افتتاحية

السياسة في لبنان لعب اطفال

السياسة علم وفن تتطلب الكثير من الثقافة والدراية قبل الاقدام على ممارستها. لانها في النهاية مسؤولة عن ادارة الدول، واي خطأ يمكن ان يؤدي الى كارثة.
هذا في دول العالم المتحضر، وحتى في بعض دول العالم الاخرى. ولكنها في لبنان اشبه بلعب الاطفال. يمارسها بعض من يسمون انفسهم سياسيين، بعقلية طلاب المدارس، الذين يختلفون على اتفه الاشياء، والامثلة كثيرة ومتعددة. مجلس الوزراء يعكس صورة حية على ما نقول. فبالامس، وبالتحديد في الاسبوع الماضي، رفع الرئيس تمام سلام الجلسة غاضباً، والى اجل غير مسمى، مشترطاً ان يتعهد الوزراء «الرؤساء» بعدم الاختلاف والتعطيل. يا لها من مهزلة لا يصدقها عقل مدرك. وزراء تحولوا في غفلة من الزمن الى 24 رئيس جمهورية، وكان يجدر بهم في ظل الفراغ الرئاسي، وهو ايضاً من صنع سياسيينا العباقرة، ان يتحلوا بقليل من الحكمة والتعقل ومراعاة مصلحة الوطن، فيسيّروا الامور بالحد الادنى المطلوب لينهض البلد، بانتظار ان يعود بعض هؤلاء السياسيين الى رشدهم فينتخبوا رئيساً للجمهورية.
وهناك بدعة اخرى ابتكرها مجلس الوزراء وهي النأي بالنفس عن الملفات الخلافية. وبما ان رجال السياسة مختلفون على كل شيء، لم يعد امامهم سوى قضايا صغيرة يمكن ان يحلها مختار الحي او القرية، ومع ذلك فهم لا يتفقون حولها. افليس من العار ان تبقى هذه الطبقة السياسية متسلطة على مقدرات البلد؟
اذا كانت القضايا المصيرية هي موضع خلاف، ويجب عدم التطرق اليها لايجاد الحلول لها، فماذا يبقى للوزراء ان يفعلوا؟ نحن الشعب اللبناني بتنا نخجل من تصرفات بعض سياسيينا امام العالم، ولكنهم هم لا يخجلون ولا يرف لهم جفن، والا لما بقي لبنان بعد ثلاثماية يوم بلا رئيس للجمهورية، ولما بقوا هم في اماكنهم.
من يحاسب هؤلاء ولماذا هم خارج المحاسبة؟
سؤال يتردد في مختلف الاوساط، والجواب معروف ولكنه غير نافذ. انه الشعب صاحب الامر والنهي، وهو الذي يستطيع ان يقوم الاعوجاج ويعيد الامور الى نصابها، ولكن هذا الشعب اصبح على صورة سياسييه ومثالهم. فهو يسير وراء قضايا تافهة بعيداً عن حس المسؤولية، ولم يعد اهلاً للمحاسبة. والامل كل الامل ان يستفيق يوماً قبل ان يغرق، فيقوم الاعوجاج ويطرد بعض هذه الطبقة السياسية ويعيدها الى بيوتها.
قال الرئيس تمام سلام ان مجالسنا لم تعد تنتج. وهذا واضح لا لبس فيه، ولا بحاجة الى الاعلان عنه، فمن يتنبه الى ما نحن عليه اليوم؟
وما ينطبق على جلسات مجلس الوزراء ينطبق ايضاً على جلسات الحوار. فهناك لائحة من الممنوعات لا يجوز مقاربتها او التطرق اليها، وكلها قضايا مصيرية تتعلق بحياة هذا الوطن، من التدخل في الحرب السورية، الى السلاح، الى الاستراتيجية الدفاعية، وكل ما يمكن ان يطرح على الطاولة هو نزع الصور والشعارات من الشوارع. وحتى هذا الامر لم يتمكن المعنيون من تطبيقه بالكامل، فحدثت مشاكل وادلي بتصاريح سممت الاجواء وكادت تتسبب في فتنة. مع ان الحوار عقد منعاً لهذه الفتنة، ومحاولة لاراحة الاجواء المتشنجة. كل ذلك يجري تحت انظار العالم كله الذي يهزأ بنا وبصورة ادق ببعض سياسيينا البعيدين كل البعد عن المسؤولية الوطنية التي يجب ان تسود فوق كل المصالح الاخرى.
ان الامل بات مفقوداً من هذه الطبقة السياسية وباب النور الوحيد الذي نعول عليه هو الجيش اللبناني الذي وحده يسهر على مصلحة الوطن ويحمي حدوده من كل شر. ومع ذلك فان السياسيين يورطونه في احيان كثيرة.
لقد تحدثوا عن خطة امنية في البقاع استعد لها الجيش بكل جدية ولكن رجال السياسة اخذوا يماطلون الى ان تم تسهيل هروب كل المطلوبين الذين عاثوا في الارض فساداً، ولما ايقنوا ان كل هؤلاء اصبحوا بمأمن من القوى الامنية، سواء خارج الحدود او داخلها اعطوا الامر بالبدء بالخطة الامنية. ورغم ذلك تمكن الجيش من تحقيق نتائج طيبة نأمل ان يحقق اكثر بعد.
لقد اصبح واضحاً انه لا يمكن ان نلتمس الخير على ايدي هذه الطبقة السياسية. ولا امل لنا الا بيقظة شعبية عارمة تطيح الفساد وتعيد العدل الى ربوع هذا الوطن، فمتى يتحقق هذا الحلم؟

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق