لا حكومة… لا مسؤولين… لا دولة

في المفهوم العام لكلمة حكومة، انها مجموعة اشخاص يفترض فيهم ان يتمتعوا بالكفاءة والحس بالمسؤولية، والعمل وفق خطة علمية من اول بنودها مراعاة قدرة مواطنيها على مواجهة الاعباء المفروضة عيلهم. فلهم حقوق وعليهم واجبات يجب الاخذ بعين الاعتبار الموازنة بينهما. اما في لبنان فيبدو ان الحكومة ضيعت البوصلة. وكما انها تحكم بصورة عشوائية ولا وجود لخطط اصلاحية وانسانية واقتصادية ومالية علمية لديها، فهي على المنوال عينه تتعاطى مع المواطنين بدون اي برنامج وفي غياب هذه الخطط الاصلاحية لم يعد لديها باب واحد يدر المال على الخزينة المنهوبة. فالادارة العامة متوقفة عن العمل بفعل الاضرابات المتلاحقة وهي معطلة منذ شهور طويلة، ومعطلة معها مصالح المواطنين. فمصلحة تسجيل السيارات توقف العمل فيها لاشهر، وعادت عرجاء غير قادرة على الانتاج بصورة متواصلة، الدوائر العقارية مقفلة. والضرر الكبير يعود على المواطنين اولاً. وعلى الخزينة ثانياً. وتطلعت الحكومة حواليها فلم يعد لديها سوى جيوب المواطنين المهترئة، وقد اعتادت على غزوها لانها الوسيلة الاسهل لجمع ما تحتاج اليه من نفقات، معظمها يذهب في طرق ملتوية لا تعود على المواطن باي فائدة. فهناك مثلاً ما يفوق الثلاثمئة الف موظف، بعضهم لا يعرف اين يقع مكتبه، لانه لم يزره ولا مرة، ومع ذلك فهو يقبض راتبه كل شهر وربما يقبض ساعات اضافية. هذا العدد الهائل من الموظفين بينهم من هم ليسوا اكثر من تنفيعات انتخابية، حشروا في الادارات الرسمية على حساب المواطنين من اجل جمع اصوات انتخابية. والامثلة على هذه السياسة المدمرة كثيرة، وقد عددناها مراراً، لعل التكرار يوقظ هذه الحكومة التي لم تعد موجودة بالنسبة الى المواطنين الا بمقدار الكم الهائل من الضرائب والرسوم المزدوجة التي تفرض عليهم.
في الكهرباء رفعوا التعرفة عشرات اضعاف، ووعدوا بتيار لا تقل ساعات التغذية عن اثنتي عشرة ساعة يومياً، وربطوها بالدولار المتفلت وضمنوها رسوماً غير معقولة، بلغت الملايين. واغرقت المواطنين بالديون، خصوصاً وان فاتورة المولد لم تنخفض مطلقاً لان اصحاب المولدات في بيروت رفضوا تركيب العدادات وهم يفرضون فواتير عشوائية لا تشبع نهمهم وجشعهم.
في المياه فواتير تتصاعد بشكل عشوائي لم يكن المواطن يتوقعه يوماً، ويقابل ذلك انقطاع شبه تام للمياه. فهي تطل مرة في الاسبوع ولساعات معدودة وعندما تعلو الضجة تضخ مرة ثانية بعد ايام، والاتكال اصبح على اصحاب الصهاريج وفواتيرهم التي تبقى ارحم من فواتير شركة المياه وتقديماتهم اكبر، فهم يسدون حاجة المواطن.
اما الاتصالات فحدث عنها ولا حرج. وزارة لم تشعر في عهد هذه الحكومة ولا مرة بمسؤوليتها تجاه المواطنين. فهي لم تحقق انجازاً واحداً، حتى سميت عن حق وزارة الضرائب. فالانترنت في اسوأ حالاته وهو موجود داخل الخلوي بالاسم فقط لانه لا يعمل، وكأنه غير موجود، وليس افضل حالاً في المنازل والشركات. والسنترالات في معظم الاحيان متوقفة عن العمل والاعطال تتنقل من مركز الى اخر. رفعوا فاتورة الخليوي اضعافاً مضاعفة مع وعد بتحسين الوضع. فقبضوا المال وبقي الحال على ما هو عليه. وجاءت وزارة الضرائب اليوم ترفع الانترنت سبعة اضعاف وتربطه باسعار المازوت المرشحة للتصاعد، لتحلق الفواتير اكثر فاكثر. كما رفعوا تعرفة التخابر والرسوم وغيرها في الهاتف الثابت. هذه الوزارة التي كانت في عهدة ستة وزراء اتهمهم القضاء باضاعة مئات الملايين على الدولة وثارت الضجة ثم طوي الملف. فلماذا لا يحاسب هؤلاء الوزراء ويرغمون على دفع الملايين التي ضيعوها، فتنتقي الحاجة الى رفع الضرائب؟ بالطبع ان هذا لن يحصل، لان المنظومة تدافع عن نفسها وعن انصارها ولو قبلت بمحاكمة واحد منهم لكرت السبحة وطاولت الكثيرين. لذلك فهي تمنع المحاسبة.
الهيئآت الاقتصادية انتفضت على هذه الحكومة وعلى موازنة 2023 وقالت ان هذا المشروع محاسبي، يحاولون من خلاله جباية اكبر قدر من الضرائب، لتغطية اكبر نسبة ممكنة من النفقات وهو خال من اي اصلاحات، فماذا ينتظر المواطنون؟ ان عملية حسابية بسيطة تظهر ان مجموع تعرفات الكهرباء والمياه والاتصالات والمولدات والصهاريج، تفوق العشرين مليون ليرة في ادنى حد، مع ان الحد الادنى للاجور هو تسعة ملايين، فهل قامت الحكومة بهذه العملية الحسابية وهل هي تقوم بواجبها وتراعي قدرة المواطنين الشرائية؟ بالطبع لا ونحن عندما قلنا ان اللبناني متروك لقدره لم نكن نبالغ. فنحن نسير بقدرة قادر دون حكومة ودون مسؤؤلين ودون دولة.
«الاسبوع العربي»