تركيا تشن هجوماً برياً على أكراد سوريا والجمهوريون ينقلبون على ترامب

تنديد دولي وعربي واسع ودعوة تركيا الى وقف الغزو
هاجمت قوات تركية ومجموعات حليفة من المعارضة السورية فصائل كردية في شمال شرق سوريا بضربات جوية وقذائف مدفعية يوم الأربعاء قبل شن عملية برية عبر الحدود قد تحدث تحولاً في الحرب الدائرة منذ ثمانية أعوام.
يأتي الهجوم بعد أيام فقط من قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب سحب القوات الأميركية من المنطقة، الأمر الذي أثار تنديداً من أعضاء كبار في الحزب الجمهوري قالوا إن الرئيس تخلى عن الأكراد الموالين لواشنطن.
وذكرت وزارة الدفاع التركية على تويتر مساء يوم الأربعاء أن «القوات المسلحة التركية و(مسلحين) من الجيش الوطني السوري شنوا عملية برية شرقي نهر الفرات في إطار عملية نبع السلام» وذلك بعد يوم من قصف جوي على المنطقة.
وذكرت وسائل إعلام تركية أن الجنود دخلوا سوريا من أربعة محاور،اثنان قريبان من بلدة تل أبيض السورية والأخران على مقربة من راس العين شرقاً.
وأبلغت تركيا مجلس الأمن الدولي في رسالة أطلعت عليها رويترز بأن العملية العسكرية ستكون «متناسبة ومحسوبة ومسؤولة» وسيجتمع المجلس المؤلف من 15 دولة يوم الخميس لبحث سوريا بطلب من الدول الخمس الأوروبية الأعضاء (بريطانيا وفرنسا وألمانيا وبلجيكا وبولندا).
وفر الآلاف من بلدة رأس العين السورية باتجاه محافظة الحسكة الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد. وقالت هذه القوات إن الضربات الجوية التركية قتلت خمسة مدنيين على الأقل وأصابت عشرات آخرين.
وشاهد صحفيون من رويترز في أقجة قلعة على الجانب التركي من الحدود انفجارات في تل أبيض. وبعد حلول الظلام، أمكن رؤية الصواريخ وهي تُطلق عبر الحدود على تل أبيض وألسنة من اللهب تستعر قرب البلدة. وقال شاهد عبر الهاتف إن المدنيين يفرون جماعات.
وقال مصطفى بالي المتحدث باسم قوات سوريا الديمقراطية على تويتر إن مقاتلي القوات تصدوا لهجوم بري من القوات التركية في تل أبيض.
والهجوم على الأكراد، الذين ظلوا حلفاء واشنطن الرئيسيين في سوريا لسنوات، سيكون على الأرجح أحد أكبر التحولات في الحرب السورية الدائرة منذ ثمانية أعوام والتي شهدت تدخل قوى عالمية وإقليمية. ولعب الأكراد دوراً قيادياً في انتزاع أراض من تنظيم الدولة الإسلامية ويتحكمون الآن في أكبر مساحة من الأرض السورية خارج سيطرة حكومة الرئيس السوري بشار الأسد.
ودعت روسيا، أقوى حليف أجنبي للأسد، إلى الحوار بين دمشق والأكراد.
وندد بعض الأكراد بقرار ترامب سحب قواته من المنطقة ووصفوه بأنه «طعنة في الظهر».
«فكرة سيئة»
وصف ترامب الهجوم التركي بأنه «فكرة سيئة»، وقال إنه لم يوافق عليها. كما قال إنه يتوقع من تركيا أن تحمي المدنيين والأقليات الدينية وأن تحول دون حدوث أزمة إنسانية.
لكن أحد أوثق حلفاء ترامب وهو السناتور لينزي غراهام قال إن التخلي عن دعم الأكراد سيكون «أكبر خطأ في رئاسته».
وقالت النائبة ليز تشيني وهي من الجمهوريين الصقور «إن أميركا تتخلى عن الأكراد حلفائنا الذين قاتلوا داعش وساعدوا في حماية الأرض الأميركية. هذا القرار يساعد خصوم أميركا؛ روسيا وإيران وتركيا ويمهد لعودة داعش».
وفي إعلانه بدء العملية، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن الهدف هو القضاء على ما يصفه ”بممر الإرهاب“ على الحدود الجنوبية التركية. ودعت دول أوروبية وعربية أنقرة لوقف الهجوم.
كانت تركيا قد تأهبت للتوغل في شمال شرق سوريا منذ بدأت القوات الأميركية، التي كانت تقاتل إلى جانب القوات الكردية تنظيم الدولة الإسلامية، مغادرة المنطقة.
وقال مصدر أمني تركي لرويترز إن العملية العسكرية، التي أطلق عليها اسم «نبع السلام»، بدأت بضربات جوية. واستهدفت مدافع الهاوتزر التركية بعد ذلك قواعد ومستودعات ذخيرة تابعة لوحدات حماية الشعب الكردية. وتقول تركيا إن وحدات حماية الشعب منظمة إرهابية مرتبطة بمسلحين أكراد يحاربون في تركيا منذ سنوات.
وذكر المصدر أن ضربات المدفعية، التي استهدفت أيضاً مواقع أسلحة وقناصة تابعة لوحدات حماية الشعب، قصفت مواقع بعيدة عن المناطق السكنية.
وقالت وزارة الدفاع يوم الأربعاء إن الجيش التركي أصاب 181 هدفاً للمسلحين بضربات جوية ومدافع الهاوتزر منذ بداية العملية.
وأفاد مراسل لشبكة (سي.إن.إن) أن انفجارات هزت بلدة رأس العين وأنه أمكن سماع أصوات طائرات حربية بينما ارتفعت أعمدة الدخان من مبان في البلدة.
وذكرت وسائل إعلام تركية أن قذائف مورتر عدة سقطت على الجانب التركي من الحدود لكنها لم تسفر عن وقوع خسائر.
اضطرابات متفاقمة
تخشى قوى عالمية من أن يفتح هذا التحرك مرحلة جديدة في الحرب السورية ويؤدي إلى تفاقم الاضطرابات في المنطقة. وتقول أنقرة إنها تعتزم إقامة «منطقة آمنة» من أجل عودة ملايين اللاجئين إلى الأراضي السورية.
وقبيل بدء الهجوم الذي كان متوقعاً، قالت سوريا إنها عازمة على مواجهة أي عدوان تركي بكل السبل المشروعة.
وتسيطر قوات سوريا الديمقراطية على معظم الأراضي التي كان تنظيم الدولة الإسلامية يهيمن عليها وتحتجز آلافاً من مقاتلي التنظيم وعشرات الآلاف من ذويهم.
وقال مسؤولان أميركيان ومصدر كردي إن قوات سوريا الديمقراطية أوقفت عملياتها ضد تنظيم الدولة الإسلامية بسبب الهجوم التركي.
وذكرت قوات سوريا الديمقراطية على تويتر أن أحد السجون التي يحتجز فيها أسرى الدولة الإسلامية أصيب بضربة جوية تركية.
وأعلنت السلطات التي يقودها الأكراد في شمال سوريا حالة «التعبئة العامة» قبل أن تدعو مواطنيها للتوجه صوب الحدود.
وقالت في بيان «ندعو جميعاً مؤسساتنا ومكونات شعبنا للذهاب إلى المنطقة الحدودية مع تركيا لأداء واجبهم الأخلاقي والمقاومة في هذه اللحظات التاريخية الحساسة».
وقال فخر الدين ألتون، مدير الاتصالات بمكتب أردوغان، إن بلاده ليس لها مطامع في شمال شرق سوريا إلا تحييد الخطر الذي يهدد المواطنين الأتراك وتحرير سكان المنطقة من قبضة «قطاع الطرق المسلحين».
وأضاف ألتون أن تركيا تولت قيادة القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا.
مقتل 24 شخصاً في الغارات التركية
وبدأ الهجوم التركي بغارات جوية محدودة استهدفت بلدة رأس العين ومحيطها، قبل أن يطاول قصف مدفعي مدناً وقرى عدّة على طول الشريط الحدودي، في المنطقة التي تأمل أنقرة إقامة «منطقة آمنة» فيها تُعيد إليها اللاجئين السوريين لديها.
واستهدف القصف الذي استمر لساعات بعد الظهر «مواقع عسكريّة ومدنيّة»، وفق ما أعلنت قوات سوريا الديمقراطية.
وأسفر القصف على مناطق عدة، والذي طاول ليلاً مدينة القامشلي، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان، عن مقتل ثمانية مدنيّين، بينهم طفلان، و16 مقاتلاً من قوات سوريا الديمقراطية. كما أصيب العشرات بجروح.
من جهته، قال وزير الدفاع التركي خلوصي آكار مساء الأربعاء إن العمليات العسكرية «ستستهدف فقط مخابئ الإرهابيين وملاجئهم وأسلحتهم»، لافتاً إلى أنّ «المدنيّين الأبرياء… وكذلك الأصدقاء وعناصر الدول الحليفة في منطقة العمليات لن يتعرّضوا للأذى».
وشنت تركيا غاراتها رغم إعلان مسؤول رفيع في الخارجية الأميركية الاثنين أن القوات الأميركية المتواجدة في المنطقة أغلقت الأجواء أمام الطائرات التركية.
أشتباكات عنيفة مع قوات سوريا الديمقراطية
وأفادت قوات سوريا الديمقراطية عن «اشتباكات عنيفة بالأسلحة الثقيلة» قرب مدينة تل أبيض بعد تمكّنها من منع القوّات التركيّة من دخولها.
وقال المسؤول الإعلامي لتلك القوات مصطفى بالي في تغريدة على تويتر إن «قوات سوريا الديمقراطية في تل أبيض تصدت لهجوم القوات التركية البري»، مضيفاً «ليس هناك أي تقدم حتى الآن». وجاء ذلك بعيد إعلان تركيا بدء هجومها البري بالتعاون مع فصائل سورية موالية لها ضد المقاتلين الأكراد.
نزوح آلاف المدنيين
وتحدث المرصد عن نزوح آلاف المدنيين باتّجاه مناطق لا يشملها القصف التركي.
وشاهد مراسل وكالة الأنباء الفرنسية في رأس العين، إثر بدء القصف سحباً من الدخان وعشرات المدنيين من رجال ونساء وأطفال لدى فرارهم عبر سيّارات وشاحنات صغيرة أو سيراً على الأقدام محمّلين بأمتعتهم. كما أفاد ليلاً عن بدء حركة نزوح من القامشلي.
وحذرت منظمة العفو الدولية الأربعاء أطراف النزاع من استهداف المدنيين. وقالت مديرة بحوث الشرق الأوسط لين معلوف إنّ «تركيا ملزمة بموجب القانون الإنساني الدولي أن تتّخذ كلّ الإجراءات اللازمة لحماية المدنيّين وضمان وصول المساعدات الإنسانيّة».
وهذا ثالث هجوم تشنّه تركيا مع فصائل سورية موالية لها في شمال سوريا، بعد هجوم أوّل في العام 2016 سيطرت بموجبه على مدن حدودية عدّة، وثان عام 2018 سيطرت على إثره على منطقة عفرين في شمال سوريا.
فرانس 24/ أ ف ب