دوليات

آفاق عثمانية وراء سياسة اردوغان

أستاذ جامعي لامع، يشغل اليوم منصب سفير صربيا في أنقرة، بعد أن كان على مدى ولايتين، ممثلاً لبلاده في الفاتيكان، ويتكلم 29 من لغات الشعوب التي تسكن بين شبه الجزيرة العربية وأفغانستان، ويعتبر من أفضل البحاثة في شؤون العالم الإسلامي، تحدث قبل سنتين عن الظاهرة التي تؤثر جدياً في شؤون العالم. ولأنه كان يكتب من بلغراد، كان من الطبيعي ان يقول «العثمانية الجديدة»، للحديث عن الطريقة التي تعتمدها تركيا، منذ أمد، سعياً وراء انجازات السلاطين، مكتفية بتجديد الوسائل والطرق، لإستعادة خطوة خطوة، ذلك الذي كان ذات يوم امبراطوريتها.

في البداية، ابتسم بعض النقاد الانكلوساكسون لكن كتاب السفير، تجري اليوم ترجمته في كل أنحاء العالم.
نظرية البروفسور – السفير، داركو تانا سكوفيتش، هي ان السلاطين، كانوا يكتسحون بلاد الغير، بالسيف ثم ينشرون بين الشعوب التي يخضعونها عناصر ثقافة متطورة.
أما اليوم، فإن السيف اسمه ضمانات مصرفية ومشاريع صناعية. ويتفق الخبراء الماليون،على بروز «مرحلة جديدة» مع النفق المسمى «اورازيا»، الذي هو أكبر شراكة بين القطاعين العام والخاص. في قطاع الطرقات جرى تحويل القسم الأكبر منه، من الخارج. فالنفق الذي يبلغ طوله 5،4 كلم، على عمق 25 متراً، تحت نفق البوسفور، بني بفضل مشاركة بين الدولة وشركات كورية جنوبية. وساهم البنك الأوروبي بإعادة الإعمار والتنمية، بقرض 150 مليون دولار. وكان عطل في نظام الإضاءة الكهربائية، ميّز احتفال التدشين.
ويضاف هذا المبلغ الى تمويل بقيمة 1،4 مليار دولار والى قرض 350 مليون دولار، من البنك الأوروبي للإستثمار. اضافةً الى الإمدادات المالية من مؤسستي اكسيمبنك و ك- شور، والى مساهمة ستاندارد آند تشارتر وميزوهو.

اقتصاد الغد
والمثير في المشروع، في نظر المحللين، ليس حجم بنيته التحتية، بقدر ما يشكل المثال الأكثر بروزاً لإقتصاد الغد في تركيا.
ويشرح توماس ماير، المسؤول عن قطاع البنى التحتية في البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، هذا المفهوم: «في سنة 2012، شهدت تركيا وروسيا، أضخم مشاريع المشاركة بين القطاعين الخاص والعام، في أوروبا بما يؤكد أن الأسواق الصاعدة في تركيا، تمثل مجالاً مصداقاً للرساميل الدولية». ويتوقع ماير ان تثير تركيا على ضوء ما سبق، اهتمام «اللاعبين» الدوليين الكبار. بالنسبة الى الإستثمارات الضخمة في مجال التنمية، خلال العشر سنوات المقبلة. والخط الذي تعتمده أنقرة، في هذا المجال هو المشاركة بين القطاعين الخاص والعام، مما يشكل انفصاماً واضحاً مع الماضي. فتركيا كانت أطلقت في الثماني سنوات الماضية مشاريع بنى تحتية، تزيد قيمتها على 40 مليار يورو، لم يشمل نظام المشاركة بين القطاعين الخاص والعام، أكثر من 13 في المئة منها.
وأما اليوم، فإن الحكومة التركية تطرح مشاريع طموحة، تنفذ حتى سنة 2023، الذكرى المئوية لقيام الجمهورية، قيمتها 500 مليار يورو، تشكل المشاركة بين القطاعين الخاص والعام، وهي الطريقة الأهم لتنفيذها.
وبدأت شركات أجنبية، من أوستراليا والنروج والسويد وكندا والولايات المتحدة وايطاليا ومن الشرق الأقصى… تبدي اهتماماً لافتاً، في السوق التركية. ولنا في نفق البوسفور، الذي نفذ مع كوريا الجنوبية مثال على ذلك. اضافة الى الجسر الثالث على البوسفور، الذي سيربط الجزء الأوروبي من تركيا بجزئها الآسيوي، من اسطنبول والذي ستنفذه شركة استالدي الإيطالية، وهو بطول 1،275 كلم. وسيلحق بالجسر، أوتوستراد طوله 414 كلم. وتقول جريدة «التايمز» انه أضخم المشاريع التي تنفذ حالياً، في اطار المشاركة بين القطاعين الخاص والعام في تركيا، بمشاركة بين استالدي وايكتاس التركية.
ولكن العهد الجديد من المشاركات الضخمة الفرعونية الأحجام، قد يصطدم حسب الخبراء، ببنية ادارية وقانونية، تحتاج الى ملاءمة.

قانون موحد
ويشرح رحمت كسلي، نائب رئيس مركز دولي لتطوير التعاون بين القطاعين الخاص والعام، في تركيا: «في مجال البنى الإدارية التي تتعاطى مع النشاطات الدولية، تحتاج تركيا الى سلطة مركزية لإدارة المشاريع. وتحتاج من أجل تنفيذ الخطط، الى قانون موحد للمشاركة بين القطاعين الخاص والعام، يحل مكان الآف القوانين والأنظمة، القائمة حالياً، التي تزيد الفوضى والشكوك».
فإن احدى ابرز المشاكل المطروحة في هذا المجال، هي في نظر رحمت كسلي، ذلك العدد الكبير من الوكالات والمؤسسات، التي تتولّى الإشراف، بينما يصطدم المستثمرون بتعقيدات القوانين والتدابير الإدارية القائمة. ويردف كسلي: «ان تركيا تتمتع بموقع استراتيجي، وبشعب شاب، وبإستقرار سياسي، وبطاقات نمو لا شكوك حولها، مما يساهم في جعل تركيا مغرية في نظر المستثمرين الكبار، بالرغم من الصعوبات التي اشرنا اليها سابقاً. وبالرغم خصوصاً من الازمة العالمية القائمة».
ويرى اوزغور تونا، المسؤول عن تنمية الأعمال في اللجنة الأوسترالية للتجارة في تركيا، ان النتائج الإيجابية التي تحققت، بدأ يعكسها عدد الشركات الأوسترالية التي أظهرت اهتماماً. «ففي السنوات الأخيرة، قدمت شركات اوسترالية عديدة، عروضاً لمشاركات مع القطاع العام التركي. خصوصاً في مجالات الزراعة. وقطاعات المناجم والبحر، والبنى التحتية، في طبيعة الحال». ويراهن المستثمرون خصوصاً، على التطوير الذي تدخله تركيا، على تشريعاتها لتنسجم مع القوانين الأوروبية، كجزء من مسار انضمامها الى الاتحاد الأوروبي. ويدخل في اطار هذه التعديلات، المزيد من المساواة في دنيا المنافسة بين الأجانب والشركات المحلية. ولا بد، في نظر كسلي، من دعم الطاقة الادارية التركية، عن طريق المزيد من اعداد العاملين فيها، «ربما عن طريق دورات تدريبية في الخارج وتدريس اللغات الأجنبية».

تعاون تركي – ياباني
واذا لم تكن الماكينة الادارية جاهزة بعد، لـ «القفزة الكبيرة»، فلا يمكن انكار وجود الارادة السياسية لدعم «الثورة» الإقتصادية الكبيرة في تركيا. فلفت اهتمام اليابان، التي تسعى وراء دعم علاقاتها الثنائية مع تركيا، بعد ان شاركت في ابرز المشاريع التي انجزت مثل نفق السكك الحديدية تحت البوسفور، الذي جرى تدشينه في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي. فزار تركيا مرتين خلال الأشهر الستة الماضية، رئيس حكومة اليابان شينزو آبه. المعروف، بندرة زياراته الى الخارج. وشدد على اهتمام بلاده القوي بتركيا «لأنها البوابة الطبيعية بين الشرق والغرب».
وخلال شهر أيار (مايو) الماضي، وقّعت طوكيو وانقرة على اتفاقية تعاون نووي، مقدمة لتصدير التكنولوجيا اليابانية الى تركيا. ووافقت انقرة على تشكيل كونسورسيوم بين شركتي ميتسوبيتشي اليابانية وتريفا الفرنسية، لإدارة تنفيذ مشروع، قيمته 17 مليار يورو، لبناء عدد من المفاعلات النووية، في مدينة سينوب، على البحر الأسود. وفي آخر تشرين الأول (أكتوبر)، سمي التجمع الياباني – الفرنسي، رسمياً فائزاً بالمناقصة، كل ذلك للحديث عن مشاريع بنيوية.
ونكتفي للدخول في التفاصيل، بالإشارة الى المهمة «العثمانية»، عفواً، التركية التي قام بها رئيس الحكومة رجب اردوغان. الى بلد صغير اسمه كوسوفو على رأس وفد ضم 600 رجل أعمال أي واحداً تقريباً لكل 500 كوسوفي.
وفي «زلة لسان»، لفتت الإنتباه، قال اردوغان: «ان كوسوفو هي وطني الثاني، اننا نتكلم لغة مختلفة ولكننا متساوون»… وأشياء مماثلة اخرى.
بينما تكفي نظرة دقيقة الى الأفق الإقتصادي في البلقان، وتطوراته المتوقعة للدلالة على انه ليس على خطأ.

جوزيف صفير

 

4 مليارات سائح حتى سنة 2017
توقعت دراسات أجرتها المنظمة الدولية للنقل الجوي، (اياتا)، ان تعرف منطقتا الشرق الأوسط وآسيا – المحيط الهادي، أكبر زيادة سنوية في عدد المسافرين جواً، حتى سنة 2017.
وقال تقرير المنظمة الدولية، ان الزيادة في عدد المسافرين جواً، في المنطقتين، سيرتفع سنوياً في معدلات تبلغ 6،3 في المئة و 5،7 في المئة، على التوالي، تليهما افريقيا وأميركا اللاتينية، بمعدلات زيادة، 5،3 في المئة و 4،5 في المئة على التوالي. مقابل ارتفاع عالمي في عدد المسافرين يصل الى 31 في المئة، بحيث يبلغ 3،91 مليار شخص حتى سنة 2017.
واشار مدير اياتا، طوني تيلر، ان لا مفاجأة في ان يستمتع الشرق الأوسط ومنطقة آسيا – المحيط الهادي، بقيادة الصين، بهذه الزيادة الكبيرة في عدد السياح في السنوات المقبلة، «لأن حكومات دول المنطقتين وعت موقع الطيران، في تنشيط التجارة والإنماء. وأردف: ان حوالي 57 مليون وظيفة وحوالي 2200 مليار دولار، تعتمد في صناعة الطيران على المستوى العالمي.
وأشار التقرير الى الجهود التي تبذلها شركات الإتحاد والإمارات وقطر للطيران، لتحويل طموحاتها في تحويل الشرق الأوسط الى المركز الجديد، لحركة الطيران العالمية، على حساب التجمعات التاريخية في اوروبا وآسيا، بينما تجهد شركات اوروربية وعالمية لخدمة خطوط عدة دفعة واحدة وعدم الاكتفاء بالإنتقال من مدينة الى اخرى.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق