطوارق، حتى تدخلت القوات الخاصة الفرنسية، واعادت السلطة في غاو وتومبوكتو، الى الحكومة المركزية، واستغل الطوارق الالتباس والفوضى للتقدم في كيدال واستعادة مدينة انيفيس، بعد مواجهة عنيفة مع حركة تحرير ازاواد، وسقوط 30 قتيلاً على الاقل.
وشكلت عودة القوات الحكومية، احدى اهم العقد التي واجهها الاتفاق. فجرى حلها، بالاتفاق على عودة تدريجية. وجرى حل عقدة العفو الذي طالبت به منظمات الثورة، بان تبقى مذكرات الاعتقال من دون تنفيذ، مقابل تراجع المنظمات المتمردة عن طموحاتها الاستقلالية، والاعتراف بعلمانية الدولة.

جوزف صفير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق