مهمات العهد صعبة ولكنها غير مستحيلة
قضي الامر واصبح للبنان رئيس للجمهورية، وعاد العماد ميشال عون الى قصر بعبدا بعدما غاب عنه نحو ستة وعشرين عاماً. وبانتخابه يضع حداً لفراغ قاتل، شل المؤسسات ودمر الاقتصاد واوصل لبنان الى شفير الهاوية. هذا الشغور الرئاسي كان من الممكن ان ينتهي منذ سنتين ونصف السنة، وكان يجب ان يحصل ذلك، ولكن عدم الرغبة في ان يكون للبنان رئيس ادى الى هذه الحالة المزرية، التي لولا العناية الالهية التي تحمي لبنان لتدمر كل شيء.
مرحلة جديدة تبدأ اليوم مع بداية عهد يعلق اللبنانيون، موالين ومعارضين الامل الكبير عليه في انهاض البلاد من كبوتها. لقد ادرك المواطنون على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم خطورة الفراغ الرئاسي، واصبحوا يترقبون الساعة التي يتم فيها وضع حد لهذه الحالة غير الطبيعية.
بعد يومين او ثلاثة تنتهي الاحتفالات والمهرجانات، ويبدأ الجد في العمل. فينصرف الرئيس الجديد الى تشكيل حكومة تكون على مستوى آمال وطموحات اللبنانيين تعيد وضع لبنان على السكة الصحيحة. والتخوف هنا من ان يتجند المعطلون الى منع تشكيل الحكومة، في محاولة منهم لعرقلة مسيرة العهد من بدايتها. فهل اخذ المسؤولون، وعلى رأسهم الرئيس الجديد، هذه الامور في حساباتهم؟وهل احتاطوا للامر، حتى تتمكن المسيرة التي بدأت من اكمال طريقها؟ وهل تنجح الحكومة الجديدة في حال تشكيلها في الامساك بالملفات الملحة وما اكثرها، وفي طليعتها ملف النفايات، وملف النازحين السوريين الذين باتوا ينافسون اللبناني في لقمة عيشه، وملف البطالة، وايجاد فرص عمل للشباب، تضع حداً لهذه الهجرة القاتلة التي تفرغ لبنان من كفاءاته. ان الحكومة الجديدة في حال تسهيل تشكيلها يجب ان تكون استثنائية تضم كل الاطراف، حكومة اتحاد وطني شعارها التآلف والتوافق، بعيداً عن الكيدية والخلافات التي شهدناها على مدى سنتين ونصف السنة، مع حكومة الرئيس تمام سلام. وهذا الامر يتطلب قبل كل شيء النوايا الطيبة، وتغليب المصلحة الوطنية على المصالح الشخصية الضيقة، ومتى توفر ذلك، تسقط كل المطبات والمعوقات.
ويبدأ العهد الجديد وفي مواجهته معارضة قوية، وهذا امر جيد في الحياة الديمقراطية، اذ ان المعارضة ستقف بالمرصاد بوجه اي خطأ وتحاسب المسؤولين عنه. وهذا هو المطلوب في هذه الفترة، حتى تستقيم الامور ويتم تصحيح الخلل. ومن المهام الرئيسية امام العهد الجديد محاربة الفساد، الذي استشرى في السنوات الاخيرة بشكل غير معقول، فاساء الى سمعة البلاد، وافرغ جيوب المواطنين، وتكدست اموال الفاسدين في المصارف المحلية والاجنبية. انها مهمة صعبة للغاية ويعجز عن معالجتها كبار السياسيين، ولكنها ليست مستحيلة، فهي تتطلب ايادي نظيفة، هي وحدها القادرة على المحاسبة وتصحيح الخلل.
والمهمة الثانية والملحة امام الحكومة الجديدة وضع قانون جديد للانتخاب، يضمن حسن التمثيل للجميع، ويؤكد عدم عودة هذه الطبقة السياسية الفاسدة، التي عاثت في الارض فساداً وافقرت اللبنانيين.
اما القضايا الاجتماعية والمتعلقة بحياة الناس فما اكثرها، وكلها تتطلب المعالجة السريعة. ونبدأ بالكهرباء علة العلل التي تطبق على جيوب المواطنين فتفرغها وتستنفد اخر ليرة في الخزينة. لولا الفساد الذي طغى على كل شيء، لكان لبنان ينعم منذ اكثر من عشرين سنة بتيار يؤمن النور وحاجات الناس، غير ان الاموال التي انفقت على اصلاح الكهرباء تبددت وضاعت وحطت في بعض الجيوب التي تبتلع الكثير الكثير، فهل يستطيع العهد الجديد ان يعيد اصلاح ما تخرب؟
وما يحكى عن الكهرباء ينطبق على المياه. فلبنان ينبوع الشرق الاوسط ومع ذلك يعاني مواطنوه الشح والعطش في بعض الاحيان. وهناك ايضاً النفايات وغيرها وغيرها من الملفات، وكلها تتطلب الحلول السريعة التي لا يمكن ان تتأمن، الا اذا ساعدت الكتل النيابية على اختلافها في تسهيل تشكيل حكومة جديدة بالسرعة القصوى، حتى تعود الحياة تدب من جديد في كل المؤسسات. فهل يستطيع العهد الجديد ان يؤمن كل ذلك ام ان اللبنانيين يحلمون بما لا يمكن تحقيقه؟ الايام المقبلة تحمل الجواب.
«الاسبوع العربي»