افتتاحية

الدور المشبوه في الحرب القذرة

دخلت روسيا الى سوريا، وكانت اصلاً متواجدة فيها، ولكن هذه المرة باسلحة متطورة جداً وفتاكة وترسانة ضخمة، دخلت بحجة انها جاءت تحارب التكفيريين، وتعمل من اجل الحل السلمي في سوريا، الذي ينهي قتالاً عمره زاد على الاربع سنوات، وحصيلته اكثر من ثلاثماية الف قتيل ومئات الاف الجرحى وملايين المشردين.
العالم بدا مشككاً بالدخول الروسي ومرتاباً، لان الروس عودوا الناس على عدم الشفافية، فهم يضمرون غير ما يعلنون، فوقف يراقب الى ان انجلت الامور، وتبين ان الروس لم يدخلوا الى سوريا الا حفاظاً على مصالحهم وقواعدهم فيها، ودفاعاً عن النظام الذي يؤمن لهم كل ما يريدون وما يطلبون.
نيرانهم لم توجه لا الى داعش ولا الى النصرة، بل الى التنظيمات السورية التي تقاتل النظام، فانكشفت اهداف الروس وتبين زيف ادعاءاتهم. وكي لا يغرقوا اكثر في وحول الحرب السورية ادعوا انهم سينسحبون ويعودون الى بلادهم، وانهم سيبقون على جزء صغير من ترسانتهم للدفاع عن قواعدهم في سوريا. وهذه المرة ايضاً تبين انهم يريدون خداع العالم، اذ ان قواتهم بقيت في سوريا، وهي تواصل حربها ضد معارضي النظام.
ولأن الحرب كر وفر، طاولتهم مؤخراً التفجيرات التي وقعت في مدينتي جبلة وطرطوس، واصيبت احدى قواعدهم باضرار جسيمة بفعل قصف مدفعي عنيف وثقيل، وحل فيها الحريق والدمار وبقوا ينفون ذلك.
وزارة الخارجية الروسية دانت التفجيرات التي اسفرت عن سقوط مئات القتلى والجرحى، واشارت الى ان هذه الاعمال تجهض الجهود الرامية الى تحقيق تسوية سياسية للوضع في سوريا، كما انها تنسف اتفاق وقف اطلاق النار. ولكن هل ان روسيا احترمت وقف النار؟ الم تقم منذ ايام باكثر من خمسين غارة على حلب ومحيطها في اعنف هجوم جوي اوقع مئات القتلى والجرحى من المدنيين الابرياء؟
كيري طلب من لافروف التدخل لدى النظام السوري لوقف قصف المعارضة السورية، ولم يذكر روسيا وقصفها الذي نقلت تفاصيله وكالات الانباء العالمية. فهل ان الولايات المتحدة اصبحت بحاجة الى من يتوسط لها لتنفيذ امر ما؟ هل صحيح ان واشنطن وصلت الى هذه الدرجة من الضعف والذل، بعدما كانت سيدة العالم بلا منازع، والقوة الاعظم والوحيدة على الارض؟ وهل هي بدأت تخلي مواقعها للروس، ولبوتين الجبار الذي رأى الساحة امامه خالية فصال وجال وتجبر، ولن تردعه دماء الابرياء يسقطون بغاراته الكثيفة على الاحياء السكنية والمستشفيات؟
بوتين يتغنى بالسلام، وفي الوقت عينه يسد طريقه، ولم يعد العالم يعرف ما هي اهدافه الحقيقية من وراء هذا التصعيد غير المسبوق. بوتين طلب القيام بغارات مشتركة ضد داعش، وهو في الحقيقة يبحث عن غطاء اميركي لقصف المعارضة السورية التي بدا واضحاً انه يعمل لانهائها عسكرياً، بحيث يصبح النظام هو القوة الوحيدة الباقية على الارض، فيتحكم بسوريا ومن خلالها بالمنطقة كلها، طالما ان الفرصة سانحة له، في ظل الانكفاء الاميركي المريب، ليس فقط عن منطقة الشرق الاوسط، بل عن مناطق اخرى في العالم، ولا نعلم ان كان ذلك دليل ضعف ام سياسة خاطئة ستدفع الولايات المتحدة ثمنها باهظاً يوماً.
لو تدخل اوباما يوم استخدم النظام السلاح الكيماوي كما هدد، لكانت الحرب السورية انتهت، ولما بقي بوتين يتحكم بالازمة على هواه وعلى حساب دماء اطفال سوريا ونسائها.
تقول روسيا بمواصلة محادثات السلام في جنيف لوضع حد للحرب، ولكنها في الوقت عينه تعمل على نسف هذه المحادثات، وهي تواصل ضرب المعارضة السورية وتعطيل الجهود الرامية الى احلال السلام في سوريا، تحت عنوان محاربة التهديدات الارهابية.
وتقول الولايات المتحدة انها لا تريد ان تشترك مع روسيا في شن غارات ضد داعش والنصرة، لانها تعلم جيداً حقيقة المقاصد الروسية. فموسكو تبحث عن غطاء لحربها ضد المعارضة والشعب السوري. وهنا لا بد من طرح السؤال، ما هو سبب هذا التجاهل الاميركي للدور الروسي؟ فواشنطن تقول انها لا تبحث في القيام بعمليات مشتركة ضد الارهابيين، وانها قلقة من تزايد العنف في سوريا، سواء من داعش او من قوات النظام. ولكنها لا تذكر ولو مرة واحدة العنف الذي تسببه الغارات الروسية، خارقة بها الهدنة التي تم التوصل اليها. فلماذا كل هذا التستر. هل ان الولايات المتحدة متواطئة مع روسيا، ام انها خاضعة لها ولنفوذها؟ خصوصاً وان اوباما يمضي الاشهر الاخيرة في البيت الابيض، بعد ولايتين متتاليتين، ولم يعد في موقع يخوله مواجهة جبروت بوتين وتحدياته، مع ان اوباما في عز ولايته وفترة حكمه لم تكن لديه النية للمواجهة، فكيف اليوم؟ لقد اتبع سياسة الانكفاء والتراخي، الامر الذي مهد الطريق امام روسيا للتقدم ولوضع اليد على العالم، فارضة نفسها القوة العظمى شبه الوحيدة.
لقد اتيحت فرص كثيرة لوقف الحرب في سوريا وحل الازمة بالطرق السلمية، ولكن الدولتين المتحكمتين بالعالم حالتا دون ذلك. فروسيا سدت طريق السلام في سوريا منذ اليوم الاول للحرب، عندما شهرت سلاح الفيتو بوجه اي قرار ينهي الازمة، متذرعة باعذار واهية في كل مرة، لا يقبلها عقل سوى القول انها كانت متآمرة ولا تزال، دفاعاً عن مصالحها ولو على حساب الاطفال والنساء الابرياء. والولايات المتحدة رفضت التصدي للحرب وكانت قادرة على ذلك، فرفضت المناطق الامنة، وحجبت السلاح عن المعارضة التي كانت سورية محض في البداية، ولم تكن النصرة وداعش قد برزا على الساحة، ولكن عدم الرغبة في انهاء القتال شجع على الوصول الى ما وصلت اليه سوريا اليوم. لقد كانت الولايات المتحدة وروسيا معها واقعتين تحت الضغوط الاسرائيلية، من اجل استمرار القتال، لان في تدمير سوريا وجيرانها مصلحة كبرى لاسرائيل، فترتاح دون ان تضطر الى اطلاق رصاصة واحدة. وهذا يثبت ان النفوذ الصهيوني في العالم متغلغل في كل الادارات الرسمية العالمية، ويعمل على مراعاة مصلحة اسرائيل اولاً، والا لماذا كل هذا الانكفاء، ولماذا كل هذه الفيتوات؟ طبعاً لروسيا مصلحة في دعم النظام، لانه اعطاها اكثر بكثير مما كانت تحلم به. فاقامت القواعد العسكرية والبحرية وادخلت جميع انواع الاسلحة المتطورة الى المنطقة وهي تقاتل اليوم دفاعاً عن هذه المصالح.
شهدت مناطق عدة في سوريا مثل داريا والغوطة الشرقية قرب دمشق هدوءاً بعد دعوة روسيا الى هدنة، وهذا ان دل على شيء فانما يدل على ان روسيا هي التي تشجع على التصعيد، فتشتعل المنطقة عندما ترغب في ذلك، وعندما تعلن الهدنة يهدأ الوضع. فلو كانت المعارضة هي التي تصعد لما التزمت بالدعوة الروسية. ان كل ما يجري يدل بوضوح على الدور الروسي المشبوه في هذه الحرب القذرة.

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق