صحة

الرياضيون و«الموت المباغت»… حين يضطرب القلب!

وهل هناك أقسى من موت فجائي؟ من سكتة قلبية؟ دماغية؟ نعم، هناك أقسى. هناك ما قد ينحرُ في الصدرِ أقسى من خنجر مسنن وهو موت شاب، رياضي، لا تسعه الدنيا، فجأة! لماذا مات؟ لماذا قد يموت؟ لا لا، لا يموت هكذا شباب دائماً، كما تتمتمون في سركم حاسمين جازمين، بجرعات إضافية «أوفر دوز». ثمة أسباب أخرى مفاجئة قد تتسبب بموت من تليق بهم بعد الحياة كثيراً. ثمة اضطرابات مفاجئة في القلب قد تُدمي القلب!

اللاعب الكاميروني مارك- فيفيان فويه، لاعب كرة القدم الفرنسي دافيد دي توماسو، اللاعب المجري فيكلوس فيهر، لاعب الأهلي المصري محمد عبد الوهاب، العداء الدولي هيثم مشاقي، لاعب السلة الأميركي مارتن ستون… ألا تتذكرون هذه الأسماء؟ ألم تقرأوا على الأقل عن أحد هذه الأسماء؟ إنها نذر من فيض الأسماء الكثيرة على لائحة موت الرياضيين المفاجىء. أف. يا الله. ما أقسى أن يسقط الشاب، المثال، البطل في أذهان الكثيرين، صريعاً على أرض ملعبه! صعبٌ حقاً هذا! فلماذا يحدث ما حدث؟ لماذا مات هؤلاء وهم في قمة الشباب والعطاء والقوة البدنية؟

على دفتر صغير «بلوك نوت» مذيل بشعار المركز الطبي في الجامعة الاميركية في بيروت ومتوج بعبارة: العودة الى المدارس، كتب: فحص القلب المجاني… فهل هذه «سرسبة»؟ هل هو قلق غير مبرر؟ لا بدّ أن يُفكر كثير من الأهالي بهذا وهم يقرأون هكذا عبارة، فنحن، كلنا، نستبعد أن يُصاب الشباب بأزمات قلبية مفاجئة لكن، للأسف، هذا ما قد يحصل. كيف؟ لماذا؟ وكيف نحمي شبابنا من هكذا مصير؟

للقلوب الشابة وصحة الرياضيين

ثمة برنامج تأسس في الجامعة الأميركية في بيروت قبل أشهر باسم «برنامج هشام الحاج للقلوب الشابة وصحة الرياضيين» وذلك إحياء لذكرى وفاة الشاب هشام الحاج (15 عاماً) الذي توفي في ملعب كرة القدم بسبب حالة غير مشخصة لتضخم في القلب. شاب وتضخم في القلب وموت مفاجىء! هزت طبعاً هذه النهاية كل من سمع بها لهذا تقرر أن تصبح بداية لوعي أكبر وهذا ما تمّ… فماذا في تفاصيل اللقاء الطبي الذي نظمه المركز الطبي في الجامعة الأميركية وصندوق «تشامبس» وهو اختصار لاسم البرنامج الجديد؟ وماذا عن هذا الشكل من أشكال الموت؟
الأستاذ المساعد في طب القلب والأوعية الدموية وكهرباء القلب في المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت حدد الأسباب التي تؤدي الى الموت القلبي الفجائي والتي غالباً ما تحدث بسبب عيوب خفية في القلب أو تشوهات مثل تضخم عضلة القلب وهو مرض وراثي يصيب عضلة القلب ما يجعلها تتضخم فلا يعود القلب قادراً على ضخ الدم بسهولة وهناك أيضاً متلازمة «كيو تي الطويلة» وهي تنتج عن مرض وراثي يؤدي الى عدم انتظام في ضربات القلب فيدق بسرعة ويتعب.

خلل غير منظور

هناك إذاً خلل غير منظور، غير محدد، وغير معلوم يتطور فجأة نتيجة الجهد الكبير الذي يمارسه الشاب الرياضي متسبباً بموته. وتحدث عادة هكذا حالات عند الشباب في عمر 12 سنة الى 35 سنة، وبالتالي كل الشباب الذين يعانون من هكذا أمراض خفية، غير ظاهرة، قد يتعرضون الى الموت الفجائي غير أن الرياضيين يكونون عرضة بنسبة أعلى تتجاوز الضعفين نتيجة طبعاً للمجهود الهائل الذي يمارسونه في ألعاب كرة القدم وكرة السلة والركبي وألعاب السباق والسباحة.
والرجال أكثر عرضة من النساء لهذا النوع من الموت المفاجىء، وذوو البشرة البيضاء أقل عرضة من ذوي البشرة السمراء بدليل أن نسبة الأفارقة الأميركيين مثلاً هي أعلى من الأميركيين ذات السحنة البيضاء.

فحص الزامي واستشارة مجانية
الدكتورة منى عثمان الحاج، أستاذة طب العائلة في المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت ومؤسسة صندوق تشامبس، اقترحت جعل الفحص الطبي الدوري إلزامي لجميع الرياضيين في لبنان بما فيه فحص القلب وتحديداً تخطيط القلب الكهربائي، على أن تتوافر دائماً، في الملاعب، آلة مزيل الرجفان الخارجي وأن يكون المدربون الرياضيون مجازين بالإنعاش القلبي الرئوي.
في كل حال، تقرر تنظيم حملة «العودة الى المدارس» بين 17 أيلول (سبتمبر) والثلاثين من تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، يتمكن خلالها كل الطلاب الذين تتراوح أعمارهم بين 12 سنة و24 سنة ويخططون للدخول في فرق رياضية من الحصول على استشارة طبية مجانية كل يوم أربعاء وسبت في المركز الطبي، وتتضمن كشفاً طبياً وفحص ضغط الدم وتخطيط القلب.

تضخم القلب اولاً

تضخم القلب هو المسبب الأهم. إنه يُشكل 36 في المئة من حالات موت القلب المفاجىء، المباغت، عند الرياضيين الشباب في بلاد العم سام. فكيف تتطور الحالة «بغتة» الى موت؟
الثابت إذاً أن هناك علاقة قوية بين الحالة والرياضة لأن نحو ثمانية في المئة منها تحدث أثناء أداء الجسم للجهد العضلي الثقيل. في كل حال يُرجح أن تكون هكذا حالات قد ولدت مع الرياضي أو ربما أصابته بسبب بعض الأدوية التي يكون قد تناولها في مرحلة ما.
ما رأي الطب الرياضي في الموضوع؟
يُعرف الطب الرياضي هذا النوع من الموت المباغت بأنه موت غير متوقع يحدث في فترة قصيرة، لا تتجاوز غالباً الساعة، نتيجة اضطرابات في الشريان التاجي للقلب أو الجلطة القلبية المفاجئة والتي تأتي من دون سابق إنذار. وهذا معناه أن لا أعراض مسبقة قد تُنذر أو تؤشر الى مشكلة كامنة ما. والحل؟ إجراء فحوصات طبية قبل السماح لأي شخص، شاب أو شابة، بممارسة الرياضة. ويفترض التركيز في الفحص السريري، خصوصاً لدى الرياضيين اليافعين، على فحص النبض في الأطراف السفلى في الجهتين، وفحص ضغط الدم وقوفا أو جلوسا وعند الإستلقاء، والتنصت لصوت القلب وقوفاً أو جلوساً وعند الإستلقاء أيضاً.

متلازمة مارفان
ويُنصح أيضاً بالتركيز على علامات «متلازمة مارفان»… فماذا يُقصد بهكذا متلازمة؟
هي تعني اضطراباً في الأنسجة الضامة في الجسم وغالبية من يعانون من هذه الإضطرابات لديهم مشاكل في القلب والأوعية الدموية وصمامات القلب.  
لا أعراض إذا ظاهرة واضحة وهذا ما يجعل المهمة، مهمة التحسب من هكذا «بغتة»، أصعب من سواها، لكن بما أن لا أعراض مباشرة فهل من إشارات ترجيحية ممكنة؟ ثمة من يطلب من الشباب، ومن أهاليهم، أن يلاحظوا بعض الإشارات التي قد تشكل إنذاراً الى مشكلة ما مثل آلام متكررة في الصدر، سعال متكرر، ضربات قلب غير منتظمة، دوار أو غياب عن الوعي، تعب سريع، حساسية تجاه مادة ما، ارتفاع في ضغط الدم، صرع… يفترض إذا عدم الإستلشاء بحالات مرضية متكررة فربما تكون إنذاراً.
يتم الإبلاغ سنوياً، في الولايات المتحدة الأميركية، عن حدوث ما لا يقل عن 25 حالة موت مفاجىء بين الرياضيين. وتشير غالبية الفحوصات التي تجري على الضحايا الى  تضخم في بطين القلب… في كل حال، موت القلب المفاجىء قد يبدأ بفقدان الوعي، وتكاد لا تزيد إمكانية إنقاذ هؤلاء، في حال حدوث الحالة على أرض الملاعب، نسبة 16 في المئة.
شباب؟ رياضيون؟ ممتاز. الرياضة حياة. والجسم السليم في العقل السليم. ما يعني لزوم استخدام الإثنين معاً، العقل والجسم، في بناء بنية جسدية سليمة. والعقل ينمو بالوعي والوعي ينمو بالمعرفة والمعرفة بوابة حلول كثيرة. شبابٌ أنتم؟ مارسوا الرياضة لكن لا ضير، ما دام هناك فحص قد يحمي، من السؤال عن طرق القيام بفحص القلب وقراءة تخطيط القلب الكهربائي للرياضيين. وتذكروا أن حملة حماية قد انطلقت تنتظركم…

نوال نصر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق