أبرز الأخبارحوار

عدنان القصّار: من الأفضل تشكيل حكومة مستقلة… ولم تُعرَض الرئاسة عليّ رسمياً

وسط مكتبه المليء بالأوسمة والدروع التقديرية والاثار الفينيقية والحجارة الكريمة، يجلس رئيس الهيئات الاقتصادية الوزير السابق عدنان القصار يسترجع محطات أساسية من مشوار اقتصادي طويل في لبنان، وصوراً من تاريخ غرفة التجارة والصناعة الذي هو أحد أبرز لاعبيها الاساسيين، وألمعهم وأعلمَهم. اشتهر في عالم التجارة والاقتصاد وترأس عن جدارة اتحاد غرف التجارة والصناعة والزراعة، وبنى مؤسسة مصرفية رائدة تشعّبت فروعها في لبنان والخارج متسلحاً بالقدرة والاستقامة والعلم والخبرة. دخل المعترك السياسي في العام 2005 وتولى حقيبة الاقتصاد في حكومة الرئيس عمر كرامي ثم حقيبة الدولة في حكومة الرئيس سعد الحريري، الى أن بات اسمه متداولاً أكثر من مرة لتولي رئاسة الحكومة وحمل لقب «دولة الرئيس». في رأي القصّار أنه «من المفترض وضع قانون انتخابي لا يزكّي الطائفية بل يحافظ على العيش المشترك، كما من الأفضل في هذه المرحلة أن يتم تشكيل حكومة مستقلة تنال دعم وثقة جميع الأطراف السياسية، وتعمل على وضع رؤية وطنية واقتصادية واجتماعية مدعّمة بآليات التنفيذ، على أن تُطعّم بشخصيات تكنوقراط، جديرة بالنسبة الى حقائب القطاعات التي تحتاج الى تطوير». وعن التداول باسمه لرئاسة الحكومة عند كل أزمة يقول: «اذ أشعر بالفخر والاعتزار بما يعكسه هذا الأمر من ثقة ومصداقية غير أن الموضوع لا يزال سابقاً لأوانه لأنه لم يُعرَض علي بشكل رسمي بعد». ويؤكد «أن شراكة لبنان مع الدول العربية هي شراكة مصيرية واستراتيجية»، مشيراً الى «ان تداعيات الربيع العربي فرضت نفسها على أجواء قمة الرياض الاقتصادية، لكننا لا نزال بعيدين عن الرؤية الإصلاحية العربية المشتركة، خصوصاً مع الضبابية التي تكتنف بعض دول التغيير والأحداث الدامية التي تجري في سوريا». وفي ما يلي وقائع الحوار مع رئيس الهيئات الاقتصادية، الوزير السابق عدنان القصّار.

ما هي أهم مقررات القمة التنموية العربية بالنسبة الى لبنان؟
الاقتصاد اللبناني مرتبط بشكل عضوي بالاقتصاد العربي، وبالتالي فإن أي تقدم يُحقّق في مجال التكامل الاقتصادي العربي مفيد جداً للبنان. ويمكنه أن يستفيد من الإمكانيات التمويلية الجديدة التي أتاحها قرار القمة بزيادة رساميل صناديق التنمية والشركات العربية المشتركة بنسبة لا تقل عن 50%، لتوفير القروض الميسرة لمشروعات تأهيل وتطوير البنى التحتية. وكذلك الأمر بالنسبة الى قرار القمة بتحديد نهاية العام الحالي لاستكمال متطلبات منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى وإزالة المعوقات التي تواجه القطاع الخاص في إطار التجارة العربية البينية، وغيره من القرارات التي تساهم في تعزيز دور القطاع الخاص العربي في الاقتصاد اللبناني، مثل التعديلات التي أقرت على الاتفاقية الموحدة لاستثمار رؤوس الأموال العربية في الدول العربية بقصد تحديثها.

هل من تأثير للربيع العربي على أي رؤية اقتصادية اصلاحية مشتركة على المستوى العربي؟
فرضت تأثيرات وتداعيات الربيع العربي نفسها على أجواء قمة الرياض الاقتصادية، وتضمن إعلان القمة التنموية في الرياض العديد من الجوانب المرتبطة بتحسين الأوضاع الإنسانية. لكننا لا نزال بعيدين عن الرؤية الإصلاحية العربية المشتركة، خصوصاً مع الضبابية التي تكتنف بعض دول التغيير والأحداث الدامية التي تجري في سوريا. ثم إن الكلام شيء والتنفيذ شيء آخر ويكتنفه الكثير من الصعوبات المتعلقة بالبيروقراطية، خصوصاً وأن قسماً أساسياً من القرارات التي صدرت يفتقر إلى الآليات اللازمة التي تساعد على تحقيقها على أرض الواقع. وفي اعتقادي أن الإصلاح يجب أن يبدأ من منظومة العمل الاقتصادي العربي المشترك نفسها، وفي طليعتها جامعة الدول العربية، حيث لا بد من تكريس دور للقطاع الخاص والمجتمع المدني في هذه المنظومة بعيداً عن التهميش، وبشكل فعلي وليس بشكل شكلي.

مشاركة القطاع الخاص
تحدثت عن مشاركة القطاع الخاص في مبادرات التنمية والتكامل الاقتصادي، كيف سيترجم ذلك؟
لقد قام اتحاد الغرف العربية بتنظيم «منتدى القطاع الخاص التحضيري للدورة الثالثة للقمة العربية التنموية: الاقتصادية والاجتماعية» في مدينة الرياض خلال 12-13 كانون الثاني (يناير) 2013، بالتعاون مع مجلس الغرف السعودية وجامعة الدول العربية. ونجح هذا المنتدى في بلورة رأي موحّد للقطاع الخاص العربي بشأن دوره والمعوقات التي تواجهه والمقترحات التي يرى ضرورة العمل بها والتي انعكست بالإعلان الذي قمنا بإصداره في حينه ورفعناه إلى أعمال قمة الرياض. كما نجح هذا المنتدى أيضاً في إطلاق مجموعة رائدة من المبادرات والمشروعات العربية الخاصة والمشتركة في عدد من المجالات الحيوية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في مجالات محورية، مثل الأمن الغذائي، والتدريب والتشغيل، والاستثمار في الصناعات الصغيرة والمتوسطة والمتقدمة الصديقة للبيئة، والبورصة، والاستثمار في النشاطات المتعلقة بتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، ولإقامة مراكز لدعم رواد الأعمال، بالإضافة إلى المبادرات الأخرى للاستثمار في المشروعات السكنية، ولدعم وتطوير التجارة العربية البينية والخارجية للقطاع الخاص العربي.
وهذه ليست المرة الأولى، فهناك الكثير غيرها من المبادرات التي وجدت طريقها إلى التنفيذ، والتي تمت في إطار المناسبات والمؤتمرات والفعاليات التي قمنا ونقوم بتنظيمها منذ أن تأسس اتحاد الغرف العربية في العام 1951، وتستهدف تعزيز دور القطاع الخاص في مبادرات التنمية والتكامل الاقتصادي وإقامة المشروعات العربية المشتركة. فهذا الأمر في صميم دورنا كممثلين للقطاع الخاص العربي، ولدينا قناعة راسخة بأن المشروعات العربية الخاصة المشتركة هي جوهر التكامل الاقتصادي العربي وركيزته الأساسية.

دعوت الى استيقاظ العمل الاقتصادي المشترك ماذا سيجني لبنان من جراء هذا التكامل؟
كما أشرت سابقاً، لبنان يستفيد كثيراً من فتح الأسواق العربية تجاه بعضها البعض، سواء من حيث التصدير أم من حيث التدفقات الاستثمارية، إلى جانب أهمية تحرير تجارة الخدمات، هذا القطاع الذي لدينا فيه مزايا تنافسية مهمة.

السوق العربية المشتركة
جرى الحديث كثيراً عن السوق العربية المشتركة هل سيبقى هذا مشروعاً على الورق؟
لا مكان في عالم الاقتصاد الحديث للاقتصادات المنغلقة، ومفاهيم التنمية والتطوير والتحديث تغيّرت كثيراً بفضل الثورة المعلوماتية والتكنولوجية، وتحتاج إلى الأسواق الكبيرة التي تفتح الفرص وتوسّع الآفاق والمجالات أمام الاستثمار الخاص. وإذا كانت الدول المتقدمة وجدت نفسها مضطرة للانضواء ضمن التكتلات الاقتصادية، فما بالك بالدول النامية والصغيرة؟! وبالتالي، لا خيار أمامنا إذا شئنا اللحاق بركب التقدم سوى إعادة ترتيب البيت العربي، انطلاقاً من تفعيل منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى وضم تجارة الخدمات إليها، تمهيداً لإقامة الاتحاد الجمركي العربي عام 2015، ومن ثم السوق العربية المشتركة عام 2020.
الى أي مدى سبقتنا الدول العربية في التنمية والعمران بعدما كانت بعض الدول العربية صحراء وكان لبنان في حال ازدهار؟
لقد أضعنا على أنفسنا الكثير من الفرص. ولكن لا يزال لبنان يستطيع أن يعوّض ما فاته فيما لو وعى مختلف الأطراف السياسية أهمية ذلك، وعملت بالتالي الحكومة بشراكة مع القطاع الخاص اللبناني على وضع رؤية واضحة للتنمية مدعّمة بالسياسات والبرامج والخطط والآليات الضرورية للتنفيذ.

الى أي مدى يمكن أن يستفيد لبنان من النفط والغاز في البحر، هل أنت متفائل بالبدء قريباً الاستفادة من النفط بما يساعد ايضاً على تسديد الديون؟
المؤشرات والتقدم المحرز يدعوان إلى التفاؤل. ونظراً للوقت الذي تتطلبه عمليات الاستكشاف والتنقيب، فمن المهم الإسراع باستكمال الإجراءات الإدارية واللوجستية اللازمة بما يمكن أن يتيح موارد إضافية مهمة وضرورية جداً للاقتصاد اللبناني. ونأمل أن تتم إدارة هذه الموارد المهمة بحكمة، وأن يستفاد منها وفقاً لمعايير الشفافية العالية، وبعيداً عن التجاذب السياسي.

هل تبلغتم من المسؤولين العرب نية لفك حظر السفر الى لبنان؟
تعلمون أنني لا أوفر فرصة أو سانحة إلا وأسعى لخدمة بلدي. وقد وجدت من خلال الاجتماعات واللقاءات التي عقدتها مع قيادات القطاع الخاص العربي والقيادات الرسمية التي سنحت لي الفرصة الاجتماع بهم أصداء طيبة تعبّر عن محبتهم للبنان والتزامهم الارتباط به، خصوصاً أن شراكة لبنان مع الدول العربية هي شراكة مصيرية واستراتيجية. وقد أكدوا لي على أهمية توافر البيئة السياسية المؤاتية، والتي من شأنها أن تعيد الأمور إلى مجراها الطبيعي.

حظر السفر
هل في اعتقادك أن قرار حظر السفر هو موقف سياسي ضد حكومة الرئيس نجيب ميقاتي؟
من الواضح للجميع أن الأمر مرتبط بما حدث خلال الصيف الماضي من تفلّت وقطع الطرقات، أخذ أبعاداً إعلامية أكثر من حجمها. ولا أعتقد أن ذلك يمثل موقفاً من دولة الرئيس ميقاتي أو له علاقة به، وإنما هو نتيجة لتداعيات التصرفات غير المسؤولة والغوغائية التي صدرت عن بعض القوى السياسية.
واليوم عادت الأمور إلى مجراها الطبيعي مع وجود القوى الأمنية الرسمية على الأرض، وبالتالي انتفت الأسباب التي دفعت إلى اتخاذ هذا القرار. ونأمل أن نرى المزيد من الإجراءات والأجواء المطمئنة والإيجابية في هذا الصدد.

يكاد يكون القطاع المصرفي الوحيد الناشط بين القطاعات الاقتصادية في لبنان فما هي عناصر قوة هذا القطاع؟
هذا القطاع هو العمود الفقري للاقتصاد اللبناني، ويقوم بدور رئيسي لتحريك وتنشيط مختلف القطاعات الاقتصادية. ولدينا في لبنان شخصية استثنائية هي حاكم المصرف المركزي الأستاذ رياض سلامة الذي أثبت قدرة فائقة في إدارة السياسة المصرفية والنقدية، مما حمى لبنان واقتصاده من أقسى أزمة مالية عالمية طاولت تأثيراتها مختلف دول العالم.
كما أن الجهاز المصرفي اللبناني يتمتع بالعراقة والمهنية العالية ويعمل وفقاً لأعلى المعايير المصرفية الدولية، مواكباً دائماً للحداثة والتطوير الدائم والمتواصل. وهو يمتلك مناعة كبيرة تجاه المتغيرات بفضل السياسة المحافظة التي يعتمدها، إلى جانب الإجراءات الاحترازية والمؤونات تجاه المخاطر، والتي تشكل جزءاً لا يتجزأ من استراتيجية عمله. وقد اكتسب بفضل كل ذلك ثقة عالية على المستوى المحلي والعربي والعالمي، وحاز إعجاب المراجع الدولية كافة. وهذه الثقة هي أهم عناصر قوة هذا القطاع.

الى أي مدى يؤثر ارتفاع اسعار العقارات والشقق السكنية سلباً أو ايجاباً على الحركة الاقتصادية؟
الطلب على العقار في لبنان، وخصوصاً الشقق السكنية، هو طلب حقيقي، وهامش المضاربات فيه محدود للغاية، بما يقلّص من التأثيرات التضخمية التي عادة ما ترافق ارتفاع أسعار العقارات. ونجد اليوم أن أسعار العقارات تشهد استقراراً نسبياً مع بعض الانخفاض النسبي، بما يمثّل فرصاً مهمة للاستثمار. كما أنه من اللافت حقاً الحركة التي لا يزال يشهدها هذا القطاع بالرغم من جمود الأوضاع الاقتصادية. ونتوقع مزيداً من النشاط في هذا المجال بعد أن أطلق المصرف المركزي مؤخراً مبادرة جديدة لتحفيز المصارف على المزيد من الإقراض لعدد من القطاعات الحيوية، ولا سيما أن حصة الإقراض العقاري من هذه المبادرة توازي نسبة 60%. ومن شأن ذلك أن ينعكس بشكل إيجابي أيضاً على العديد من القطاعات والنشاطات الاقتصادية والصناعية المرتبطة بالتشييد والبناء.

حكومة مستقلة
أخيراً عند كل ازمة أو عند كل منعطف يجري التداول بإسمك لتولي رئاسة الحكومة، هل هذا الامر وارد حالياً، وهل تؤيد تشكيل حكومة تكنوقراط في لبنان؟
بالفعل، لقد تعوّدت على ذلك. وإذ أشعر بالفخر والاعتزار بما يعكسه هذا الأمر من ثقة ومصداقية، غير أن الموضوع لا يزال سابقاً لأوانه، لأنه لم يُعرَض علي بشكل رسمي بعد. أما بالنسبة إلى القسم الثاني من السؤال، فأعتقد أنه من الأفضل في هذه المرحلة أن يتم تشكيل حكومة مستقلة تنال دعم وثقة جميع الأطراف السياسية وتعمل على وضع رؤية وطنية واقتصادية واجتماعية مدعّمة بآليات التنفيذ، على أن تُطعّم بشخصيات تكنوقراط جديرة بالنسبة الى حقائب القطاعات التي تحتاج إلى تطوير. كما من الأفضل في ظل الحديث عن قانون للانتخاب وضع قانون انتخابي لا يزكّي الطائفية بل يحافظ على العيش المشترك ^
 

حاوره: سعد الياس

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق