تحقيق

لماذا يحتفل المصريون بعيد الحب مرتين؟

في 14 شباط (فبراير) من كل عام، يحتفل العالم بـ «عيد الحب» أو ما يعرف عالميا باسم «الفالنتاين». وينتظر المحبون هذه المناسبة للتعبير عن حبهم لبعضهم البعض بصفة خاصة ولإحياء مشاعر قد تكون مغمورة في ظل الروتين اليومي. أما مصر، فتحتفل بعيد الحب في تاريخه العالمي لكن أيضاً بتاريخ 4 تشرين الثاني (نوفمبر) من كل عام، فما أسباب اختيار مصر لهذا اليوم بالتحديد للاحتفال بالمناسبة؟
يحتفي العالم أجمع بـ «عيد الحب» أو «الفالنتاين» في 14 شباط (فبراير) من كل عام، فتنتعش تجارة الورود والشوكولاتة وبطاقات المعايدة وغيرها من الهدايا حيث ينتظر بائعو الزهور والهدايا في جميع بلدان العالم هذه المناسبة لتحقيق مبيعات أكثر من أيام العام العادية.
وعلى الرغم من أن الحب لا يحتاج للتقيد بتاريخ ما للاحتفال فإن العالم تعارف على 14 شباط (فبراير) الذي يرجع أصله لروايات تاريخية مختلفة، لعل أشهرها دينية على غرار رواية القديس الإيطالي سان فالنتين الذي أعدم في هذا التاريخ وذلك بسبب عقده زواجات مسيحية سراً.

«شعب عاطفي» ورواية مصطفى أمين

أما مصر فهي تحتفل بهذا العيد مرتين، الأولى في الرابع من تشرين الثاني (نوفمبر)، والثانية في التاريخ المتفق عليه عالمياً.
في هذا السياق، قالت الدكتورة سهير لطفي لفرانس24، الرئيسة السابقة للمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بالقاهرة أن الشعب المصري «بتكوينه الثقافي والتراثي، هو شعب عاطفي دائم البحث عن سبل للاحتفال بالحب بجميع مظاهره، فليس من الغريب أبدا أن يحتفل سنوياً بعيد الحب مرتين».
ولتأكيد هذا التصريح، ذكرت سهير لطفي عيد المرأة في بلادها كمثال فقالت «إن مصر تحتفل بعيد المرأة في تاريخين مختلفين: يوم المرأة العالمي في الثامن من آذار (مارس) ويوم المرأة المصرية في السادس عشر من الشهر نفسه».
وتشير العديد من المصادر، بشأن اختيار المصريين لتاريخ الرابع من تشرين الثاني (نوفمبر)، إلى رواية الكاتب والصحافي مصطفى أمين (1914-1997). فقد ذكر موقع صحيفة الأهرام المصرية، أن السبب يعود إلى مقال لمصطفى أمين نشر في العام 1974 ويتناول قصة واقعية عاش أطوارها.
من جهته قال المدير التنفيذي في مكتب دراسات الشرق الأوسط بباريس، أحمد يوسف لفرانس24، إن «المعلومات حول اختيار هذا التاريخ بعينه متضاربة، لكن لا شك أن مصطفى أمين هو من اختار التاريخ، وهو غالباً ما يختار تواريخ مرتبطة بحياته الشخصية مثل اختياره لتاريخ عيد الأم المصري، الذي أعتقد أنه تاريخ وفاة والدته».
كما  تقول سهير لطفي «لا أذكر تحديداً الأسباب وراء اختيار هذا التاريخ، ولكني أعتقد أن مصطفى أمين، هو وراءها، بحكم بصماته المتروكة دائماً في أعياد المصريين، ومنها عيد الأم، ومن هنا أبلغ تحياتي للكاتب» الراحل.

«الجنازة التي تحولت إلى عيد»

وترجع مسألة تخصيص المصريين ليوم 4 تشرين الثاني (نوفمبر) للاحتفال بعيد الحب إلى فقرة بعنوان «فكرة» نشرها مصطفى أمين في العام 1974 في جريدة «أخبار اليوم» التي أنشأها هو وأخوه علي أمين.
و«فكرة» أمين هي أن يكون يوم الرابع من تشرين الثاني (نوفمبر) من كل عام هو يوم للاحتفال بعيد الحب في مصر ولكن الحب بمعناه الواسع الشامل بدءاً من حب الله والأسرة والجيران والأصدقاء والناس جميعاً، فكتب: «نريد أن نحتفل لأول مرة يوم السبت 4 نوفمبر بعيد الحب، حب الله وحب الوطن وحب الأسرة وحب الجيران وحب الأصدقاء وحب الناس جميعاً (…) هذا الحب سوف يعيد إلينا كل فضائلنا ويبعث كل قيمنا، يوم كانت النخوة طابعنا والمروءة ميزتنا والشهامة صفتنا».
وتؤكد ابنته صفية مصطفى أمين في حوار نشرته صحيفة «أخبار اليوم» العام 2017 أن هذه «الفكرة» مستلهمة من قصة نشر والدها تفاصيلها في مقال في العدد عينه من «أخبار اليوم» العام 1974 حيث روى الكاتب أنه شاهد، في هذا التاريخ أي الرابع من تشرين الثاني (نوفمبر)، جنازة في حي السيدة زينب بوسط القاهرة، فتعجب من وجود ثلاثة رجال فقط يسيرون في الجنازة، إذ من المعروف عن المصريين أنهم يشاركون عادة في الجنازات بأعداد وفيرة حتى ولو كان الميت لا يعرفه أحد.
فاختار أمين «فكرة» هذا التاريخ واقترح أن يكون عيداً للحب بهدف نشر السلام والمودة بين أفراد المجتمع، وليكون أيضاً نافذة أمل للجميع للتخلص من همومهم.
من جهته يؤكد أحمد يوسف بشأن اختيار مصطفى أمين لهذا التاريخ بالذات «من أكثر الروايات مصداقية هي رواية ابنة الكاتب مصطفى أمين».
وبمرور الوقت انتقلت تلك الدعوة من مجرد «فكرة» للكاتب مصطفى أمين إلى انتفاضة للحب بين المصريين، وبات يوم 4 تشرين الثاني (نوفمبر) من كل عام عيدا للحب في مصر.

تفريق بين «حبين»

وتعليقاً على احتفال المصريين بتاريخين مختلفين لعيد الحب، يذكر الكاتب أحمد يوسف أن «المصريين يحتفلون بالتاريخين ويفرقون بين العيدين».
ويوضح أن «أحدهما لعيد الفالنتاين وهو احتفال مقتصر على العشاق والآخر عيد الحب المصري وهو احتفال للحب بين العائلة وزملاء العمل». وتتوافق النقطة الأخيرة مع «الفكرة» الواسعة للحب التي نشرها مصطفى أمين والتي تشمل العائلة والأصدقاء.
وأضاف الكاتب أنه «في السنوات الخمس الأخيرة، تحول عيد الفالنتاين إلى احتفال بنكهة غربية مقتصر على الطبقات الثرية من المجتمع التي تحتفل به في الفنادق الفخمة والحفلات الصاخبة وخلافه».
أما سهير لطفي فتشير إلى أنه على الرغم من تبني «الفكرة» وانتشارها إلا أن «مظاهر الاحتفال بعيد الحب في مصر في شباط (فبراير) أقوى من نظيرتها بشهر تشرين الثاني (نوفمبر) وذلك يرجع لدور الإعلام، فهو الذي يكوّن الرأي العام المصري».

ا ف ب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق