ضريبة عشوائية تصيب الدواء هذه المرة
انجرت الحكومة مشروع الموازنة كاملاً، بعد سلسلة جلسات عقدتها اللجنة الخاصة، درست خلالها التعديلات والتخفيضات التي ادخلت على موازنة الوزارات، ثم تولت الحكومة شرح ارقام الموازنة وخلفياتها وابعادها والمقاربات التي حصلت عليها، باعتبار انها مرتبطة بالاثر الاقتصادي على الاقتصاد العام وعلى الشأن الاجتماعي. الى الان الخبر جيد، ولجأت الحكومة الى عامل السرعة بهدف اقرار الموازنة في مجلس النواب قبل الانتخابات، والا عادت المؤسسات الى الانفاق العشوائي. غير ان ما يخشاه المواطنون، واستناداً الى تجارب سابقة، ان يكون قد رافق الاسراع تسرع، بحيث تأتي الموازنة على غير ما يشتهيه الناس والاقتصاد.
وما يدفعنا الى هذا القول الاخطاء الجسيمة التي ارتكبها السياسيون في اقرار قوانين انقلبت وبالاً على الناس، وعلى خزينة الدولة، مثل قانون الايجارات الذي لا تزال الحكومة تدير الاذن الصماء للاحتجاجات الشعبية العارمة، ولا تفكر بالكارثة التي ستحل باكثر من مليوني شخص، عندما ينتهي مفعول هذا القانون. فهل امنت لهم المسكن اللائق الذي يتوافق مع قدرتهم الشرائية، ومعظمهم من الطبقة الفقيرة التي لا تملك ما تسد به جوعها وجوع عيالها؟ ثم هل هي قادرة على انشاء صندوق يتولى الدفع عن الفقراء، وهل قامت بالحسابات الدقيقة لتبين قدرتها على الايفاء بتعهداتها؟ اليس من الافضل ان تسترد هذا القانون، وتعيد النظر فيه، واذا اقتضت المصلحة تعمد الى الغائه وتستبدل به اخر. وهناك ايضاً قانون سلسلة الرتب والرواتب، والذي لا تزال اثاره المدمرة الى اليوم، وقد نشأت من جرائه ازمات ليس اقلها ازمة التربية، التي تهدد باطاحة السنة الدراسية، خصوصاً وان المعلمين غير عابئين بمصلحة الطلاب، وهم مصدر رزقهم. فقد اعلن نقيب المعلمين منذ ايام انه سيعلن الاضراب المفتوح في ايار المقبل، وسيطيح العام الدراسي (كذا)، هذا كلام صادر عمن كنا نعتقد انه يمكننا الاتكال عليهم في تأمين مستقبل اولادنا.
وعلى الرغم من عدم مناقشة الموازنة في مجلس النواب، الا ان الاخطاء بدأت تتكشف. فالطبقة التي اغرقت البلاد بالديون والفساد تحاول اليوم ان تحافظ على مكاسبها. فحولت انظارها الى الجيش تريد ان تأخذ منه، من خلال خفض بعض التعويضات المتعلقة بالعسكريين، بحجة عصر النفقات، من دون ان تدرك خطورة هذه الخطوة التي ترتكبها بحق الوطن والمجتمع. هذا الجيش الوحيد بين الجيوش العربية الذي انتصر على الارهاب دون مساعدة اي تحالف، لا عربي ولا دولي، ونظف الجرود من الارهابيين، طعن يوم حاولوا انتزاع انتصاره منه، فوافقوا على عقد الصفقة، وخرج القتلة الارهابيون بباصات مكيفة، هذا الجيش يريدون خفض نفقاته! وكأنهم يعارضون ان يعيش العسكري حياة كريمة بالحد الادنى عندما يتقاعد. هل المطلوب ان يضحي العسكري بحياته في الحرب، ويتم التخلي عنه في السلم؟ وهل المطلوب ابعاد المواطنين عن الانخراط في المؤسسة العسكرية؟
ثم انهم قالوا وتبجحوا امام المواطنين بان الموازنة الجديدة لن تتضمن فرض رسوم وضرائب جديدة، وامل المواطن خيراً رغم انهم لم يوفروا، منذ اشهر، سلعة واحدة لم يفرضوا عليها ضريبة. غير ان اللبنانيين اصيبوا بخيبة امل عندما رأوا الضرائب، لا تدخل من الابواب، بل من الشبابيك، لكي لا يلحظها الناس، ولكن كيف لا يلحظون وهي تزيدهم بؤساً. بعد درس موازنة وزارة الصحة قال وزير المال انه تمت المحافظة في موازنتها على المبالغ المتعلقة بالاستفشاء والدواء مع تخفيض البنود الاخرى. غير ان ما تم تخفيضه بدأ البحث عن مداخيل تعويضية ففرضوا على كل دواء مبلغ 750 ليرة لبنانية. فمثلاً لو قدمت وصفة طبية بعشر ادوية، فعلى حاملها دفع مبلغ 7500 ليرة لبنانية اضافية، ضريبة فوق الضرائب المفروضة، فهل يحق لاي وزارة ان تفرض الضرائب على هواها، ومن دون مراجعة مجلس الوزراء ومجلس النواب؟ وهل ان الحكومة وافقت على هذه الضريبة؟ وهذه حادثة وقعت اذ اقدم احد المواطنين وقدم وصفة طبية للصيدلي تتضمن ثماني ادوية، استطاع ان يجمع ثمنها بعد جهد وتقتير، ولما طالبه الصيدلي بالضريبة الجديدة وقدرها (750 ضرب 8 عدد الادوية) ستة الاف ليرة، قال انه لا يحمل سوى سعر الوصفة، وغادر الصيدلية دون دواء، فهل هذا يجوز؟ هل هذه هي الطبابة المجانية التي يحق للمواطن بها، كما في كل بلدان الناس؟ وهل كتب على اللبنانيين ان يعانوا الظلم والقهر؟ فلماذا هذه الضريبة؟ الم تكف اللائحة الفضفاضة التي تضمنت عشرين ضريبة انهكت المواطن وحرمته من امور حياتية كثيرة؟
قضية اخرى نعرضها لكم. هناك دواء ثمنه في لبنان يفوق السبعين الف ليرة وعلى المواطن المريض ان يتناوله بصورة دائمة. وصودف ان احد رفاق المريض سافر الى تركيا فطلب منه ان يشتري الدولاء له من هناك، اذا كان ثمنها اقل. وبعد اسبوع عاد الصديق حاملاً علبتين من الدواء، ولما سأله المريض عن ثمنها قال العلبة بعشرة دولارات، اي خمسة عشر الف ليرة لبنانية؟ هل من يجيبنا عن السبب؟ فمتى نصبح في مستوى الدول، حيث السياسيون يهتمون بمصلحة المواطن، فتضبط الاسعار وتسهل امور المواطنين الحياتية؟
«الاسبوع العربي»