المطر نعمة في العالم ونقمة في لبنان
في دول العالم عندما تمطر السماء يعتبر الناس ان المطر نعمة من الله، وفي لبنان عندما تمطر تتحول الى نقمة، تصيب الناس في صحتهم، وتوقعهم في اشد الازمات التي تهدد احياناً حياتهم.
نسوق هذا الكلام بعد المطر الذي انهمر في الايام الاخيرة، منذراً بامراض كثيرة وخطيرة. ثلاثة اشهر مرت والنفايات على الطرقات وفي كل مكان، ولم يتخذ قرار واحد بازالة هذه الاوساخ، فانتشرت الروائح الكريهة في سماء لبنان وخصوصاً في العاصمة والجبل، حاملة معها كل انواع الجراثيم والميكروبات، فهددت السلامة العامة ودخلت البيوت، بحيث لا يخلو بيت من مريض او اكثر.واليوم وبعد ان امطرت السماء على النفايات، هناك احتمال بانتشار مرض الكوليرا. كل ذلك والسياسيون غافلون وكأن الخطر لا يعنيهم، وكأن صحة المواطنين ليست على عاتقهم. لقد اعتادوا على اهمال الناس والدوس على حقوقهم، بدون ان يخشوا المحاسبة، لقد اعتادوا على المواطنين صامتين وكأنهم خراف لا يعلو لهم صوت، فاستغلوا الفرصة وعاثوا في الادارات الرسمية فساداً. شهر مر على ما سموه خطة الوزير اكرم شهيب، و«بشروا» الشعب بان الاتفاق تم، وان الحل وصل، والزبالة سترفع وتعالج وفق الاصول. واستبشر الناس خيراً، ولكن الامال تبخرت، عندما بقي كل شيء في مكانه، رغم علمهم بوصول المطر وما يمكن ان ينتج عنه. وبعد هذا كله يلومون الحراك الشعبي الذي ثار دفاعاً عن كرامة الانسان وحقوقه، وهالهم هذا التحرك الذي لم يعتادوا عليه فقابلوه بالعنف المفرط وبخراطيم المياه والقنابل المسيلة للدموع واعتقلوا العشرات من المتظاهرين وزجوا بهم في السجون بناء على اوامر سياسية. فلماذا هذه القسوة؟ وهل من غير المسموح في نظر هذه الطبقة السياسية الفاسدة ان يطالب الشعب بحقوقه؟
يقولون انهم مع حرية التعبير وانهم يقمعون اعمال الشغب. ولكنهم لو بدل استخدام القوة عمدوا الى محاورة الحراك، واستمعوا الى مطاليبه اما كانوا تجنبوا هذه الاعمال كلها؟ كان من المفروض فيهم ان يؤمنوا للناس قبل كل شيء سلامتهم، فيرفعوا النفايات صوناً للصحة العامة، ويؤمنوا لهم الكهرباء الغائبة ابداً بعدما انفق عليها اكثر من ثلاثين مليار دولار اميركي. ان الكثيرين يعرفون اين طارت هذه الاموال وفي اي جيوب حطت، فهل يجرؤ شخص واحد على ان يرفع الصوت ويسمي الاشياء باسمائها ويدل على سارقي اموال الشعب؟ بالطبع لا! ان ذلك لن يحصل لاننا قد لا نجد بين الذين يعرفون الخبايا والاسرار من هو مستعد لفضح الحقائق، خوفاً من ان يعمد الاخرون الى فضح خباياه. وهكذا فالكل يتستر على الكل، وينبري كل الذين عملوا في قطاع الكهرباء وتسلموا مسؤولياته بالمطالبة بمحاسبة من بدد الاموال، وقد يكونون هم، ولكنهم يعرفون ان احداً لن يفضحهم.
وسط هذه الفوضى العارمة والفساد المستشري لم يعد المواطنون يثقون بالسياسيين جميعاً، لانهم عرفوا الذل والهوان على ايديهم، ويبقى الامل الوحيد في هذا البلد بمؤسستين لا غير، المؤسسة الاولى هي المؤسسة العسكرية التي تمسك بالبلد وتمنعه من الانهيار، وهي تقوم بدورها خير قيام حتى استحقت شكر اللبنانيين جميعاً باستثناء اصحاب المصالح، وتلقت ثناء العالم كله على موقف الجيش البطولي الذي خاض معارك ضد الارهاب عجزت جيوش المنطقة عن تحقيق ما حققه الجيش اللبناني.
والمؤسسة الثانية هي القضاء الذي هو في اكثريته الساحقة نزية وعادل يعلم ان حقوق الناس مسروقة وان عليه اعادتها الى اصحابها، ويجب المحافظة عليها. ولذلك فنحن نطالبه بعدما امسك ببعض ملفات الفساد وخصوصاً الطاقة والمياه، ان يفضح الذين اوصلوا وضع الكهرباء الى هذه الحالة المتردية التي لا مثيل لها، حتى في افقر دول العالم، فيسترجع ما نهب من اموال الشعب ويعيدها الى الخزينة. كذلك عليه ان يحاسب الذين يحرمون المواطنين من قطرة مياه ولبنان هو بلد الينابيع والمياه الغزيرة.
ايها السياسيون لا تلوموا الناس الذين يتحركون للمطالبة بحقوقهم، بل اعملوا على ارجاع ما سلبتموه منهم اليهم. ويا ايها الحراك الشعبي وحدوا مطالبكم وابعدوا عن صفوفكم العناصر التي يدسها بعض السياسيين في صفوفكم ليشوهوا تحرككم واذا لم تبادروا وبسرعة، فانكم ستخسرون تأييد الشعب ودعمه، لان الحراك بدأ ينحرف عن المطالب الاساسية للناس. فالشغب ممنوع والتعدي على الاملاك العامة والخاصة ممنوع ايضاً، والا ضاعت المطالب وساد الفساد.
واخيراً كلمة نوجهها الى الذين يعمدون الى قطع الطرقات احتجاجاً فنسألهم من يتضرر من اقفال الطريق؟ هل رأيتم سياسياً واحداً عانى ولو مرة واحدة من قطع الطرقات. انه الشعب المغلوب على امره هو الذي يتضرر لان في ذلك قطعاً لارزاقه ورزق عياله، فهل المقصود معاقبة الناس ام المسؤولين؟ ثقوا بانكم لو قطعتم طرقات لبنان كلها فان سياسياً واحداً لن يلحق به الضرر ولن يرف له جفن. فعودوا الى الصواب وابحثوا عن عقاب اخر يصيب السياسيين لا الناس.
«الاسبوع العربي»