سياسة لبنانيةلبنانيات

انسحاب الحريري ومعه رؤساء الحكومات هدية ثمينة لقوى السلطة

التغيير كان ممكناً لو توحدت قوى المعارضة ولكن المصالح عطلتها

عند منتصف ليل امس الثلاثاء اقفل باب الترشيح للانتخابات النيابية. وابتداء من اليوم ينصرف المرشحون الى تركيب اللوائح، وتحديد الجهات المتعاونة. وترتدي المعركة هذا العام طابعاً مميزاً، اذ انها ليست انتخابات عادية، بل هي مصيرية، وتدور رحاها بين المنظومة المتجذرة في السلطة وفي الادارات الرسمية وفي كل مفاصل الدولة، والمعارضة التي اصبحت معارضات عدة مبعثرة، الوضع الذي اثلج صدور اركان المنظومة. لقد كان من الممكن، لا بل الاكيد ان تنتصر ثورة 17 تشرين والمؤمنون بالخط السيادي الوطني، وتستعيد الوطن المخطوف، الا ان تشرذمها وعدم التفافها حول بعضها البعض، فتح الطريق واسعاً امام قوى السلطة والفئات التي تسير في خطها. لم تبق جهة او مرجعية من القوى المؤيدة للتغيير الا ودعت ونبهت، وطالبت بالحاح بتوحيد القوى المعارضة في لوائح مشتركة تؤمن الفوز، غير ان المصالح الشخصية حتى لدى هذه الفئة، لعبت دورها وساهمت في التفتت والانقسام.
شهد يوم امس مفاجآت عدة وان كانت متوقعة، ابرزها اعلان رئيس الحكومة الاسبق فؤاد السنيورة عدم ترشحه، ولكنه اكد انه يدعو، وبقوة وحزم، الى المشاركة في الانتخابات بكثافة. فهو انسحب من الترشح ولكنه باق في المعركة، لكي لا يترك الساحة السنية للخصوم، يستغلونها لتحقيق اهدافهم والبقاء متحكمين بالسلطة. فمنذ اليوم الاول لاعلان الرئيس سعد الحريري عزوفه عن الترشح، والانسحاب من الحياة السياسية، داعياً تيار المستقبل الى الاقتداء به، والا الاستقالة، والرئيس السنيورة يعارض بشدة هذا التوجه. فهو يعلم ان التخلي عن المعركة، وترك الساحة السنية، هما هدية ثمينة تقدم للقوى الاخرى المتحكمة بكل مفاصل الدولة، وهو يعتبر ان الاعتكاف خطأ جسيم سيدفع ثمنه لاحقاً المعتكفون. وينشط السنيورة في تشكيل اللوائح وخصوصاً في بيروت، للملمة الصف والعمل على انقاذ الوضع، وبذلك يقود المعركة وحيداً بعد انسحاب الرؤساء تمام سلام وسعد الحريري ونجيب ميقاتي، الذين ربما يؤيدون من وراء الستار خطوة الرئيس السنيورة.
ويعلق المجتمع الدولي امالاً كبيرة على هذه الانتخابات، تماماً كما هو الحال في الداخل، لاحداث التغيير المنشود واعادة لبنان الى موقعه الطبيعي داخل الصف العربي والمجتمع الدولي ويستعيد دوره الذي طالما كان له وقع وكان موضع احترام الجميع. وهذا كان ممكناً لو ان المعارضة توحدت، وخاضت الاستحقاق صفاً واحداً، وكانت قادرة على الاتيان بكتلة نيابية محترمة تعمل على التغيير. اما اليوم وفي ظل هذا الواقع المشرذم ضعف اي امل بتحقيق الاهداف. على كل الحال لم يفت الاوان بعد، ولا تزال الفرصة سانحة امام قوى المعارضة وقوى الثورة لتشكيل لوائح موحدة تفرض كلمتها، فهل تحدث المفاجأة وتنجح المساعي لتحقيق هذه الخطوة، ام ان ما كتب قد كتب؟ ستبقى المحاولات جارية حتى الرابع من نيسان المقبل، الموعد النهائي لاعلان اللوائح.
نعود الى انسحاب رؤساء الحكومات السابقين الذين فتح الطريق امامهم الرئيس الحريري. فلمصلحة من تمت هذه الخطوة؟ وما هو الهدف من ترك الساحة السنية للخصوم؟ اسئلة لا تزال تتردد في الاوساط الشعبية التي تسودها البلبلة والضياع، وحتى الاوساط السياسية لا تجد تفسيراً لهذا الاعتكاف، مع علم المنسحبين ان انسحابهم، يقدم النجاح مجاناً للخصوم. فهل هذا المقصود؟ على كل حال ان الايام حبلى بالمفاجآت. فلننتظر ونر الى ما ستؤول اليه الامور.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق