رئيسيسياسة عربية

عمليتان اميركيتان كبيرتان ضد القاعدة في ليبيا والصومال

احداث سوريا. بشقيها الحربي والانساني، مروراً بالاسلحة الكيميائية، لا تزال تطغى نسبياً على موجات العنف المتواصلة، في دول عربية اخرى، مثل ليبيا التي تعيش موجة من العنف المتزايد، من سيىء الى اسوأ، وتضرب شخصيات مدنية وعسكرية، ومباني رسمية، وممثليات ديبلوماسية، وعملية كوماندوس، لقتل زعيم قاعدي، على شاكلة ما حصل مع اسامة بن لادن، في نهاية الاسبوع الماضي.

يوم السبت 5 تشرين الاول (اكتوبر)، تدخلت قوات اميركية خاصة، لتعتقل احد قادة التيار القاعدي في ليبيا: ابو انس الليبي (49 سنة)، الذي كان احد اقرب مساعدي بن لادن، قبل ان يعود الى ليبيا، بعد لجوء طويل الى ايران. وفي ليبيا، لكن ابو انس يتجول، في  كل حرية، بعد ان عفت عنه السلطات المحلية، ولكن بقي على لائحة الاهداف الكبيرة التي تسعى وراءها «اف. بي. اي». كان هو الذي خطط في نظر الولايات المتحدة للاعتداء على السفارتين الاميركيتين، في كينيا، وتانزانيا، في 1998، اللتين سقط فيهما اكثر من 200 قتيل، وكان القائد القاعدي على متن سيارته، عندما اجبرها مسلحون كانوا على متن ثلاث سيارات، على التوقف، ويبدو ان الليبي، وقع في شراك عملية مشتركة بين «اف. بي. اي» و«سي. اي. ايه»، والبنتاغون، ثم جرى نقله الى «مكان آمن خارج ليبيا».
وقد لا يكون غريباً، ان يكون نقل الى القاعدة الاميركية في سيغونيللا الايطالية، التي رفع الاميركيون عدد جنودهم فيها من 200 الى 450 قبل العملية بايام. وكانت واشنطن اعربت عن سخطها من تصرف الحكومة الليبية تجاه القائد القاعدي، وعدد من المشتبه بانهم شاركوا في الاعتداء على القنصلية الاميركية في بنغازي. والخوف الآن هو من ان ينتقل الجهاديون الى الانتقام.

عملية سابقة
وفي اليوم ذاته، وغداة ذكرى معركة 3 تشرين الاول (اكتوبر) 1991، التي سقط فيها 18 جندياً اميركياً، ورواها فيلم «بلا هوك داون»، اقتربت قوة من كوماندوس البحرية الاميركية من باراوه على الشاطىء الصومالي، وحاولوا الدخول الى الفيلا المطلة على البحر التي كان يقيم فيها هدفهم وهو احد قادة «الشباب»، كما خططوا لها طوال عشرة ايام، ونشبت معركة، تدخلت فيها طوافات عسكرية، ولكن الاميركيين انسحبوا بعد ساعة، بسبب المقاومة التي واجهوها، وتعتبر باراوه، احدى قلاع الشباب على الشاطىء، وسبق ان كانت مسرحاً لعمليات اميركية، قتلت احداها، صالح نبهان، القائد القاعدي الاخر – قبل اربع سنوات – ويعتقد ان شخصاً، يدعى عمر، مرتبط بعلاقات قرابة مع نبهان، شارك في المجموعة التي زرعت الموت، منذ ايام، في محلات وستغايت الكبرى، في نيروبي.
واذا كان تأكد فشل العملية، فان الهدف الذي كانت تسعى وراءه، لم يتضح بعد، وقيل انه مختار ابو الزبيري، الملقب بفودان، القائد الحالي للمجموعة الارهابية المرتبطة بالقاعدة ولم يعرف مصيره، قتل ام خطف ام فرّ. وقيل انه كان احد الذين خططوا لمجرزة وستغايت.
وقيل ان متطرفاً شيشاني الاصل، كان بين المجموعة المعتدية.
وكانت السفارة الروسية في طرابلس، تعرضت لهجوم بالبازوكا ولمحاولة اقتحام، لم تسقط فيهما اية ضحية بين الديبلوماسيين الروس، على نقيض الاعتداء على القنصلية الاميركية في بنغازي، الذي ادى الى مقتل السفير. وجرت العملية انتقاماً، لمقتل ضابط في الطيران الليبي، على يد احد المسلحين الروس. واعلن الناطق باسم وزارة الخارجية الروسية، الكساندر لوكاشفيتش ان موسكو سحبت كل افراد السفارة، عبر تونس، لضمان سلامتهم، بعد ان ابلغتها طرابلس انها عاجزة عن ضمان سلامة السفارة وطاقمها.
وتلا ذلك، مقتل 16 جندياً ليبياً، وجرح آخرين، في هجوم على موقع عسكري جنوب طرابلس في منطقة وشتاتا، على الطريق بين بني وليد وترحونا، وتعتبر العملية احدى العمليات الاعنف التي شهدتها ليبيا، مثل مقتل القذافي قبل عامين.

رقم قياسي
وتسعى السلطات الليبية، عبثاً، الى وضع حد لاعمال العنف، التي تتكاثر ، خصوصاً في مدينة بنغازي، التي تضرب الرقم القياسي في اعمال القتل، وتصفيات الحساب. ففي الاسبوع  الماضي، قتل في المدينة التي انطلقت منها الثورة على القذافي ثلاثة ضباط من الجيش والشرطة في يوم واحد، في ثلاث عمليات منفصلة. فقتل الملازم في سلاح الجو، علي الدغاني، في انفجار قنبلة وضعت تحت سيارته، قرب احدى اسواق بنغازي، وعلى بعد امتار، قتل الضابط في الشرطة، بلحسن الثروي، بتفجير  سيارته بقنبلة وقتل الكولونيل عبد القادر المعدني، بسبع رصاصات اطلقت عليه امام منزله.
وتشهد المدينة التي كانت مهد الثورة على العقيد، عمليات تصفية متبادلة بين قيادات في الثورة وضباط سابقين في اجهزة الامن القذافية، اضافة الى عمليات انتقامية وتصفية حسابات تقوم بها عائلات ضحايا العهد السابق، وعائلات وناشطون ضد جماعة العهد القذافي، وحتى الميليشيات الثورية، فيشارك الجميع في نشر الرعب والقتل في كل انحاء البلاد، مما جعل السلطات هنا، كما في سائر ليبيا، تعترف بعجزها عن ضمان الامن، بينما توزعت الميليشيات، اسلحة النظام السابق حصصاً واغتصاباً.
وفي هذه الاثناء بدأ اول 400 شرطي درّبهم الطليان، في الانتشار في بنغازي وسيصبح عددهم 4000 في آخر السنة، من المفترض فيهم ان يضعوا حداً للفوضى، ويعيدوا الامن وينزعوا سلاح ميليشيات امراء الحرب الثوريين، الذين يسودون على هواهم و… مصالحهم، في ليبيا كلها، وهذا موضوع آخر.
وهناك مشكلة صغيرة، وهي ان عدد رجال الميليشيات المسلحة هو 200 الف، جيدي التسلح، لا يأتمرون الا بقادتهم وابرزهم هاشم بشير الاصولي التوجهات، فهو يسيطر على طرابلس وضواحيها ويأتمر به 100 الف مسلح. يطالبون بأجور تقاعدية، عن خدماتهم في القوات المسلحة والادارات العامة والشرطة والجيش، ولا يخضعون لأية سلطة اخرى، بما فيها حكومة علي زيدان المؤقتة.
اما في بنغازي فان القيادة هي لميليشيا «ليبيا شيلد» المكونة من 20 الى 30 الف مسلح، والتي تقيم علاقات مطاطة مع وزارة الداخلية، التي تدعي تمثيلها او الحلول مكانها، لضمان الامن، ولا يمر يوم من دون ان تقع حادثة تصفية حسابات، واعتداء. وكان بين آخر الجرائم البارزة، قتل يوسف السفير، نائب رئيس القضاء العسكري بتفجيره مع مرافقيه، في 29 آب (اغسطس)، والعقيد في جيش القذافي، سليم آورقي، الذي قتل بالطريقة ذاتها في 15 ايلول (سبتمبر).

تنظيمات
وتدور في فلك التنظيمين الاساسيين، عشرات التنظيمات الصغيرة، يقول رجالها انهم قاتلوا نظام القذافي، ويلتقي حول الوية اخرى، عمال الحقول النفطية ومرافىء تصدير منتوجاتها، يطالبون بزيادة اجورهم، وابعاد اداريين عملوا في ايام القذافي، وبحصص من النفط، تدفع الى الميليشيات التابعين لها. وعندما هددت سلطات طرابلس، عند بداية الاضراب باستعمال القوة لوقفه، عمدت الميليشيات العمالية الى محاصرة وزارة الداخلية، واجبرت الوزير على اعادة النظر بقراراته.
وترتدي الاحداث، طابع الصراع بين السلفيين والاخوان المسلمين، الذي ضرب كل ثورات الربيع العربي، من مصر الى سوريا، الى تونس، بينما تتهم بنغازي السلفية، البرلمان في طرابلس، الذي يسيطر عليه الاخوان بالسعي الى الاستيلاء على كل مداخيل النفط، مثلما كان يفعل القذافي، بينما تتهم طرابلس بنغازي بالسعي الى بيع نفط سيرينايكا، مباشرة، من دون المرور بالحكومة المركزية. وعندما هددت حكومة زيدان بنسف ناقلات النفط ومصادرة مرافىء التصدير بواسطة الجيش، رد الجنرال السابق ابرهيم علي جاثران، الذي يسيطر على مرفأ بريغا المركز النفطي الاهم وعلى قوة عسكرية حقيقية وليست وهمية، بان اقوال رئيس الحكومة، هي «اعلان حرب» وانه سيقاوم بكل الوسائل، وكانت نتيجة الصراع، ان اضطرت ليبيا الى استيراد النفط، الذي تعتبر من كبار منتجيه، من مصر، وفي هذه الاثناء هدد الاخوان المسلمون، الذين اضعفتهم تطورات القاهرة بسحب الثقة من حكومة زيدان، مدعومين من المفتي. الغرياني، الذي يتهم رئيس الحكومة، بعدم الجدارة.

ضغوط اميركية
وفي الانتظار تقول الصحف الاميركية ان واشنطن تواصل الضغط على طرابلس لتسليمها احمد ختاقة، احد قادة «ليبيا شيلد» المتهم بتزعم القوة التي قتلت السفير الاميركي، كريس شيفنز، في بنغازي، مع فريق من عشرة شاركوه في قيادة العملية، حددت اماكنهم الطائرات من دون طيار، ودعمت تواجدها في قاعدة سيغونيلا الايطالية من 200 الى 450 من رجال المارينز، بينما الاكثر ارتباطاً بالقاعدة هي الالوية المسيطرة على طرابلس وان قتل ختاقة بواسطة الطائرات دون طيار، قد يشكل ضربة لا تتحمل ذيولها حكومة زيدان، وتشعل بركاناً اصولياً في كل ليبيا، التي ليست هي باكستان ام افغانستان ام اليمن. وبعد، الولايات المتحدة، كان دور سفارة روسيا.
وقد يكون ذلك، بين الاسباب التي ساهمت في احجام اوباما عن ضرب سوريا. وفي المناسبة، خرجت «نيويورك تايمز» بدراسة للصحافية روبين رايت، صاحبة كتاب «غضب وتمرد في العالم الاسلامي» والمحللة في «مركز الولايات المتحدة للسلام» و«مركز ويلسون» حول خريطة فرضية، للعالم العربي الذي سيخرج بعد الزلزال الدائر، وتخيلها هو ان 14 دولة ليس اقل، ستخرج من 5 دول عربية، من دون التوقف عند مدن – دولة، مثل مصراته الليبية.
فاذا كانت الثورة الليبية، مثلاً، قامت رداً على استبداد العقيد، فانها كانت كذلك، استجابة لمطالبة منطقة بنغازي المتمردة على سلطة طرابلس، بالانفصال، والحديث هنا هو حول منطقتين جغرافيتين متمزيتين، ومجموعتين قبليتين. فان شعب منطقة طرابلس، هو اكثر توجهاً نحو المغرب والعالم الاسلامي الغربي، فان ابناء منطقة سيرينايكا، الاقرب الى الاسلام الشرقي، فانهم يعتبرون اعداء ثقافياً واقتصادياً، لجماعة طرابلس، التي كانت تتولى، منذ عهد القذافي، السيطرة على مداخيل النفط، التي تأتي 80 في المـئة منها من سيرينايكا، ليبيتان تقومان في الفعل منذ ان اعلن المجلس الوطني في سيرينايكا، الحكم الذاتي، وربما ليبيا ثالثة، مع تواجد قبائل واثنيات في فزان، مختلفة عن جماعة طرابلس وسيرينايكا.

بعد الربيع العربي
واذا كان العراق تمكن حتى الآن، من مقاومة البلقنة، بفضل اهتمام العالم الخارجي بثرواته الطبيعية، فان الحرب الاهلية في سوريا، تشعل العراق، كذلك، الذي يعتبر الجبهة الاولى، للصراع الشيعي – السني، وفي اطار، تخيل سياسي – جغرافي، ترى المحللة الاميركية رايت ان الاقلية السنية، في الانبار، هي اكثر ارتياحاً لوحدها ويستطيعون الاعتماد على السنة السوريين، بينما قد يتحول الجنوب الى شيعيستان وترتبط كردستان العراق بكردستان السورية.
ويدخل اليمن في المجموعة المرشحة لطلاق جغرافي، في غياب اية وحدة روابط وطنية وثقافية، وكانت اليمن احدى افقر الدول العربية، اطلقت بعد سقوط عبدالله صالح، ما يسمى بالحوار الوطني، لمواكبة البلد الى نظام جديد، مقابل مطالبة الشمال والجنوب، باستفتاء على الاستمتاع بتقرير المصير. فكيف ستكون طبيعة الشرق الاوسط، عندما تهدأ رياح الربيع العربي؟!.

ج. ص
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق