الاقتصادمفكرة الأسبوع

اضعاف الين واليوان والدولار يؤجج حرب العملات

هل عادت «حرب العملات» الى واجهة الاحداث العالمية الاقتصادية؟ ومن هو المسؤول عن هذه الحرب وتداعياتها المحلية والخارجية؟ وما هي الاسباب التي تدفع بعض الدول الى هندسة سعر صرف العملة المحلية وفق المصالح الذاتية وليس وفق العرض والطلب؟

اول من تحدث عن حرب عملات كان وزير المالية البرازيلي غيدو مانتيغا في ايلول (سبتمبر) 2010 عندما اتهم الولايات المتحدة باشعال حرب العملات، وتعمد ابقاء عملتها ضعيفة بهدف منح صادراتها ميزة تنافسية وخنق صادرات الدول الصناعية الاخرى، وكذلك الدول الناشئة.

شرارة اليابان
ومنذ ذلك التاريخ لم تتوقف الولايات المتحدة عن الضغط على الصين من اجل رفع سعر صرف عملتها (اليوان) للوقوف بوجه اغراق الاسواق العالمية بالصادرات الصينية، لكن الصين تصر، كما الولايات المتحدة، على ابقاء عملتها ضعيفة لتأمين ولوج صادراتها الى الاسواق العالمية. وقد بقي هذا الحوار الساخن محصوراً بين قوتين عظميين، الى ان انخرطت اليابان في هذه الحرب التي اعادت عبارة «حرب العملات» الى اغلفة المجلات ومانشيتات الصحف والتحليلات.
وتجلى هذا الانخراط في قرار الحكومة اليابانية بانعاش الاقتصاد، طالبة من البنك المركزي زيادة معدل التضخم المستهدف الى 2٪ بدلاً من 1٪ في اقرب وقت، وتنفيذ برنامج لشراء الاصول. وطوال العام 2012 بقيت العملة اليابانية تدور حول 80 يناً للدولار، لكن منذ نهاية التاريخ المذكور وحتى اليوم هبطت الى 93 يناً للدولار. ويتوقع المحللون استمرار هبوط الين بسبب السياسة النقدية التي يتبعها البنك المركزي الياباني وسيكون لهذا الهبوط تأثير على المصدرين في آسيا، حيث سيجعل ضعف الين الصادرات اليابانية ارخص في الاسواق الخارجية، ويكفي ان نشير هنا الى ارتفاع عملة كوريا الجنوبية (ون) بنسبة 30٪ مقابل الين منذ منتصف العام الماضي. ولذلك اشار مسؤولون كوريون الى انهم قد يتخذون اجراءات للحد من تدفق رأس المال الى الـ «ون» الذي يؤدي الى زيادة سعر صرفه. كما عبرت المانيا عن قلقها بشأن هبوط الين في الاسابيع الاخيرة، وانتقد حاكم البنك المركزي الالماني ينزفايدمان سياسة البنك المركزي الياباني التي وصفها بالخروقات التي تدعو للقلق، والتي تنهي استقلاليته. وفي وصفه لسياسة الحكومة اليابانية قال فايدمان: «سواء كانت تلك السياسة عن قصد او لا، فان احدى نتائجها ستكون بلا شك تسييس سعر الصرف».
وبالقاء نظرة على ضخامة اسواق العملات يمكن توقع ضخامة النتائج. فسوق العملات تتميز بثلاث صفات رئيسية: الصفة الاولى تتمثل في ضخامتها، حيث تصل قيمة التعاملات فيها الى ما بين 4 و5 تريليونات دولار يومياً، ما يمثل 13 ضعفاً للنشاط الاقتصادي في العالم، الصفة الثانية تتمثل ببقاء العملات احياناً بعيدة جداً عن الاسس الاقتصادية. والصفة الثالثة تتمثل بصعوبة توضيح قيمتها على اساس الناتج الاجمالي المحلي للدول، وعلى سبيل المثال يجد المحللون صعوبة في توضيح لماذا كان اليورو مثلاً يساوي 84 سنتاً اميركياً في العام 2000 ثم ارتفع ليساوي 1،60 دولاراً في العام 2008.

مجموعة السبعة
حاول وزراء المال في مجموعة السبعة على مدى يومين في بروكسل نزع المخاوف من «حرب عملات» اشعلتها الاجراءات التي اتخذتها اليابان حديثاً، وداعية الى ترك السوق يحدد هو سعر الصرف، مع التأكيد ان الارتفاع المفرط في سعر الصرف له تأثير سلبي.
وجاء في البيان الختامي لمجموعة السبعة، المؤلفة من الولايات المتحدة، اليابان، فرنسا، المانيا، كندا، بريطانيا وايطاليا، ان وزراء المال وحكام البنوك المركزية في هذه الدول اكدوا لاعضاء المجموعة ضرورة «عدم تحديد هدف لسعر الصرف». ورأى «ان الارتفاع المفرط، والتحركات الفوضوية في اسعار الصرف يمكن ان تكو ن لها انعكاسات محبطة بالنسبة الى الاستقرار الاقتصادي والمالي».
واوضح الوزراء انهم مستمرون في التشاور على نطاق واسع في شأن القطع، والتعاون بطريقة خاصة، وقد ساهمت الولايات المتحدة في هذا النقاش حول حرب العملات، حيث دعت دول مجموعة العشرين الى تجنب «خفض العملات التنافسي». من اجل تحديد مصادر الازمة، وعدم اعاقة اقتصاد عالمي، ما زال ضعيفاً.
وفيما يقتنع الجميع بان المخاوف من حرب عملات بين الدول العظمى ناجمة عن سياسة مصرف اليابان المركزي التي بدأها في كانون الثاني (يناير) من العام الحالي تحت ضغط من الحكومة الجديدة لمكافحة الانكماش وارتفاع سعر صرف الين الذي يؤذي الصادرات، خلا بيان مجموعة السبعة من اي اشارة مباشرة الى ما قامت به اليابان، ولعل هذا الامر هو الذي دفع وزير المال الياباني تارو آزو الى الترحيب بلهجة البيان، مع تأكيده على الاستمرار في اضعاف الين.
ورأى الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند بعد صدور البيان الختامي، انه «ينبغي الا تكون العملات اداة التباعد التنافسي» كما رأى «ضرورة عدم استعمال اسعار الصرف لاغراض تجارية».

مجموعة العشرين
اذا كانت مجموعة العشرين المكونة من الدول الغنية والدول الناشئة قد ركزت في اجتماعها في موسكو على وضع حد لركود الاقتصاد العالمي، ووضعه على سكة النمو الثابت الذي «لن يقلع الا ببطء خلال العام الحالي» على حد قول المفوض الاوروبي للشؤون الاقتصادية اولي ريهن، فانها اولت السياسات النقدية في كل من الولايات المتحدة واليابان الكثير من الاهتمام لكونهما لجأتا الى خفض عملتيهما من اجل دعم اقتصاديهما. وشدد وزير المال الالماني لفغانغ شوبل في هذا المجال على «عدم تدخل الدول في اسعار القطع»، وقال: ««ان المخاوف من حرب عملات اججتها سلسلة من خفض اسعار الصرف التي تبنتها بعض الدول سعياً وراء نموها، زاد البنك المركزي من تأجيجها بتدخله في اسعار صرف الين تحت ضغط الحكومة الجديدة من خلال طبع النقد، وهي السياسة السائدة في الولايات المتحدة، والتي امتنع عنها البنك المركزي الاوروبي».
وتبين من الاجتماع، الذي عقد للمرة الاولى في موسكو، ان ابرز الدول الناشئة كروسيا، والبرازيل، والهند، وتركيا، كررت اتهامها للغرب بتعمد اضعاف عملاته، الامر الذي يؤدي الى ارتفاع قيمة عملات الاقتصادات الناشئة. ورغم ذلك لم يشر البيان الختامي لاجتماع موسكو الى مسؤولية اليابان عن توسيع دائرة حرب العملات، بل اكتفى بالقول: «ان اسعار الصرف يبقى تحديدها مسؤولية السوق وتعكس الركائز الاقتصادية».

اليورو بصحة جيدة
اكد الحاكم السابق للبنك المركزي الاوروبي جون كلود تريشيه ان العملة الاوروبية الموحدة (اليورو) لم تواجه قط خطر الانهيار رغم المشكلات الكبيرة التي ضربت الانظمة الاقتصادية في القارة القديمة. وقال ان اليورو يستند الى قاعدة صلبة، ويتمتع بالمصداقية والثقة قبل ان يستدرك بالقول: «ان المحاور التي طاولها الشك تتعلق بالاستقرار المالي لمنطقة اليورو ومستوى الائتمان».
وحذر تريشيه من خطر تفاقم حرب العملات في حال اعتقدت بعض الدول الكبرى ان عملتها الضعيفة ستفيدها اقتصادياً، مشيراً الى خطر هذا النمط من التفكير. وكان عدد من الخبراء قد توقع انهيار  اليورو قبل ستة اشهر في ذروة الازمة التي كانت تعصف باقتصاد العديد من الدول الاوروبية. كما توقعوا انهيار منطقة هذه العملة التي تضم 17 دولة، غير ان تلك التوقعات خابت وتمكن اليورو من الصعود بواقع 11٪ منذ ذلك الحين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق