رئيسيسياسة عربية

ما هو سر تفاؤل كيري بالسلام القريب؟

وحده وزير الخارجية الاميركية جون كيري يسعى الى ارساء انطباع فحواه، ان ثمة املاً كبيراً في ان تنجح المفاوضات الاسرائيلية – الفلسطينية وتمهد لتسوية وسلام، اذ يعرب في أعقاب زيارته الاخيرة الى اسرائيل، عن اعتقاده بأن الاسرائيليين والفلسطينيين اقرب ما يكونون للسلام منذ سنوات. لكن الجانبين المعنيين اي الفلسطيني والاسرائيلي، ما زالا يعتصمان بحذرهما الشديد ولا يطلقان حبل العنان لتفاؤلهما على غاربه. فكلاهما له ملاحظاته ومطالبه، واستطراداً مخاوفه وهواجسه.

لم يعد خافياً، ان الجانب الاميركي يظهر فجأة في المنطقة عبر رئيس الديبلوماسية كيري في كل مرة يشعر فيها بأن طاولة المفاوضات التي «اجبر» فيها الطرفان المعنيان على الجلوس حولها منذ تموز (يوليو) الماضي، واستئناف التفاوض، هي على وشك الانهيار كما كان واقع الحال في الآونة الاخيرة، وبالتحديد عندما سربت السلطة الفلسطينية ما مفاده ان كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات، قدم استقالته احتجاجاً على مآل المفاوضات المسدود من جهة، وعلى استمرار اسرائيل في سياسة الاستيطان من جهة اخرى.
واكثر من ذلك، يصر الراعي الاميركي لطاولة المفاوضات، على اعطاء انطباع فحواه ان الامور آيلة في نهاية الموعد المحدد لهذه الطاولة اي في نيسان (ابريل) المقبل، الى تفاهم على اسس تسوية جديدة تعيد ارساء مشهد الصراع العربي – الاسرائيلي الممتد منذ اكثر من 6 عقود زمنية على اسس جديدة مختلفة تماماً.
واللافت في الجولة الاخيرة لكيري في فلسطين المحتلة، ان الجانب الاسرائيلي ادخل الى لغة التخاطب مع رئيس الديبلوماسية الاميركية، حزمة شروط جديدة عنوانها العريض ان تدخل اميركا مباشرة على ملف وضع ترتيبات امنية لحماية اسرائيل، قبل اي اتفاق سياسي يبرم مع الجانب الفلسطيني.

مطالب اسرائيل
ثمانية مطالب امنية رفعت تل ابيب لواءها، وابرز المعلن فيها:
– بقاء السيطرة الاسرائيلية على منطقة الاغوار عبر نظام استئجار خاص.
– بقاء محطات الانذار المبكر على ذرى الجبال في الضفة الغربية.
– وضع قوة دولية في مواقع حدودية مع الاردن الى جانب القوات الاسرائيلية.
– السماح للطيران الحربي الاسرائيلي باستعمال المجال الجوي للضفة الغربية وغيرها.
الجانب الفلسطيني وافق على بعض هذه المطالب، لكنه طلب في المقابل ربط الملف الامني بالملف السياسي، رافضاً وجوداً اسرائيلياً في اراضي الدولة الفلسطينية.
بين المطلب الاسرائيلي والرفض الفلسطيني سعى الجانب الاميركي الى محاولة تحقيق نوع من التوازن بين الملفين الامني والسياسي في سبيل تبديد هواجس الجانب الفلسطيني وتذويب مخاوفه حتى يأتي حين من الدهر ويقبل بقبول العرض الاسرائيلي.
ماذا يعني هذا التطور الجديد؟ يعني بكل بساطة ان ثمة جهوداً اميركية جبارة بغية التوصل الى اتفاق اطار او اتفاق انتقالي جديد من شأنه ان تحقق ان يبدد مناخات التشاؤم المخيمة على مسار المفاوضات، ويؤكد بالملموس ان هذه المرة هي غير كل المرات، اذ ان الاميركيين لن يبرحوا الميدان قبل ان ينجزوا تقدماً ما، والا تتكرر التجربة التفاوضية الاخيرة.
والواضح ان الجانب الاميركي ما برح وبعد كل زيارة لكيري للمنطقة، يعود الى استخدام اسلوب الترهيب مع الجانب الاسرائيلي، اذ انه عاد صراحة الى تحذير الجانب الاسرائيلي من «القنبلة الديموغرافية» الفلسطينية التي ستفعل فعلها في خلال فترة زمنية غير بعيدة، اذا لم تسارع الى ابرام اتفاق سلام مع الفلسطينيين.
والمفارقة في الامر، ان الجانب الاميركي يحاول ان يجمع بين متناقضين صعبين: الاول يرضي اسرائيل التي ما برحت لا تترك مناسبة الا وتعرب فيها عن غضبها من الاتفاق الاميركي مع ايران، فتقف عند شروطها الجديدة والقديمة موقف المتفهم، والثاني الا تدع الجانب الفلسطيني يترك ثانية كرسيه على طاولة المفاوضات المنصوبة مع الجانب الاسرائيلي، ويعلي صوته احتجاجاً على التعنت الاسرائيلي وعلى الانحياز الاميركي وعزوف واشنطن عن اداء دور الراعي النزيه.

انجازات هشة
وثمة داع آخر يفرض على واشنطن المضي قدماً في بث اجواء التفاؤل حيال مسار المفاوضات كلما ادلهمت الصورة وتعثر المسار التفاوضي، وهو ان الادارة الاميركية صارت تعتبر ان كل ما حققته في الاسابيع القليلة الماضية على مستوى قضايا وصراعات المنطقة، والذي يراه البعض فتحاً مبيناً في السياسة الاميركية تجاه الشرق الاوسط والذي كانت اجل صوره بالتفاهم مع طهران، لتدرك تمام الادراك ان كل هذه الانجازات معرضة للذهاب مع الريح، اذا ما بقيت مشكلة الصراع العربي – الاسرائيلي على الوتيرة التاريخية عينها، ولم يجد له حلاً او تسوية جادة وقابلة للحياة.
وعليه، فإن واشنطن تقارب المسألة برمتها من باب ان هناك فرصة تاريخية كبرى لانجاز السلام الموعود بين الفلسطيني من جهة والاسرائيلي من جهة اخرى، او على الاقل تعطي انطباعاً اكثر جدية هذه المرة بإمكان السير قدماً في هذا الاطار.
ولم يعد خافياً ان الاطراف الثلاثة المعنية مباشرة بهذا الملف التفاوضي، باتت تتصرف وكأنها تحت وطأة عامل الوقت اي انها تسعى الى تحقيق اكبر قدر ممكن من المكاسب، وتجميع اكبر قدر من الاوراق بيدها، قبل ان تأتي مسألة الاستحقاق والحسم.
فالطرف الاسرائيلي يستغل مناخات الفوضى الحاصلة في المنطقة منذ انطلاق ما صار يعرف بـ «الربيع العربي»، وما اعقب ذلك من حالات فوضى ومخاض في دول الجوار للاقدام على خطوات ما كان يجرؤ على الاقدام عليها في اوقات سابقة مثل انفاذ مخطط برافر الرامي الى اقتلاع نحو 70 الفاً من بدو النقب (اراضي 1948) من اراضيهم في 35 قرية ومصادرتها توطئة لتهويد المنطقة بشكل نهائي.

 فرض الامر الواقع
وفي الوقت نفسه، تتسارع وتيرة المشاريع والكتل الاستيطانية في مناطق الضفة الغربية المحتلة لتصير في ما بعد امراً واقعاً يصعب على الفلسطيني تغييره، في حين ان ثمة معلومات جديدة تفيد ان الحكومة الصهيونية تخطط لتنفيذ مشروع استيطاني جديد في الجليل (اراضي 1948) بهدف تهويده من خلال زرع ما يقارب من مئة الف يهودي في مناطق وبلدات يهودية سيتم توسيعها لمواجهة مخاطر القنبلة الديموغرافية الفلسطينية التي تتعامل معها اسرائيل كخطر حقيقي مستقبلي.
وبالطبع، فإن اسرائيل تتصرف بحرية وراحة اكبر من اي وقت مضى لأنها تريد ان تشعر واشنطن والغرب عموماً انها في حالة استياء قصوى بفعل الاتفاق الاميركي – الايراني، وبالتالي فإن على الادارة الاميركية بالذات ان تتحمل نزقها وجنوحها نحو فعل ما لا يمكن فعله في الاوقات العادية والازمنة الطبيعية.
وفي المقابل، فإن الجانب الفلسطيني بات يتصرف في الآونة الاخيرة بتشدد اكبر من اي وقت لذا فهو لجأ الى:
– التلويح بالانسحاب من طاولة المفاوضات.
– التعامل بصلابة مع العروض الاسرائيلية الجديدة التي نقلها اليه الراعي الاميركي والمتصلة اكثر ما تكون بالترتيبات والمطالب الامنية.
– العودة مجدداً الى اتهام الراعي الاميركي بالانحياز وانه لذلك بدأ يشعر باليأس من الدور الاميركي في المفاوضات.

خيار فلسطيني جديد
وبالطبع وجد الفلسطيني في الآونة الاخيرة خياراً جديداً يهدد بالذهاب اليه في حال اخفقت المفاوضات وهو الدعوة الى جنيف – فلسطيني على غرار مؤتمر جنيف – ايران، الذي انجز قبل فترة، ومؤتمر جنيف – سوريا الموعود انجازه خلال الاسابيع القليلة المقبلة.
ويشكل اكثر وضوحاً، قد يلجأ الجانب الفلسطيني الى المطالبة بمؤتمر دولي يشارك فيه الروس والاوروبيون والامم المتحدة على ان يقتصر امر رعايته والمفاوضات فيه على الجانب الاميركي وحسب.
ولا شك في ان الجانب الفلسطيني بات جاهزاً اكثر من اي وقت مضى للانخراط جدياً في اللعبة الاقليمية – الدولية الجديدة التي يراها بأم العين وهي تسري بدءاً من جنيف الايراني، لذا فإن الفلسطينيين لا ينكرون ضمناً انهم يخشون فعلياً ان يأتي حين من الدهر، وان يجبروا هم وحدهم على دفع ثمن الاتفاقات والتفاهمات التي بدأت بوادرها تلوح في الافق.
ولم يعد خافياً ان الجانب الفلسطيني يستشعر منذ انبثاق ما صار يعرف بـ «الربيع العربي» والتحولات التي لحقت به والصراعات التي نشأت على اساسه مخاوف حقيقية من جراء وقائع ومعطيات عدة فرضت في الآونة الاخيرة نفسها على صفحة الواقع في المنطقة، ابرزها:
– ان الدول العربية ولا سيما ما يعرف بـ «دول الطوق» غرقت في بحر تناقضاتها وصراعاتها، وبالتالي صار همها الوطني اكبر من اي هموم قومية وفي مقدمها قضية الصراع العربي – الاسرائيلي.
– ان الصراعات داخل العديد من الدول العربية ألحقت الاذى باللاجئين الفلسطينيين المقيمين في هذه الدول وهو اكثر ما يحصل في الساحة السورية.
– ان الانقسامات والصراعات الفلسطينية التقليدية تأججت في الاعوام الثلاثة الاخيرة على نحو غير مسبوق بفعل تعارض الرؤى حيال الاوضاع في بعض الدول العربية، وخصوصاً مصر وسوريا مما زاد في تشويه صورة الفلسطيني وزاد ايضاً في وتيرة التنافس بين الفصائل الفلسطينية.

واشنطن مستعجلة
في المقابل، يبدو ان الادارة الاميركية الحالية وكأنها في عجلة من امرها وفي سباق مع الوقت، بغية تحقيق انجاز ما في الميدان الذي عجزت فيه كل الادارات السابقة اي في ميدان الصراع العربي – الاسرائيلي، لذا فهي محكومة بأن تخطو قدماً في الجهود التي بدأتها قبل فترة على مسار المفاوضات الاسرائيلية – الفلسطينية.
وحيال ذلك، فإن السؤال المطروح فعلاً هو: هل صحيح ما قاله كيري اخيراً من ان الاسرائيليين والفلسطينيين هم اقرب ما يكونون الى السلام؟
وطرح هذا السؤال بهذا الاطار، معناه ان ثمة تشكيكاً مستمراً.

ا. ب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق