ليبيا: العنف يتواصل، و«المؤقتة» تلمح لطلب تدخل دولي، والبرلمان الجديد يستعد لتسلم السلطة

رغم كل المحبطات التي يعيشها الشارع الليبي، تحاول بعض الهيئات الرسمية الامساك بزمام الامور، والتخفيف من حدة حالة الفلتان التي بدت السمة الغالبة في كل مكان من الارض الليبية، حيث تنتشر الفوضى، وتواصل التنظيمات المسلحة الصراع فيما بينها وتنتشر المواجهات وعمليات القتل والتدمير.
بين هذه التنظيمات ثمة خيط سياسي يمكن تلمسه، ويقوم على مشروع صراع بين التيار الاسلامي وتيارات اخرى من بينها مجموعة الليبيراليين الذين يحاولون الامساك بزمام الامور وعدم التسليم بقدرة الاسلاميين على ادارة الدفة، وتصدر المشهد.
فالصراع هناك قبلي بالدرجة الاولى، وتنظيماتي بالدرجة الثانية، وسياسي بحد ادنى في كل تلك الحالات. والصورة العامة تؤشر على انشغال شبه تام بقضايا هامشية، تخفي وراءها ازمة حقيقية بدا واضحاً انه من الصعب التخلص منها. والى الدرجة التي دفعت بدول الجوار الى التنسيق في ما بينها من اجل اتقاء شرور تلك التفاعلات الدموية على الساحة.
هنا، تتجه الانظار نحو تجربة حفتر وما اذا كان من شأنها ان تضع حدا للازمة المستفحلة. غير ان تقاطعات الموقف بدت اكثر صعوبة وتعقيداً من كل التخيلات. الامر الذي دفع ببعض الهيئات الرسمية الى الاستعانة بجهات دولية عل وعسى ان تساعد في الخروج من عنق الزجاجة.
يأتي ذلك في ضوء التفاعلات التي اعقبت العملية الانتخابية، ومنها الخلافات حول مقر مجلس النواب الجديد، وعملية تسمية القيادات المستقبلية للبلاد.
تسلم البرلمان
في هذا السياق، اعلن المؤتمر الوطني العام في ليبيا إنه حدد يوم الرابع من آب (أغسطس) موعداً لتسليم السلطة إلى البرلمان الجديد الذي انتخب في 25 حزيران (يونيو) الماضي، وتأتي الخطوة في ظل مواجهات عنيفة ومتواصلة في طرابلس وبنغازي أدت إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى.
وأكد المؤتمر – على موقعه الإلكتروني – أنه «حدد يوم الاثنين الرابع من آب (اغسطس) المقبل موعداً للتسلم والتسليم بين المؤتمر الوطني العام ومجلس النواب المنتخب للمرحلة الانتقالية»، استناداً الى قرار وقعه رئيس المؤتمر نوري أبو سهمين. وسيقرر في وقت لاحق مكان المراسم وتاريخ الجلسة الأولى للبرلمان المكون من مائتي مقعد.
وكانت المفوضية العليا للانتخابات أعلنت – الاثنين – النتائج النهائية للانتخابات البرلمانية، وذكر محللون أن هذه النتائج كشفت عن تقدم لقوى ليبرالية. وأكد النائب عن مدينة بنغازي يونس فنوش أن تحالف القوى الوطنية فاز بأكثر من خمسين مقعداً.
اشتباكات عنيفة
وعلى الصعيد الميداني، تجددت الاشتباكات العنيفة في محيط مطار طرابلس الدولي بين قوة أمن المطار ولوائي القعقاع والصواعق من جهة، وقوة حفظ أمن واستقرار ليبيا من جهة ثانية. وهزت أصوات الانفجارات أجواء العاصمة طرابلس، حيث تستخدم في هذه الاشتباكات المدفعية والأسلحة الثقيلة.
وكانت مصادر طبية في بنغازي أكدت مقتل ثلاثين شخصاً على الأقل في اشتباكات مسلحة، بينما قتل ثلاثة أشخاص وجرح خمسة آخرون في تفجير عند قاعدة للجيش بالمدينة نفسها، بينما ارتفعت حصيلة قتلى معارك مطار طرابلس إلى أكثر من خمسين شخصاً. وتجاوز عدد الجرحى في بنغازي التسعين في مواجهات مسلحة بالمدينة التي شهدت – صباح الثلاثاء – قصفاً استمر ساعات بين قوات مجلس شورى ثوار بنغازي وقوات موالية للواء المتقاعد خليفة حفتر، وسقطت قذائف على أحياء سكنية في مناطق متفرقة من بنغازي.
جاء ذلك بالتزامن مع وقوع تفجير عند قاعدة للجيش الليبي ببنغازي ادى الى مقتل ثلاثة اشخاص. بينما وقع تفجير ثان خارج قواعد المعسكر عقب التفجير الأول مباشرة.
أما في طرابلس فقد أسفرت اشتباكات تدور منذ أسبوعين بين مجموعات مسلحة للسيطرة على مطار المدينة عن مقتل أكثر من خمسين شخصاً وجرح أكثر من 135.
ويستخدم المتقاتلون – وهم كتائب الصواعق والقعقاع وقوات أمن المطار من جهة، وقوات حفظ أمن واستقرار ليبيا المؤلفة من ثوار سابقين من جهة ثانية – مدافع ثقيلة مضادة للطائرات وصواريخ غراد في قصف حي قصر بن غشير والأحياء المجاورة له بمدينة طرابلس.
قتلى وجرحى
في الاثناء، قتل 16 شخصاً على الأقل وأصيب 81 آخرون في اشتباكات عنيفة اندلعت في محيط معسكرات تابعة للقوات الخاصة والصاعقة في منطقة بوعطني بمدينة بنغازي (شرق ليبيا)، بين الجيش ومجموعات من المليشيات المتشددة.
وقالت مصادر طبية إن مستشفى المرج (100 كلم شرق بنغازي) استقبل ثمانية قتلى وخمسين جريحاً، فيما استقبل مركز بنغازي الطبي ثمانية قتلى وعشرة جرحى، ومستشفى بلدة الأبيار (70 كلم جنوب شرق) 21 جريحاً.
وأوضحت المصادر الطبية أن «معظم القتلى والجرحى من العسكريين»، لافتة إلى أن ثلاثة مدنيين بينهم مصري قضوا بسقوط صاروخ على منزلهم.
وقال مصدر عسكري مسؤول، إن الاشتباكات استمرت طوال يوم الاثنين الفائت بسبب هجوم من أفراد «مجلس شورى ثوار بنغازي»، وهو ائتلاف لكتائب من الإسلاميين المتشددين، للاستيلاء على معسكر تابع للواء 319 مشاة التابع للجيش الواقع في منطقة بوعطني.
وأضاف المصدر «أن خمسة حراس موجودين في المعسكر الذي تمت مهاجمته قتلوا خلال الهجوم»، لافتاً إلى أن «الهجوم على المعسكر استدعى تدخل القوات الخاصة والصاعقة بمعسكراتها وكتائبها الثلاثة القريبة من الموقع».
وأوضح أن الوحدات الموجودة في المعسكر الرئيس للقوات الخاصة والصاعقة في منطقة بوعطني إضافة لمعسكري الكتيبة 36 والكتيبة 21 شاركت في صد الهجوم، إضافة إلى مساندة قتالية لمروحيات تابعة لسلاح الجو الليبي.
في الاثناء، هدد اللواء خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي، بتصعيد عملياته العسكرية التي لم تتوقف، حيث شهدت الفترة الماضية بشكل شبه يومي قصفاً عنيفاً بالمدفعية الثقيلة لمواقع يتمركز فيها المتشددون.
وفي المقابل تزايدت أعمال القتل عبر استهداف مواطنين وعسكريين وأفراداً في قوات الأمن ورجال دين، في إطار اغتيالات منهجية، لم تعرف حتى اللحظة الجهة التي تقف خلفها.
هجوم انتحاري
ولاحقاً، قتل اربعة جنود على الاقل في هجوم انتحاري مزدوج استهدف قاعدة عسكرية للجيش الليبي في بنغازي بشرق البلاد، بحسب ما افادت مصادر عسكرية وطبية.
وقال مسؤول عسكري لوكالة فرانس برس رافضاً كشف هويته ان الهجوم نفذه انتحاريان واستهدف ثكنة للقوات الخاصة في الجيش الليبي في حي بواطني بجنوب شرق بنغازي.
وافاد مصدر طبي ان الهجوم اسفر عن اربعة قتلى اضافة الى الانتحاريين فضلاً عن «عدد غير محدد من الجرحى».
واوضح المسؤول العسكري ان الهجوم نفذ في وقت الافطار، لافتاً الى ان انتحارياً يقود شاحنة اقتحم مدخل القاعدة وفجر شاحنته، تلاه انتحاري اخر كان يستقل سيارة صغيرة فجرها بدوره.
ويأتي هذا الاعتداء الذي لم تتبنه اي جهة غداة مواجهات دامية بين القوات الخاصة في الجيش الليبي ومسلحين اسلاميين.
من جهتها، أمرت الحكومة الليبية الفصائل المتقاتلة بالتوقف فوراً عن جميع أشكال القتال، وأمهلتهم أسبوعا للانسحاب عشرين كيلومترا على الأقل خارج محيط مطار طرابلس والمناطق المجاورة.
كما توعدت بتقديم كل من يطلق النار أو يأمر بذلك للمحاكمة بتهم القتل العمد وارتكاب جرائم ضد الإنسانية، ولم تستبعد الحكومة طلب قوة دولية لمساعدتها على الخروج من أزمة البلاد الأمنية الراهنة.
وأوضح المتحدث باسم الحكومة أحمد الأمين – في بيان – أن مجلس الوزراء عقد اجتماعاً طارئاً تدارس خلاله «إستراتيجية طلب محتمل لقوات دولية لترسيخ قدرات الدولة وحماية المواطنين ومقدرات الدولة».
كيري يدعو للتهدئة
من جهته، دعا وزير الخارجية الأميركية جون كيري أمس الثلاثاء إلى وضع حد لمستويات العنف «الخطيرة» في ليبيا، في حين أمهلت الحكومة الليبية الميليشيات المتقاتلة أسبوعاً للانسحاب خارج مدينة طرابلس.
وقال كيري في فيينا «نشعر بقلق بالغ بشأن مستوى العنف في ليبيا»، واصفاً إياه بالخطير، قائلاً إنه يجب أن يتوقف، وأكد أنهم يعملون بجدية شديدة من خلال مبعوثين خاصين لإيجاد الترابط السياسي الذي يمكن أن يجمع الناس معا لخلق قدرة أكبر في حكومة ليبيا حتى يمكن أن ينتهي هذا العنف.
وأفادت وكالة رويترز بأن القوى الغربية تخشى من أن تسمح الفوضى في ليبيا بتدفق الأسلحة والمسلحين عبر حدودها، حيث أصبح جنوب ليبيا «مرتعاً للمسلحين» الذين أخرجتهم القوات الفرنسية من مالي في وقت سابق من العام الحالي.
ا. ح