اذا عرف الشعب كيف يختار ممثليه
انجازان حققتهما الحكومة الاسبوع الماضي. الانجاز الاول تمثل في اقرار الموازنة العامة لاول مرة منذ اثنتي عشرة سنة، وبذلك يصبح للدولة خطة واضحة يتم الاتفاق على اساسها، فيضبط الدين الذي يتصاعد سنة بعد سنة حتى بلغ درجة الخطر. والانجاز الثاني كان خطة الكهرباء، فعاد الامل معها الى المواطن بتجاوز مرحلة العتمة المسيطرة منذ اكثر من ربع قرن.
في الظاهر الانجازان كبيران ويبشران بانعكاسات ايجابية على المواطن ولكن تبقى العبرة في التفاصيل والتنفيذ. فالموازنة لم تعرف بعد جميع الخفايا المتعلقة بها، ونحن بانتظار مناقشتها في المجلس النيابي لنتبين الخيط الابيض فيها. لذلك فالحراك الشعبي الذي استطاع ان يجمد مفاعيل الضرائب التي صوت عليها النواب، دون التطلع الى وضع الطبقة الفقيرة والمتوسطة، هذا الحراك يجب ان يبقى على اهبة الاستعداد، لمواجهة اي ضريبة مجحفة بحق الاكثرية الساحقة من الشعب اللبناني، وهم عاجزون عن دفع المزيد. اقرت الموازنة؟ نعم. ولكن اين صارت حسابات 12 سنة لم توضع خلالها موازنة للدولة، وماذا حل بالـ 11 مليار دولار التي كثر الحديث عنها، واثارت جدلاً جمد وضع موازنات للسنوات الماضية؟ فاذا لم يعط المواطن توضيحات حول هذا الموضوع، فان شكوكه ستزداد بان هذه الاموال دخلت باب الهدر والفساد، وهم يخافون من الكشف عنها.
اما خطة الكهرباء فيعتمد نجاحها على التنفيذ والايفاء بالوعود. فالتصريحات الاولية للمعنيين حولها بشرتنا انه في فصل الصيف سيكون التيار مؤمناً بين 22 و24 ساعة في اليوم، غير ان تصريحات اخرى لحقت بالاولى ولم يجف حبرها بعد، شككت بصحة هذا الكلام، فمن نصدق؟ طبعاً علمتنا التجارب الا نصدق الوعود، وان ننتظر الصيف، وقد اصبح على الابواب، لنحكم على صحة هذه التصريحات او تلك.
ثم قالوا لنا انه متى ازدادت ساعات الانارة انخفضت فاتورة المولد الكهربائي، ولكن من قال لهم ذلك؟ ومن يراقب اصحاب المولدات وتسعيراتهم واين الرقابة عليهم؟ لم نسمع ان صاحب مولد واحد تمت محاسبته بسبب التلاعب بالفاتورة، فهل كلهم يتمتعون بالنزاهة والشرف؟ الشهر الماضي مثلاً انخفضت ساعات التقنين في بيروت، وبالتحديد في الاشرفية، غير ان الفاتورة لم يتبدل قرش واحد فيها، فهل تمت المحاسبة؟ طبعاً لا، والسبب بات معروفاً، ان اصحاب المولدات محميون من نافذين يتقاسمون معهم الارباح، ولن يسمحوا بالمس بهذه المولدات، فاين الافادة للمواطن طالما ان الرقابة غائبة؟ اللبناني منذ القدم يعاني من التفلت وعدم المحاسبة، ولن تستقيم الامور طالما ان الوضع على حاله.
هذا بالنسبة الى الكهرباء ولكن الحديث عنها يجب الا ينسينا ازمة المياه التي هي ايضاً ترغمنا على دفع فاتورتين رغم ما يتمتع به لبنان من وفرة ينابيع غزيرة، ورغم ان المطر لم يكن شحيحاً هذه السنة، وبلغت الكمية المتساقطة نسبة متقدمة. فان القطع لن يلبث ان يبدأ فتجف الحنفيات داخل المنازل وتزدهر الصهاريج داخل الازقة وبين البيوت، فاين المشاريع التي يجب تنفيذها لتجنبنا الشح والعطش؟
انها حاجات اكثر من ضرورية للانسان ليتمكن من العيش حياة طبيعية، فمتى تتوفر لنا كاملة كما يحدث في كل دول العالم؟
ونعود الى المشكلة الابرز وهي قانون الانتخاب فطالما انهم قادرون على الاتفاق على الموازنة وعلى خطة الكهرباء وعلى التعيينات الامنية وغيرها، فلماذا لا يتفقون على قانون جديد للانتخاب يوفر للجميع حقوقهم، فتنتظم الحياة السياسية في لبنان؟ خصوصاً وان اصواتاً دولية بدأت تُسمع وتحذر من عدم اجراء الانتخابات في موعدها؟
النواب يمضون اوقاتهم وهم في حالة استرخاء وكأن قانون الانتخاب لا يعنيهم متناسين ان عيون العالم عليهم والعواصم الفاعلة تطالبهم بانجاز الاستحقاق الدستوري؟ تمر الاسابيع وتتنقل المواعيد والقانون لا يبصر النور، واخر الكلام بهذا الشأن يحدد شهر نيسان ويصفونه بانه شهر الحسم، فهل تصدق توقعاتهم هذه المرة، سيما وان لا مؤشرات جدية تنبىء بتفاهم ولو مبدئي على اي قانون حتى الساعة. واخر ما توصلوا اليه القاء كرة النار على الحكومة، على اساس انها صاحبة العلاقة، وعليها اقرار قانون جديد للانتخابات ينهي هذا التخبط، خصوصاً وان الوقت اصبح قاتلاً. ولم يعد هناك وقت للهو واللعب. فالفراغ ممنوع وهذا امر بات محسوماً، لانه يشكل خطراً على الكيان. لذلك فان الاتصالات قائمة بين مختلف الفرقاء فعسى ان نتوصل الى نتائج ايجابية، مع العلم ان المرحلة الممتدة من اليوم وحتى 20 حزيران، نهاية ولاية هذا المجلس الممدد لنفسه مرتين، هي مرحلة حساسة جداً. من هنا ثقة البعض بان قانون الانتخاب سينجز خلال هذه الفترة، ولن يتحمل اي طرف عدم اقراره. ثم ان الرئيس بري حدد جلسة لمناقشة الحكومة عقدت يومي الخميس والجمعة والهدف منها تحفيز النواب والحكومة معاً على اقرار قانون انتخابي فهل تنجح كل هذه المحاولات؟
علمتنا التجارب الا نتفاءل باي ايجابية في ظل هذه الطبقة السياسية، وعلى امل ان تجرى الانتخابات وفق قانون جديد، فتعود الثقة المفقودة منذ سنوات، اللهم اذا كان الشعب واعياً وعرف كيف يختار ممثليه من بين اصحاب الكفاءة والنزاهة والعلم، وعندها فقط تنهض الدولة ويحدث التغيير الايجابي. فلنصبر ان الله مع الصابرين.
«الاسبوع العربي»