سياسة لبنانيةلبنانيات

ذكرى الاستقلال: عيد باية حال عدت يا عيد؟

احتفل لبنان امس بالذكرى الثامنة والسبعين للاستقلال، فاقيم في وزارة الدفاع في اليرزة عرض عسكري رمزي حضره رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي وعدد من الوزراء والنواب والدبلوماسيين. ونشرت السفيرة الاميركية صورة للمناسبة وكتبت ينعاد عليكم بظروف احسن، كما غردت السفيرة الفرنسية آن غريو متمنية للبنان واللبنانيين مستقبلاً افضل وان يجتاز البلد الوضع الصعب الذي يمر فيه. ودعت المسؤولين الى العمل من اجل لبنان الحر والسيد.
الظاهرة الملفتة تمثلت بالتباعد بين اركان الحكم، وخصوصاً بين الرئيسين عون وبري. وكان الوجوم مخيماً على الوجوه. وبعد انتهاء الاحتفال انتقل الرؤساء الثلاثة بسيارة الرئاسة الاولى الى القصر الجمهوري، حيث عقد اجتماع بينهم دام ساعة كاملة لم يرشح عنه الكثير، ولم تظهر نتائج فورية. واكتفى الرئيس بري بالقول انشالله خير. الرئيس ميقاتي قال ان الاجتماع كان جيداً ومثمراً. هل شكل هذا الاجتماع فرصة للمصالحة والتفاهم؟ وهل سيعاود مجلس الوزراء اجتماعاته؟ لا جواب حتى الساعة. الا ان الحوار هو السبيل الوحيد لحل هذه الخلافات.
نعود الى مناسبة الاستقلال. فهو لم يعد قائماً الا بالاسم. ذلك ان اللبنانيين انقسموا الى فئات متعددة الولاءات بحيث باتت صيغة العيش المشترك مهددة، خصوصاً بعد محاولات جرت في الاونة الاخيرة وكلها تؤشر الى الفتنة. وحده الجيش اللبناني الذي يحظى بثقة جميع اللبنانيين، بقي صمام الامان لهذا الوطن المشرذم، الذي يعاني من ازمات تجاوزت القدرة على الحل. فالاستقلال يكون بولاء جميع المواطنين للبنان مهما تعددت الاراء السياسية بينهم. ففي النهاية يجب ان يكون اللبنانيون كلهم في صف واحد، وولاء ثابت لهذا الوطن وذلك عبر تحييده عن كل الازمات التي تعصف بالمنطقة. فلبنان المزدهر لا يمكن الا ان يكون حيادياً والا يحل به ما يعاني منه اللبنانيون اليوم. وبذلك يتخلص من محاولات التدخل في شؤونه والسيطرة عليه.
في ظل الوضع القائم وعدم الانسجام والتوافق بين الفئات السياسية، كيف يمكن ان تستقيم الامور، وكيف يمكن حلحلة المشاكل القائمة لاعادة المؤسسات الى لعب دورها؟ لقد تحدثوا في الايام الاخيرة عن تفاؤل بقرب استئناف جلسات مجلس الوزراء، الضرورية جداً اليوم، ولكن تبين ان هذا التفاؤل لم يكن في محله. فالمعطلون على مواقفهم، يتطلعون الى قبع المحقق العدلي طارق بيطار كشرط لا حياد عنه للسماح لمجلس الوزراء بالعودة الى ممارسة مهامه، اما ماذا عن هموم المواطنين وحياتهم التي تحولت الى جحيم في ظل الازمات المتلاحقة فشأن آخر في نظرهم. هل هكذا ننمي الاستقلال ونكسبه معناه الحقيقي؟ ان الاستقلال يفرض قبل اي امر اخر التفاهم التام بين جميع ابناء الوطن ليقفوا صفاً واحداً في الذود عنه. فهل هذا ما هو حاصل اليوم؟ وهل ولاء كل اللبنانيين للبنان اولاً؟ ان اكثر ما تحتاج اليه البلاد هو ان تعمل المؤسسات وعلى رأسها مؤسسة مجلس الوزراء بقوة، وليلاً نهاراً لمواجهة الوضع شبه المستحيل الذي نمر فيه اليوم. ولكن العكس ما هو حاصل. فمجلس الوزراء معطل على ايدي ابنائه، والادارات الرسمية معطلة ايضاً بالاضرابات المتلاحقة، والسبب ضيق فسحة العيش، نتيجة القرارات العشوائية التي اتخذتها الحكومة دون دراسة او تخطيط، فهي مثلاً عمدت الى رفع الدعم عن المحروقات كالبنزين والمازوت والغاز، وعن الادوية التي طارت اسعارها وحلقت بحيث باتت فوق قدرة المريض على الحصول عليها، دون ان تقدم للمواطنين بالمقابل ولا اي شيء، فرزحوا تحت اعباء اكبر من قدرتهم على حملها. هل فكرت الحكومة انها برفع سعر الدواء، هذا الارتفاع الهائل، سيزيد من عدد الوفيات؟ فهل هذا هو المقصود؟ ثم اين البطاقة التمويلية التي وعدت بانها ستعطى قبل رفع الدعم؟ على كل حال لقد فقدت هذه البطاقة اهميتها ومعناها في ظل رفع الاسعار الجنوني.
كل شيء في البلد معطل، وحدها مصالح المنظومة ماشية. وهذا ما يجعلها لا تلتفت الى قضايا الناس. فعسى ان يعود المعطلون عن عنادهم بمناسبة الاستقلال ليعطوا للذكرى معناها الحقيقي، وعسى ان يعود مجلس الوزراء الى الانعقاد والعمل على ايجاد الحلول للازمات القاتلة قبل فوات الاوان. ونحن نتساءل مع الشاعر: «عيد باية حال عدت يا عيد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق