عندما قرر الكاتب والممثل والمخرج المسرحي جو قديح العودة الى خشبة المسرح بعد 12 عاماً أمضاها بين الكتابة والاخراج، كان واثقاً أن لديه طاقة جديدة وعناصر الخلق المطلوبة لاضحاك الجمهور. عاد ووقف وحيداً على الخشبة ليقدم أعمالاً من نوع السخرية السوداء التي تحاكي وجع الناس وتفاصيل يومياتهم في وطن أقل ما يقال فيه انه «صعب». جريء الى درجة قد يصدم فيها الجمهور الذي يخاطبه لكنه يتحاشى أسلوب الضحك للضحك أو الايحاءات، بل على العكس يذهب مباشرة الى الفكرة ويترجمها. قبل أسابيع افتتح قديح مسرح الجميزة لتكون المساحة الثقافية التي يترجم فيها اعماله وأعمال آخرين، ومن هذا الصرح التراثي الذي يحاكي ثقافة الناس ويغرق في ذاكرتهم كان هذا الحوار.
مسرح الجميزة هو نتيجة إيمانك بالوطن أم المسرح أم رغبة في تحقيق طموح شخصي؟
لنقل إنه جزء من كل ذلك. فمسرح الجميزة هو ترجمة لعشقي للمسرح وبيروت التي احب شوارعها والأشرفية التي عشت وتربيت فيها. كل هذا شجعني على اخذ المبادرة إضافة إلى المساندة والأجواء الإيجابية التي وجدتها عند القيمين على مدرسة القلبين الأقدسين.
لكل الجماهير
الى أي جمهور تتوجه في مسرحك خصوصاً أنه يقع ضمن نطاق مدرسة «القلبين الأقدسين»؟
مسرح الجميزة هو لكل الجماهير والفئات، فهذه المنطقة الواقعة في وسط بيروت تجمع في ثناياها كل الطبقات والمطارح التي تعكس وجه بيروت الثقافي وليلها.
لكن إسم الجميزة صار مرتبطاً بالملاهي الليلية؟
(مقاطعاً) يخطىء من يظن أن الجميزة هي فقط ملاه ليلية وسهر وشباب، وأنا لست ضد هذه الظاهرة شرط ان يصار إلى تنظيمها. الجميزة هي مسرح مارون النقاش الذي وقف على خشبته في «كنيسة السانتا» التي تبعد 7 أمتار عن موقع مسرح الجميزة وقدم مسرحية «البخيل» التي انطلق بها إلى العالم العربي ككل.
تكتب، تمثل وتخرج اعمالك ما سر هذه الثلاثية واين تكمن إيجابياتها وسلبياتها؟
إيجابياتها تتفوق على سلبياتها ومن أهمها أنني لا أضطر إلى تحمل طباع بعض الممثلين وعدم التزام البعض الآخر بمبادىء الإنضباط والإلتزام بالمواعيد. هذا لا يعني انني لا اعشق التعامل مع ممثلين، على العكس، لكنني نلت نصيبي في مسرحيتي الأخيرة «ميشال وسمير» حيث انسحب الممثلان الرئيسيان لارتباطهما بأعمال لكن الأمر أثر سلباً على العمل ككل. واليوم كان يفترض أن نبدأ العرض من جديد في شهر كانون الثاني (يناير) 2014 لكننا أخرنا الموعد إلى أيار (مايو) المقبل حتى ننتهي من التمارين مع الممثلين الجديدين. أما سلبيات هذه الثلاثية فتكمن في التعب الذي أعاني منه لكنني اجد لذة ونشوة إلى درجة أنني أستغرب احياناً كيف انتهى العرض بهذه السرعة.
سولو
نفهم من ذلك أنك مستمر في اعمال السولو؟
المسرح هو نوع من طقوسية وهو محور حياتي لذلك أصر على أن أكون مثالياً في التعامل مع الممثلين. قد أبدو متطلباً لأنني أعتبر أن المسرح هو حالة من الخلق وليس فقط ترجمة لنص أو تعليمات مخرج. هذا لا يعني أن هذه الأمور غير مهمة. على العكس هي ضرورية لكن الخلق مطلوب وهذا ما لم أجده عند الممثلين اللذين تعاملت معهما.
لكن من دون شك هناك «الأنا» التي تتحكم في أعمال «السولو»؟
طبعاً هناك الـ «إيغو» التي تلعب دوراً أساسياً فعندما أقف وحيداً على خشبة المسرح أشعر بفرح كبير وأرتقي إلى ما فوق الطبيعة وقد يكون الدافع لأتخطى كل الأزمات الصحية والحرارة المرتفعة احياناً. لكنني أصر على التعاون مع ممثلين في المستقبل.
السياسة هي لغة المسرح اليوم فأي تغيير لحق بالنص المسرحي؟
إذا عدنا إلى حقبات التاريخ نجد أن كل كتّاب المسرح كتبوا عن المجتمع والسياسة والشباب، وتجلى ذلك مع كل من شكسبير وموليير وسواهما من كبار كتّاب المسرح. من هذا المنطلق لا يمكن إلا ان اتكلم عن السياسة لكن بطريقة إجتماعية فلا أسمي الأشياء بأسمائها. مثلاً في «ميشال وسمير» وضعت العمل في إطار أسطورة أوديب حيث صراع الأخوة الذي انتهى الى مقتلهما.
اقف على الحياد
لكن في لبنان لا يمكنك أن تبقى في منأى عن توجهاتك وقناعاتك السياسية؟
أنا اكتب بغض النظر عن توجهاتي وقناعاتي السياسية، دائماً أقف على الحياد لأنني لا أنتمي أصلاً إلى أي فريق وأعطي الحق لمن يستحقه.
في نصوصك سخرية سوداء والبلد كله قائم على هذا الأسلوب فما هو الجديد الذي تحاول أن تضيفه في اعمالك؟
أحاول قدر الإمكان أن أبتعد عن اسلوب الإبتذال والنقد المباشر أو الإيحاءات الجنسية أو الملابس الغرائزية. أقول ما أريد بشكل مباشر وأنقل الواقع على مرارته. فأنا لست من هواة الضحك للضحك إنما أتعمد التماهي لنقل حقيقة يومياتنا، خصوصاً أننا نتوجه إلى جمهور لبناني، مما يعني أنه قادر على التقاط الفكرة والصورة.
عدت إلى الخشبة بعد غياب 12 عاماً أمضيتها في الإخراج والكتابة، مع ذلك عدت وحيداً إلى الخشبة؟
صحيح. لكن عندما اشعر أنني ما عدت قادراً على تقديم شيء للجمهور أنسحب وأترك الخشبة لغيري.
صحيح أنك لا تستنسخ اعمالك لكنك حتماً تأثرت بكتّاب مسرحيين كبار؟
أنا تأثرت بكل ما قرأت وشاهدت حتى إن شخصيات عدة طبعت في مخيلتي وعلّمت فيّ، ومنهم أساتذتي في الجامعة وحتى الناس العاديون.
طلبت من الأمن العام تغيير القانون وليس وجهة نظر الأمن العام. ماذا قصدت في ذلك؟
لا مشكلة لدي مع الأشخاص القيمين على جهاز الأمن العام. على العكس تربطني بهم علاقة صداقة واحترام وهناك الكثير من الأعمال التي تشتهر على حساب الأمن العام علماً بأنها لا تحمل مضموناً يستأهل.
أنا ضد الرقابة
لكنك عانيت من الرقابة أكثر من مرة؟
صحيح وأنا ضد الرقابة ككل لأنها تعيدنا إلى الوراء. حتى الرقابة الذاتية لا اوافق عليها ولا اتردد في قول ما اريد على خشبة المسرح. وأؤمن بأن العسكريتاليا والآلهاتاريا لا تدومان. والمطلوب تغيير القانون حتى لا تعود مسألة الرقابة في يد الأمن العام.
تختار عناوينك من وحي النصوص وغالباً ما تكون «صادمة» فهل تتعمد ذلك؟
أتعمد أن تكون العناوين سريعة وسهلة على اللفظ لذلك قد يفترض البعض أن المصطلحات التي استعملها «صادمة». في النهاية هناك علاقة الشغف التي تربطني بالقصة إضافة إلى فكرة العمل في المسرح التي تحررني من كل قيد ومعها أشعر أنني فوق كل الإعتبارات الزمنية والكلامية.
ساخر أنت على المجتمع أم ناقم عليه؟
الإثنان معاً. فانا أحاول الا آخذ الأمور ضمن سلة واحدة. لذلك أعتبر أن هناك السيىء والجيد، وهناك الإيجابي والسلبي فلا أصب لومي وسخطي على السياسيين وحسب. انما هناك لوم وعتب على الناس والمجتمع والمدرسة والبيت.
المسرح عندنا بألف خير
هل تعتقد أن الشباب اللبناني ما زالوا يفكرون في الدخول إلى المساحات الثقافية التي يشكلها المسرح؟
تتعدد النماذج التي تدخل قاعة المسرح. فهناك الفئة التي تعتبره مساحة للترفيه، ومنها من تصنفه في خانة «المحرمات»، وهناك أيضاً النخبة. في النهاية أتوجه الى جميع الفئات ولا أحدد النصوص في إطار سياسي أو ثقافي علما أن اللبناني يهوى «تعليب» الفنان وتصنيفه مع هذا الفريق او ذاك.
ما المقصود من توأمة إدارة مسرح الجميزة مع جمعية «أنقذوا تراث بيروت»؟
عانيت شخصياً من جريمة هدم البيوت التراثية عندما أخرجوني من منزلي التراثي في الجميزة بهدف هدمه. وحتى الساعة لا يزال معلقاً في انتظار قرار إعدامه. إنطلاقاً من ذلك سعيت إلى مد يد العون لجمعية «أنقذوا تراث بيروت» ودعمها بالطريقة التي ترتئيها سواء عن طريق عرض اعمال أو «حجز» عرض ما لليلة واحدة يعود ريعه للجمعية ونشاطاتها التي تهدف إلى حفظ ذاكرة بيروت وثقافتها.
تردد مع القائلين رزقالله على المسرح أيام زمان؟
إلى حد ما لكنني في المقابل أجد أن المسرح عندنا لا يزال بألف خير وهناك مستوى ثقافي معين ودعم قائم على المبادرات الفردية.
أين تلجأ عندما تفكر في مساحة من الراحة والهدوء؟
في الماضي كنت ألجأ إلى منطقة اللقلوق الجبلية أو أتوجه إلى قريتي العكارية لكن لا هذه ولا تلك عادتا تؤمنان لي الراحة لأن العولمة وعجقة الناس نالتا من معالم اللقلوق، وللوصول إلى قريتي علي أن أجتاز ألف حاجز أمني، ملجئي الوحيد اليوم هو بيتي مع زوجتي وطفلتي التي ولدت حديثاً.
ج. ن